حلول الذكرى السادسة للحراك الشعبي في الجزائر وسط جدل حول واقع البلاد

10

 

حصادنيوز – تحل الذكرى السادسة للحراك الشعبي في الجزائر في ظل ما بدا غيابا لأي احتفاء رسمي أو تغطية إعلامية لهذه المناسبة، رغم أن الدستور الجزائري الجديد قد أقرَّ الحراك واعتبره محطة بارزة في تاريخ البلاد. وبينما ترى السلطات أن المطالب التي رفعتها المسيرات الشعبية عام 2019 قد تحققت عبر الإصلاحات السياسية والدستورية، تعتبر المنظمات الحقوقية والمعارضة أن الواقع الجزائري يقول شيئا.

لا يزال الحراك الشعبي، رغم مرور كل هذه السنوات، يحظى بالكثير من الرمزية في وجدان الجزائريين الذين قرروا يوم 22 شباط/فيفري 2019 وضع حد لحكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي كان يستعد للاستمرار لعهدة رئاسية خامسة، رغم أنه كان عاجزا عن الحركة والكلام، في مشهد مثّل إهانة كبيرة للبلاد وتاريخها. وأخذ الجزائريون بعد سنوات من الصمت، على عاتقهم تصحيح هذا الوضع عبر مسيرات مليونية كانت غاية في الرقي والسلمية والحضارية، عمّت كامل ربوع البلاد، ليتكلل ذلك باستقالة الرئيس في نيسان/أبريل 2019.

ومع الإطاحة ببوتفليقة، لم يتوقف الحراك الذي طالب برحيل منظومة الحكم التي رافقت الرئيس السابق والشروع في إصلاحات جذرية تضع البلاد على سكة الديمقراطية. وهنا، اختلفت الإرادات بين السلطة التي كانت قائمة آنذاك بقيادة رجلها القوي الراحل أحمد قايد صالح رئيس اركان الجيش وبين المتظاهرين ومختلف الفعاليات السياسية المنتمية للحراك الشعبي، حول المسار السياسي الذي يجب أن تنتهجه البلاد لتجاوز الفراغ الذي صنعه رحيل الرئيس السابق وتحقيق المطالب الكبرى في التغيير.

وانتهى هذا الصراع في نهاية 2019، بفرض تنظيم انتخابات رئاسية، رغم معارضة الكتلة الصلبة في الحراك الشعبي، ترتب عنها مجيء الرئيس عبد المجيد تبون للسلطة، وهو الواقع الذي رسم الفترة التي تلت الحراك الشعبي إلى اليوم. ومع أن البلاد أصبح لها دستور جديد ونظمت 3 انتخابات منذ تلك الفترة بينها الرئاسيات الأخيرة سنة 2024، إلا أن إرهاصات فترة الحراك الشعبي وما شهدته من اعتقالات ومتابعات استمرت في الزمن حتى بعد توقف المسيرات، لا تزال تلقي بظلالها على المشهد الحقوقي.

وفي هذا السياق، أصدرت منظمة شعاع لحقوق الإنسان بيانًا بمناسبة ذكرى الحراك، أكدت فيه أن “إرادة الشعب الجزائري في التغيير لم ولن تنكسر رغم المحاولات المستمرة لإجهاض المسار الديمقراطي عبر سياسات القمع والتضييق”. وجاء في البيان أن “الحراك الشعبي كان محطة مفصلية في تاريخ الجزائر الحديث، حيث خرج الملايين إلى الشوارع مطالبين بدولة مدنية ديمقراطية قائمة على سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، إلا أن السلطة واجهت هذه المطالب بالمزيد من القمع والمناورة السياسية”.

وأشارت المنظمة إلى أن “الجزائر لا تزال تعيش في ظل نظام يرفض الاستجابة لتطلعات الشعب، ويواصل خنق الحريات واعتقال النشطاء والتضييق على الصحافة”، مؤكدة أن “الإفراج عن جميع معتقلي الرأي ووقف الملاحقات القضائية التعسفية ضد النشطاء والصحفيين يمثلان شرطين أساسيين لأي تقدم سياسي حقيقي”. وتقدر أوساط حقوقية، عدد المعتقلين بحوالي 200 متابعين في قضايا رأي، وهو العدد الذي يزيد وينقص بحسب إجراءات العفو التي يصدرها الرئيس في المناسبات الدينية والوطنية.

ومن بين القضايا اللافتة في الأيام الأخيرة ـ إلى جانب الأحكام الصادرة في حق ناشطين وناشطات (كعبلة قماري) وعضو هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي المحامي منير غربي، الذي صدر في حقه حكم بثلاث سنوات بينها سنتان سجنا نافذا ـ ما حدث مع فتحي غراس، منسق الحركة الديمقراطية الاجتماعية، وزوجته مسعودة شبالة التي تحدثت عن تعرضهما لمعاملة غير لائقة من قبل عناصر أمنية أثناء توقيفهما في أحد شوارع العاصمة. وأوضحت شبالة في تدوينة على حسابها على فيسبوك أن التوقيف كان عنيفًا ولم يتم الإفصاح عن أسبابه بشكل واضح، مما دفعهما إلى المقاومة. وقد أكدت لاحقًا أن مسؤولي الشرطة اعتذروا لهما بعد اكتشاف أن المعلومات التي استندوا إليها لم تكن دقيقة.

من جهتها، ترفض السلطات الجزائرية هذه الاتهامات، مؤكدة وفق تصريحات لطفي بوجمعة وزير العدل الأخيرة أمام البرلمان، أنه لا يوجد في البلاد أي معتقل على خلفية رأيه السياسي، بل إن جميع الموقوفين متابعون في قضايا تتعلق بالقانون العام أو بمخالفات قانونية واضحة.  وأكد أن الجزائر لا يمكن أن تبنى بالسب والشتم وإعانة الهيئات الرسمية، في إشارة إلى المتابعين في قضايا تتعلق بمنشورات على مواقع التواصل. وترى الحكومة عموما، أن الحراك قد أدى إلى إصلاحات عميقة، شملت وضع دستور جديد، وإطلاق ورشات سياسية وإصلاحات قانونية تهدف إلى تعزيز الحريات وضمان سيادة القانون.

وبين هذين الطرحين، يبقى الجدل مستمرًا حول الإرث الذي خلفه الحراك الشعبي، ومدى تأثيره على الواقع السياسي والحقوقي في الجزائر، وسط تباين واضح في الرؤى بين السلطة والمعارضة حول مسار التغيير ومستقبل الحريات في البلاد.

قد يعجبك ايضا