القطامين يكتب: التاريخ وطوفان الأقصى .. التحولات العالمية وشريعة الغاب

34

 

بقلم د.نضال القطامين –مع استمرار الطغيان الذي لا يقف في وجهه المقيت أحد، فإن العالم يشهد اليوم تحولات خطيرة تمسّ أصول القضية المركزية فلسطين، وقد باتت تراوح مكانها منذ أكثر من سبعين عامًا، حيث غدت هذه التحولات محاولات متواصلة لفرض الهيمنة الصهيونية على المنطقة عبر تشويه الحقائق وتزييف التاريخ بروافع الإعلام المتحيز البغيض وقد نضا عن جسده ثوبه المزيّف وأضحى أشد فتكاً جنبًا من آلات الحرب التي توزع الموت في كل شبر من غزة ولبنان. لن تهدد هذه الأوضاع الفلسطينيين فحسب، بل تجعل استقرار المنطقة بأكملها في مهب الريح، بما في ذلك لبنان الذي يشكل جزءً محوريًا في المخطط الإقليمي الواسع.

رغم الحديث المستمر عن حقوق الإنسان والسلام، يغض المجتمع الدولي الطرف عن الجرائم التي تُرتكب بحق الفلسطينيين واللبنانيين. يساهم الإعلام الغربي في التعتيم على الجرائم الإسرائيلية من خلال تبرير الهجمات بذريعة “الدفاع عن النفس”. سيكون لهذا التواطؤ الدولي إسهاما مباشرا قاتلاً في إخفاء الأجندة الحقيقية التي تسعى إسرائيل من خلالها إلى بسط سيطرتها الكاملة على المنطقة.

تاريخيًا، استخدمت القوى الكبرى تبريرات زائفة لشرعنة أعمالها العدوانية، فخلال فترات الاستعمار الأوروبي، جرى تصوير السكان الأصليين في الهند وأستراليا (الابورجوينيز)، على أنهم “متوحشون” لتبرير احتلال أراضيهم واستغلال مواردهم. في الواقع، فإن هذا النمط من التشويه التاريخي ليس جديدًا؛ ما نشهده اليوم من تبرير للعدوان الإسرائيلي يمثل امتدادًا لتلك الديناميكيات.

تسعى إسرائيل جاهدة إلى إزالة كل عقبة تقف أمام تحقيق هيمنتها الإقليمية، سواء في فلسطين أو لبنان. حيث تشكل المقاومة الفلسطينية واللبنانية أبرز تلك العقبات. في الوقت نفسه، تعمل إسرائيل على منع إيران من تطوير أي قدرات نووية، حيث ترى في ذلك تهديدًا لاستراتيجيتها الإقليمية.

المدنيون في غزة ولبنان يعانون من دمار ممنهج لبنيتهم التحتية، فيما تستمر إسرائيل في استخدام القوة العسكرية لضمان هيمنتها المطلقة.

سمع العالم ويسمع، عبر العقود الماضية، عن مبادرات ومفاوضات لحل الأزمة الفلسطينية. في واقع الامر لم يتغيّر شيئا باتجاه تحقيق السلام، ولم تزد تلك المبادرات سوى منح الحكومة النازية الغاشمة وقتا للتسليح وتصريحا بالإبادة، وأضحت العملية السياسية غطاءً لاستمرار التوسع الاستيطاني وفرض الهيمنة الإسرائيلية على الأرض. سيسهم هذا التباطؤ الدولي في حل الأزمة، وعدم فرض أي عقوبات على إسرائيل، في تفاقم الوضع ويعمق من المأساة الإنسانية.

إذا استمر المجتمع الدولي في صمته المريب، فإن مستقبل الشرق الأوسط سيظل مليئًا بالصراعات والفوضى. القضية الفلسطينية ليست مجرد نزاع محلي، بل هي مركز صراع عالمي له تأثيرات على استقرار المنطقة. السؤال الذي يطرح نفسه: إلى متى سيستمر هذا الصمت؟ وكيف يمكن للعالم الحديث عن العدالة والسلام بينما يتم التغاضي عن معاناة الفلسطينيين؟

الصمت المريب، سواء على الصعيد العالمي أو العربي، تجاه قتل الأبرياء بدم بارد وعلى الملأ، يحمل في طياته شيفرات معقدة تستدعي فكها لفهم اسباب هذا الصمت، ويعكس شريعة غاب جديدة تُفرض بشكل غير مسبوق في التاريخ الموثق. المصالح الجيوسياسية هي المحرك الرئيسي لهذا السكوت. وسائل الإعلام تعمل على تبرير الجرائم، والدول العربية عاجزة عن تقديم رد فعل موحد.

المؤسسات الدولية التي كان من المفترض أن تكون المدافع عن الحقوق، تحولت إلى أدوات بيد القوى الكبرى التي تستخدم القوانين بطرق مزدوجة المعايير. ما نراه من قتل الأبرياء هو في الحقيقة “شريعة غاب” جديدة، حيث يُقتل الأبرياء وتُطمس الحقائق بدعم من القوى الكبرى التي تتلاعب بالتاريخ والمستقبل.

ان فك هذه الشيفرات يكشف ان العالم ليس فقط متواطئأ ولا يعني فقط موافقته على ما يجري، بل يوثق بشكل جليّ المشاركة الفعلية في استمرار هذه المآسي….

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا