زواج القاصرات: تعليمات جديدة لا تلغي التحفظات
حصادنيوز-تباينت الآراء حول تعليمات منح الإذن بالزواج لمن أكمل خمس عشرة سنة شمسية من عمره، ولم يكمل الثامنة عشرة، المستندة إلى قانون الأحوال الشخصية، ليرى البعض فيها “ردة” عن موقف أردني عام يرفض تزويج القاصرين، في حين يرى آخرون إنها قد تساهم بحفظ حقوق القاصرين، حال زواجهم، كونها تشترط ضمان إكمال تعليمهم مثلا.
هذه التعليمات الجديدة يلغي إقرارها تعليمات منح الإذن بالزواج لمن هم دون سن الثامنة عشرة لعام 2011، تنص على أنه “يجوز للقاضي أن يأذن بزواج من أكمل الخامسة عشرة من عمره ولم يكمل الثامنة عشرة إذا كان في زواجه ضرورة تقتضيها المصلحة وفقاً لأحكام هذه التعليمات”.
وتنص التعليمات الجديدة على شروط منح الإذن بالزواج، حيث جاء فيها: “يجب على المحكمة مراعاة ما يلي لغايات منح الإذن بالزواج: 1- أن يكون الخاطب كفؤاً للمخطوبة وفقاً لأحكام المادة (21) من القانون. 2- أن يتحقق القاضي من الرضا والاختيار التامين. 3- أن تتحقق المحكمة من الضرورة التي تقتضيها المصلحة وما تتضمنه من تحقيق منفعة أو درء مفسدة وبما تراه مناسباً من وسائل التحقق. 4- أن لا يتجاوز فارق السن بين الطرفين الخمسة عشر عاماً. 5- أن لا يكون الخاطب متزوجاً. 6- أن لا يكون الزواج سبباً في الانقطاع عن التعليم المدرسي. 7- إثبات مقدرة الخاطب على الإنفاق ودفع المهر وتهيئة بيت الزوجية. 8- إبراز وثيقة الفحص الطبي المعتمد.”
لكن التعليمات الجديدة لم تنص صراحة في حال مخالفة القاضي أو المحكمة لشروطها على ما يترتب على ذلك من آثار خاصة على عقد الزواج، فما الذي يترتب في حال تمت الموافقة على عقد زواج القاصرة دون التحقق من موافقة الولي أو كان فارق العمر بينهما أكثر من 15 عاماً؟، أو لأي سبب آخر مخالف للشروط، وماذا سيكون مصير عقد الزواج؟”.
الناشطة بمجال حقوق المرأة المحامية هالة عاهد ترى ان تعليمات منح الإذن بالزواج للقصر “لازالت غير كافية لمنع تزويج القاصرين”؛ مبينة انه في ظل وجود تعليمات سابقة ارتفعت أعداد تزويج الفتيات لأكثر من 10 آلاف حالة العام الماضي، وأكثر من 300 حالة تزويج لفتى قاصر؛ وهي أرقام “مرتفعة” تشير إلى أن هناك تساهلا في منح الإذن بالزواج بالتعليمات الجديدة كما في سابقتها، التي “جاءت بشروط فضفاضة وغير منضبطة ولا يمكن متابعتها وليست كافية لمنع التزويج”.
واشارت عاهد الى ان الشروط المذكورة بالتعليمات هي “شروط تنطبق على عقود الزواج كافة، وليست شروطا خاصة أو مشددة لزواج القصر؛ كاشتراط ان يكون الخاطب كفؤا للمخطوبة وأن يتحقق القاضي من الرضا والاختيار وإبراز وثيقة الفحص الطبي، وهي شروط لا يمكن للمحكمة التي تمنح الإذن أن تضمن تحققها بعد إجراء عقد الزواج”.
وقالت عاهد: “ماذا تملك المحكمة من وسائل لضمان بقاء الفتاة على مقاعد الدراسة، خاصة أن تعليمات “التربية” تمنع الفتاة المتزوجة من العودة للدراسة المنتظمة؛ وهذا الشرط يتناقض كذلك مع شرط في التعليمات نفسها حول إثبات قدرة الخاطب على الإنفاق، ما يعني السماح ضمنا للخاطب القاصر بان يترك مقاعد الدراسة وينخرط بالعمل، وكيف يمكن الاعتداد برضا القاصر على عقد الزواج في حين ان المنظومة التشريعية تراه لم يبلغ سن الرشد، وتقيد العديد من التصرفات القانونية على هذا الأساس، وألا يعد فرق سن 15 سنة فرقا كبيرا وغير مناسب”.
وترى عاهد أن التعليمات تحوي تناقضا بين الشروط التي تنطبق على الذكور وعلى الفتيات، “ففي حين تشترط موافقة من قسم شؤون القاصرين على عقد زواج القاصر الذكر، فانها لا تشترط هذا للإناث، وكانت التعليمات ترى بزواج الذكر القاصر استثناء، بينما الأصل هو تزويج الأنثى”، مبينة ان خطورة التعليمات الجديدة انها “تركت قرار منح الإذن للقاضي وحده في حين التعليمات القديمة كانت قد اشترطت موافقة قاضي القضاة ليمنح القاضي الإذن بالزواج، وتركت مسألة إحالة الطلب الى مكتب الإصلاح والوساطة جوازية للقاضي وليست وجوبية؛ وتركت الباب مفتوحا بحال عدم انطباق الشروط لإحالة الطلب لمديرية التركات وشؤون القاصرين، ما يعني منح الإذن مع عدم انطباق الشروط”.
لكن الناشطة، مديرة مركز العدل للمساعدة القانونية هديل عبد العزيز ترى ان “القانون الاردني أصلا يسمح بتزويج من هم دون 18 سنة، واكبر من 15 بعد صدور إذن من المحكمة”.
وتضيف: “ما هو جديد ان هناك تعليمات تم نشرها بهدف تعميمها لتنظيم كيفية إعطاء الإذن”.
نشر التعليمات وتطبيقها “شيء إيجابي” تقول عبد العزيز، “فمن ضمن الشروط ضمان عدم انقطاع الطفل عن التعليم وعدم وجود فارق كبير بالعمر بين الزوجين، والتحقق من الرضا ووجود منفعة وغيره”.
وتطالب عبد العزيز بإلغاء زواج الاطفال، لكن تستدرك انه “طالما ان الواقع القانوني يسمح به، فصدور التعليمات امر إيجابي، ربما تسهم بتوقف عمليات تزويج الطفلات لرجال أكبر سنا، مقابل المال والتي انتشرت في السنوات الأخيرة”.
جمعية معهد تضامن النساء تنتقد منح صلاحيات أوسع للقاضي دون اشتراط موافقة قاضي القضاة، على تزويج القاصر، وترى أن التعليمات بذلك “تكون ألغت الرقابة على قرارات منح الإذن بالزواج للتأكد من أن القاضي قد تقيد بالشروط”. وعلى الرغم من أن التعليمات نصت على ضرورة أن يتم فتح ملف بالمحكمة لكل حالة تتضمن البينات والمعززات، غير أن التحقق من صحة الإذن بالزواج – بحسب “تضامن”- لن تتم إلا بحال وجود شكوى أو بحال أجري تفتيش دوري على أعمال المحاكم، “ما يثير المخاوف من وجود حالات قد يمنح فيها الإذن بالزواج لا تنطبق عليها كامل الشروط”.
وفيما تؤكد “تضامن” من حيث المبدأ على موقفها المعارض لزواج القاصرين والقاصرات، ومطالبتها المستمرة بحصر حالات الإذن بزواج من أكمل السادسة عشرة من عمره وتحديدها بدقة، فقد دعت لأن تحد التعليمات الجديدة من عدد حالات تزويج الأطفال (الزواج المبكر).
وتجد “تضامن” بأن التعليمات الجديدة قد أوجبت على المحكمة مراعاة شروط فارق العمر والتعليم وأن لا يكون الخاطب متزوجاً، على عكس التعليمات القديمة التي نصت على أن “للمحكمة ما أمكن مراعاة هذه الشروط”. لكنها رأت أن 15 عاماً كفارق بين الخاطب والمخطوبة “ما زال كبيراً”، ويجب أن لا يزيد على 10 أعوام كحد أقصى.
كما رأت أن استخدام مصطلح “وجود مراعاة الشروط” قد يفتح المجال “أمام التساهل مع التحقق من توفرها، حيث كان بالإمكان استخدام “يشترط لمنح الإذن بالزواج” حيث يكون عدم توفر أحد هذه الشروط أو أكثر سبباً في عدم منح الإذن بالزواج.
واشادت “تضامن” بالشرط الوارد في المادة (8) من التعليمات التي توجب على الخاطب والمخطوبة الالتحاق بدورة المقبلين على الزواج والتي تنظمها دائرة قاضي القضاة، ومن شأن ذلك “رفع وعي الفتيات القاصرات على وجه التحديد بالأمور المتعلقة بالزواج والأسرة، خاصة في ظل ارتفاع حالات الطلاق خاصة المبكر”.
التقرير الإحصائي السنوي لعام 2015 والصادر عن دائرة قاضي القضاة في الأردن أكد على أن إجمالي حالات الطلاق التي أوقعت من زواج العام 2015 والخاص بالزوجة، في المملكة بلغت 5599 واقعة طلاق، منها 64.2 % لزوجات أعمارهن أقل من 25 عاماً، ومن بينهن 494 قاصرة، وبنسبة 8.8 %. علماً بأن إجمالي حالات الطلاق التراكمي خلال العام 2015 من زواج العام 2015 وما قبل وصل إلى 22070 واقعة طلاق ومن بينهن 1026 قاصرة.