لوموند: قمة ألاسكا شكّلت فشلًا واضحاً لترامب وأتاحت لبوتين فرصة للاستعراض على أرض أمريكية

9٬890

 

حصادنيوز – تحت عنوان “الحرب في أوكرانيا.. دونالد ترامب يفشل في انتزاع وقفٍ لإطلاق النار من فلاديمير بوتين”، قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إن كثيرين كانوا يخشون أن تتحول هذه القمة، التي لم تُدعَ إليها أوكرانيا المعتدى عليها، إلى “ميونيخ جديد”، حيث تتخلى الولايات المتحدة عنها لروسيا كما تُركت تشيكوسلوفاكيا لهتلر عام 1938؛ أو إلى “يالطا جديدة”، مؤتمر فبراير 1945 الذي قسّم أوروبا بين ستالين والحلفاء الغربيين. لكن في الحقيقة، لا أحد يعرف ما الذي جرى التفاوض عليه، سوى أن قمة ألاسكا شكّلت فشلًا واضحًا لدونالد ترامب.

قبل الاجتماع، كرر الرئيس الأمريكي مطلبه: وقف إطلاق نار. وقال: “أريد وقفًا سريعًا لإطلاق النار. لا أعرف إن كان سيحدث اليوم، لكنني لن أكون راضيًا إن لم يكن اليوم… أريد أن تتوقف المجازر. جئتُ لأوقفها”. لكن لم يُعلن أي شيء من ذلك. لم يُفصَّل أي اتفاق، حتى وإن كان لا يمكن استبعاد أن المفاوضات قد تقدمت. على المدى القصير، سيظل السلام مؤجلًا.

المؤتمر الصحفي، الذي دُعي الصحفيون إليه عند الساعة الرابعة عصرًا مع فلاديمير بوتين، لم يكن مؤتمرًا صحفيًا حقيقيًا: فلا أسئلة من الصحفيين. مجرد بيان مدته سبع دقائق ألقاه بوتين عن الصداقة بين روسيا والولايات المتحدة، فيما اكتفى ترامب بخمس دقائق من تصريحات ملتبسة ومحرجة، لعدم حصوله على النتائج التي كان يأملها.

قال ترامب معترفًا: “كنا متفقين على العديد من النقاط، أغلبها. بعض النقاط المهمة لم تُحسم بعد تمامًا، لكننا تقدمنا. لن يكون هناك اتفاق ما لم يكن هناك اتفاق شامل. سأتواصل مع الناتو بعد قليل. وسأتحدث مع مختلف الأشخاص الذين أراهم معنيين، وبالطبع مع الرئيس زيلينسكي لأبلغه بما جرى اليوم. القرار يعود لهم”.

بعث العلاقات الروسيةـ الأمريكية

واعتبرت “لوموند” أن الفشل، إن تأكد، كان في طياته مصدر ارتياح للأوكرانيين والأوروبيين: فهم لم يُفرض عليهم أمر واقع، أو يُجبروا على قبول تنازلات إقليمية مقابل وقف إطلاق النار، أو حتى “فنلدة” أوكرانيا بضمانات أمنية غامضة. وبهذا عادوا إلى قلب المعادلة، بعدما فشل ترامب في حل الملف منفردًا.

وقبل ذلك، أشاد بوتين بـ”اتفاقات” من دون أن يعطي أي تفصيل. واكتفى بالتأكيد على بعث العلاقات الروسيةـ الأمريكية، مذكرًا بفترة التعاون “المجيدة” بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي خلال الحرب العالمية الثانية، حين كانت ألاسكا بمثابة معبر لتسليم المعدات العسكرية إلى ستالين.

وقال: “المحادثات جرت في جو بنّاء. بلدانا جاران قريبان. وعندما نزلتُ من الطائرة قلت: أهلاً بالجار العزيز! ما يحدث في أوكرانيا بالنسبة لنا مأساة وألم. كنا دائمًا نعتبر الشعب الأوكراني شعبًا شقيقًا. حلّ دائم يتطلب معالجة جذور النزاع. بالطبع يجب ضمان أمن أوكرانيا، ونحن مستعدون للعمل على ذلك. نأمل أن لا تدخل كييف وأوروبا في استفزازات تعرقل التقدم. شراكتنا مع الولايات المتحدة تملك إمكانات. ترامب يفهم أن لروسيا مصالحها الوطنية. وهو يقول إنه لو كان رئيسًا، لما بدأت الحرب، وأنا أوافقه الرأي”.

وعندما عبّر ترامب عن رغبته بلقاء بوتين مجددًا قريبًا، أجابه الأخير: “المرة القادمة في موسكو”. وإدراكًا للفخ السياسي الذي قد يمثله الذهاب إلى روسيا، خاصة إذا كان الهدف حل الحرب الأوكرانية، حاول ترامب التهرب قائلًا: “أوه، هذا مثير. سأجلب على نفسي الانتقادات، لكن قد يحدث ذلك”.

في الواقع، – تقول “لوموند” – قمة ألاسكا أتاحت لبوتين فرصة للاستعراض على أرض أمريكية من دون خطر التوقيف بموجب مذكرة المحكمة الجنائية الدولية التي تتهمه بجرائم حرب، كون الولايات المتحدة ليست عضوًا فيها.

ترامب، الذي اعتاد على الحملات الإعلامية، وجد نفسه محرومًا منها، إذ كان يروّج للقمة كخطوة نحو السلام عبر تبادل للأراضي، ولم يعد هدفه في النهاية سوى الحصول على وقف إطلاق النار وقمة ثلاثية.

في طائرته الرئاسية، أسهب في الحديث إلى الصحفيين، ومنح عدة مقابلات لقناة “فوكس نيوز” المحافظة. ومن الغريب أنه، قبل القمة، اتصل بأقرب حلفاء بوتين، ألكسندر لوكاشينكو، مبديًا سعادته على شبكته “تروث سوشيال” بـ”مكالمة رائعة” مع “الرئيس المحترم جدًّا لبيلاروسيا”، الذي يحكم بلاده بقبضة من حديد منذ عام 1994، تقول “لوموند”.

في قلب الدفاع الأمريكي عن القطب الشمالي والمحيط الهادئ

ومضت “لوموند” موضحة أنه حين هبطت طائرة “إير فورس وان” في ألاسكا الساعة 10:30 صباحًا بالتوقيت المحلي، في قاعدة إلمندورف-ريتشاردسون، بدا أن الأمور انتقلت من الكلام إلى الاستعراض المدروس. بقي كل شيء جامدًا على متن الطائرة، حتى وصول بوتين عند الساعة 11:00، بعدما توقف في سيبيريا وأشاد بطياري الجسر الجوي في الحرب العالمية الثانية.

في مشهد غريب، ظلت أبواب الطائرتين الرئاسيتين مفتوحة دون أن يخرج أحد. وأخيرًا، نزل ترامب أولًا بخطوات بطيئة متوترة، وحين وصل إلى الأرض خرج بوتين من طائرته “إليوشين 96”. انتظر ترامب نظيره على البساط الأحمر، وصفق له مرتين على الأقل، فيما رفع بوتين إبهاميه.

القاعدة تقع في قلب الدفاع الأمريكي عن القطب الشمالي والمحيط الهادئ. عرض ترامب أربع مقاتلات أمريكية شبحية من طراز F-22، فيما حلقت طائرات أخرى، بينها قاذفة B-2، في السماء. بعد هذا العرض، دعا ترامب بوتين إلى سيارته الرئاسية (The Beast). وهو أمر نادر- سبق أن أراد فعله مع كيم جونغ أون، لكن مستشاريه ثنوه حينها- وتبع ذلك مفارقة أخرى: الرجلان تحادثا في السيارة من دون مستشارين أو مترجمين.

بدأ الاجتماع عند الساعة 11:30، من دون أي تصريح علني. وعلى عكس ما كان مخططًا، لم تكن المواجهة فردية، بل أصبحت اجتماعًا سداسيًا: ترامب برفقة وزير خارجيته ماركو روبيو ومبعوثه الخاص وصديقه رجل الأعمال ستيف ويتكوف، فيما حضر بوتين مع وزير خارجيته سيرغي لافروف ومستشاره الدبلوماسي يوري أوشاكوف. وكان لافروف قد لفت الأنظار بوصوله إلى ألاسكا مرتديًا قميصًا يحمل شعار “الاتحاد السوفياتي”، في تذكير بمرحلة سيطرة موسكو على أوكرانيا.

“لا اتفاق”

في الحقيقة، – تُواصل “لوموند” – كان اليوم يوم بوتين… يوم الصمت. تجاهل أسئلة الصحفيين، ومنها إن كان سيقبل بوقف إطلاق النار، أو يتوقف عن “قتل المدنيين”، حيث تظاهر بعدم السماع. في الأثناء، واصلت الطائرات والمسيّرات الروسية قصف أوكرانيا. وكان زيلينسكي محقًا حين قال قبل القمة: “الحرب مستمرة لأنها ببساطة لا تملك أي أمر أو إشارة من موسكو تدل على الاستعداد لإنهائها”.

كان من المقرر أن يتبع اللقاء غداء عمل يتركز على استئناف العلاقات التجارية وربما رفع العقوبات. ترامب كان يرغب في إعادة فتح الأعمال مع روسيا، بغض النظر عن أوكرانيا. لذا حضر وزير الخزانة سكوت بيسّنت ووزير التجارة هوارد لوتنيك. أما بوتين فكان برفقة وزير ماليته أنطون سيلوانوف ورئيس الصندوق السيادي الروسي كيريل ديميترييف. لكن الجانب الاقتصادي أُلغي، ما شكّل خيبة أمل كبيرة للكرملين الذي كان يأمل بتخفيف العقوبات لإنعاش اقتصاده المتدهور.

بعد المؤتمر الصحفي، وضع بوتين إكليلًا من الزهور على قبور الطيارين السوفيات المدفونين في قاعدة إلمندورف-ريتشاردسون، ثم التقى رئيس الكنيسة الأرثوذكسية في سيتكا وألاسكا، ألكسيس. وبعدها أقلعت طائرته نحو ماغادان في أقصى الشرق الروسي.

وبغياب تفاصيل إضافية، اكتفت الصحافة الأمريكية بالقول إن النتيجة كانت “لا اتفاق” (No Deal)، للرجل الذي يفاخر بأنه يتقن “فنّ الصفقات”. فما هو مؤكد أن ترامب ما يزال معجبًا ببوتين، الذي وصفه بعد اللقاء على “فوكس نيوز” بأنه “رجل قوي… صلب كالصلب”. ومستبعدًا فرض عقوبات جديدة على روسيا، اعتبر الرئيس الأمريكي أن الهدف يبقى “السلام الدائم”.

ولما فشل في إلزام روسيا، حمّل المسؤولية لأوكرانيا وحلفائها الأوروبيين: “الآن، يعتمد الأمر حقًا على الرئيس زيلينسكي لتحقيق ذلك. وأود أن أقول أيضًا على الدول الأوروبية، إذ يجب أن تنخرط قليلًا أكثر…”.

قد يعجبك ايضا