بي بي سي: هل ستحل صورة لجثة متحللة لغز اختفاء موسى الصدر في ليبيا؟

12٬560

 

حصادنيوز –  تساءل تحقيق أعدّه محمد شريف ونشر في موقع “بي بي سي عربي” إنْ كانت صورة لجثة متحلّلة كافية لحل لغز اختفاء رجل الدين الشيعي موسى الصدر في ليبيا عام 1978.

وبدأت قصة الصورة في ليبيا عام 2011، عندما التقطها صحافي في مشرحة سرية في العاصمة الليبية طرابلس، حيث قيل له إنها جثة موسى الصدر.

وجاء في التحقيق أن أستاذًا في علم الكمبيوتر من جامعة برادفورد سأل بنوع من الشك: “هل هذا شكله الآن؟”. وكان البروفيسور حسن أوغيل من جامعة برادفورد سيحلل صورة ستنشرها “بي بي سي” على خوارزمية ضمن تحقيقها.

وظل اختفاء الصدر محلًا للتكهنات ونظريات المؤامرة، حيث اعتُقد أنه قُتل في رحلته تلك، بينما ظل آخرون يرددون أنه لا يزال حيًا ومحتجزًا في ليبيا.

ومهما يكن، فإن اختفاء الإمام الصدر الغامض منحه قوة معنوية كتلك التي تترافق عند الحديث عن الإمام الغائب عند الشيعة الاثني عشرية.

ومن هنا، يتوقف الكثير على عملية التعرف التي أجرتها جامعة برادفورد. فقد قال الصحافي الذي التقط الصورة إن الجثة طويلة القامة على نحو غير عادي، وكان الصدر معروفًا بطول القامة الذي بلغ 1.98 متر. والمشكلة أن الصورة مشوّهة لدرجة لا يمكن التعرف على ملامح الوجه إلا بالكاد.

ومن هنا فالسؤال: هل يمكن فك لغز اختفائه بعد أكثر من أربعة عقود؟

وأهمية حل اللغز تنبع من المكانة الأسطورية التي يحظى بها الصدر في أذهان أتباعه، ومن دوره السياسي في لبنان، وبخاصة جهوده لتعزيز مكانة الشيعة، عندما أطلق في عام 1974 “حركة المحرومين”، كمنظمة اجتماعية وسياسية طالبت بالتمثيل النسبي للشيعة والتحرر الاجتماعي والاقتصادي للفقراء بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية.

وفي 25 آب/أغسطس 1978، سافر الصدر إلى ليبيا بدعوة من زعيمها آنذاك العقيد معمر القذافي، في وسط الحرب الأهلية التي شارك فيها المقاتلون الفلسطينيون والذين كانوا يتمركزون في جنوب لبنان.

وكان الصدر يريد من القذافي، الذي كان يدعم الفلسطينيين، أن يتدخل لحماية المدنيين اللبنانيين.

وفي 31 آب/أغسطس، وبعد انتظار دام ستة أيام للقاء القذافي، شوهد الصدر وهو يُقاد بعيدًا عن فندق في طرابلس في سيارة حكومية ليبية. واختفى أثره بعد ذلك، وزعمت أجهزة أمن القذافي لاحقًا أنه غادر إلى روما، لكن التحقيقات أثبتت كذب ذلك.

في عام 2011، ذهب الصحافي قاسم حمد إلى ليبيا، حيث تلقى معلومة سرية عن الصدر. وكانت هناك سبع عشرة جثة محفوظة في غرفة التبريد التي أُدخل إليها، إحداها لطفل، والبقية لرجال بالغين. قيل لقاسم إن الجثث محفوظة منذ نحو ثلاثة عقود، وهو ما يتوافق مع الإطار الزمني لاختفاء الصدر. جثة واحدة منها فقط تشبه الصدر.

ويقول قاسم: “ذلك الدرج الواحد، (موظف المشرحة يفتحه)، يكشف الجثة، ولفت انتباهي أمران فورًا: شكل وجه الجثة، ولون البشرة، والشعر ما زال يشبه الصدر، رغم مرور الزمن. أما الأمر الثاني، فالشخص بدا أنه أُعدم”.

على الأقل كان ذلك استنتاج قاسم، استنادًا إلى الجمجمة، التي بدت وكأنها تعرضت إما لضربة قوية على الجبهة، أو لطلقة فوق العين اليسرى.

لكن كيف يمكن أن نعرف يقينًا أن هذه الجثة للصدر؟

وقد أُرسلت الصورة، التي التقطها قاسم في المشرحة، إلى فريق في جامعة برادفورد، والذي كان يطور، منذ 20 عامًا، خوارزمية فريدة تُدعى “التعرف العميق على الوجه”، وهي تميز أوجه تشابه معقدة بين الصور، وأُثبت أنها موثوقة للغاية في الاختبارات حتى على الصور غير المثالية.

وافق البروفيسور أوغيل، الذي يقود الفريق، على مقارنة صورة المشرحة بأربع صور للصدر في مراحل مختلفة من حياته، حيث تمنح البرمجية صورة المشرحة تقييمًا عامًّا على 100 نقطة، وكلما ارتفع الرقم زادت احتمالية أن يكون الشخص هو نفسه، أو أحد أقاربه.

وإذا جاءت النتيجة دون الخمسين، فالشخص على الأرجح لا علاقة له بالصدر. أما بين 60 و70 نقطة فيعني أنه هو أو قريب له. أما إذا بلغت 70 نقطة أو أكثر فهذا يُعتبر تطابقًا مباشرًا.

وقد حصلت الصورة على نتيجة في الستينيات، “احتمال مرتفع” أن تكون للصدر، بحسب ما قال البروفيسور أوغيل.

وللتأكد من النتيجة، استخدم الأستاذ الخوارزمية ذاتها لمقارنة الصورة مع ستة من أفراد عائلة الصدر، ثم مع 100 صورة عشوائية لرجال من الشرق الأوسط على درجات متفاوتة من الشبه به. وقد حصلت صور العائلة على نتائج أفضل بكثير من الصور العشوائية، لكن أفضل نتيجة بقيت المقارنة بين صورة المشرحة وصور الصدر في حياته.

وأظهرت النتيجة أن هناك احتمالًا قويًا أن قاسم قد رأى جثة الصدر. ولأن الجمجمة تعرضت للتهشم، فإن احتمال قتل الصدر عالٍ، على الأرجح.

وفي آذار/مارس 2023، وبعد أربع سنوات تقريبًا من العثور على صورة قاسم لأول مرة، سافر معدّ التقرير إلى ليبيا للحديث مع شهود محتملين، وللبحث عن الجثة بأنفسهم. حيث كان يعرف وفريقه دائمًا أن القصة حساسة، لكنهم فوجئوا برد الفعل الليبي.

حيث وجد الفريق نفسه في شبكة التوترات السياسية الليبية، كما لم يتذكر قاسم اسم المنطقة التي زارها عام 2011، سوى أنها كانت قرب مستشفى.

وقيل إنها قرب مستشفى على مسافة قريبة، وعندما اتجهوا إليه قال قاسم فجأة: “هذا هو المكان، أنا متأكد، هذا هو المبنى الذي ضم المشرحة”.

وكانت صورة المبنى الخارجي آخر ما استطاع الفريق تصويره. وبعدها أُلغيت تصاريح التصوير، واعتدت مجموعة رجال مجهولين على الفريق، حيث اتضح لاحقًا أنهم من جهاز المخابرات الليبية، من دون أي تفسير.

ونُقلوا إلى سجن تديره المخابرات الليبية، واحتُجزوا في الحبس الانفرادي، واتُّهموا بالتجسس، وتعرضوا للاستجواب المتكرر.

وبعد ستة أيام صعبة في الاحتجاز أُفرج عنهم بعد ضغوط من “بي بي سي” والحكومة البريطانية، ورُحّلوا.

ومهما كانت نتائج تحليل الصورة، فقصة الصدر تدور بين سيناريو قتله في ليبيا وبقائه على قيد الحياة، وخاصة بين أتباعه في لبنان.

قد يعجبك ايضا