سيكولوجية الحسد: الفاشل يراقب الناجح والناجح يراقب الهدف

534

 

حصادنيوز-  د. محمد عبدالله اليخري  : في عالم السلوك البشري، يعتبر الحسد دائما عاطفة معقدة ومثيرة للاهتمام. وهو قوة جبارة يمكنه إما تحفيز الأفراد على السعي لتحقيق العظمة أو تأجيج المشاعر المدمرة للاستياء وعدم الكفاءة، أحد الجوانب الغريبة للحسد هو ميل أولئك الذين يعتبرون أنفسهم “فاشلين” إلى الإعجاب بالأفراد الناجحين بدلا من التركيز على نجاحهم، في هذه المقالة، نتعمق في النظريات النفسية التي تدعم هذه الظاهرة ونستكشف لماذا قد يجد بعض الناس أنفسهم محاصرين في دائرة من الحسد بدلا من متابعة طريقهم الخاص إلى النجاح؟.

نظرية المقارنة الاجتماعية
أدرك علماء النفس منذ فترة طويلة تأثير المقارنة الاجتماعية على تصور الأفراد لذاتهم ورفاههم العاطفي، تشير نظرية المقارنة الاجتماعية، التي اقترحها عالم النفس ليون فيستنجر، إلى أن الناس لديهم ميل طبيعي لتقييم أنفسهم من خلال مقارنة سماتهم وقدراتهم بسمات وقدرات الآخرين. عندما ينظر شخص ما إلى نفسه على أنه “فاشل”، فقد ينخرط في مقارنة اجتماعية تصاعدية، وينظر إلى الأفراد الأكثر نجاحا كمعيار لما يفتقر إليه. يمكن أن تثير هذه العملية مشاعر الحسد، اذ يشعرون أن إنجازاتهم تتضاءل مقارنة بالنجاح الذي يلاحظونه في الآخرين.

الخوف من الفشل، نظرية الكفاءة الذاتية
وضعت هذه النظرية من قبل ألبرت باندورا، وتشير إلى أن الخوف من الفشل ينشأ عندما يشك الأفراد في قدرتهم على أداء مهمة محددة بنجاح. يؤدي انخفاض الكفاءة الذاتية إلى عدم الثقة في مهارات الفرد، مما يزيد بدوره من الخوف من الفشل. عندما يعتقد الناس أنهم يفتقرون إلى الكفاءة اللازمة لتحقيق أهدافهم، فقد يتجنبون التحديات لمنع الفشل المحتمل والمشاعر السلبية المصاحبة له، وهنا يحدث الفشل فعلا.

النقص الملحوظ في الموارد
قد يعتقد الأفراد الذين يعتبرون أنفسهم “فاشلين” أنهم يفتقرون إلى الموارد أو الفرص أو المواهب اللازمة لتحقيق النجاح، ويمكن أن تؤدي هذه الندرة المتصورة إلى الشعور بالعجز، اذ يعتقدون أن النجاح بعيد المنال بالنسبة لهم. وبالتالي، فإنهم يحولون تركيزهم إلى الإعجاب بالأشخاص الناجحين ويتحول هذا الاعجاب الى حسد، معتبرين أن إنجازات الافراد الناجحين دليلا على مزيج نادر من الظروف أو المواهب أو الحظ. وبقيامهم بذلك، فإنهم يعززون السرد القائل بأن النجاح محجوز لقلة مختارة، مما يقلل من إيمانهم بقدرتهم على النجاح.

الإسقاط النفسي
يمكن أن يكون الغيرة والحسد وتمني الفشل للأخرين خصوصا الناجحين أيضا شكلا من أشكال الإسقاط النفسي، اذ بهذه المشاعر والتصرفات يعزو الأفراد مشاعرهم بعدم الكفاءة إلى الآخرين، في هذه الحالة قد يسقط “الفاشلين” إحساسهم بالفشل على الأفراد الناجحين على افتراض أنهم يجب أن يكونوا غير سعداء أو غير راضين أو يفتقرون إلى مجالات أخرى من الحياة. من خلال القيام بذلك، فإنهم يبررون افتقارهم المتصور للنجاح كمقايضة مقبولة للسعادة الشخصية والرفاهية، تسمح لهم آلية الدفاع هذه بتبرير حسدهم مع تجنب المسؤولية عن خياراتهم وأفعالهم.

إن النظريات المطروحة في علم النفس وراء قيام بعض الأفراد بحسد الأشخاص الناجحين بدلا من متابعة نجاحهم هو موضوع متعدد الأوجه ومثير للاهتمام، تكشف نظرية المقارنة الاجتماعية كيف أن الميل إلى مقارنة أنفسنا بالآخرين يمكن أن يؤدي إلى الحسد، في حين أن الخوف من الفشل والنقص الملحوظ في الموارد يمكن أن يعيق النمو الشخصي، علاوة على ذلك قد يوفر الإسقاط النفسي آلية ملائمة للتكيف لأولئك الذين يعانون من مشاعر عدم الكفاءة، يمكن أن يساعد إدراك وفهم هذه العوامل الأساسية الأفراد على التحرر من دائرة الحسد وإعادة توجيه طاقتهم نحو تنمية طريقهم إلى النجاح.

في النهاية، من الضروري أن نتذكر أن النجاح ليس موردا محدودا، وأن كل شخص لديه القدرة على تحديد وتحقيق نسخته الخاصة منه، بدلا من السماح للحسد باستهلاكنا، يجب أن نحتفل بإنجازات الآخرين كمصدر إلهام وتحفيز في رحلتنا الخاصة للنمو واكتشاف الذات، من خلال الاعتراف بنقاط قوتنا الفريدة والعمل بنشاط نحو أهدافنا، يمكننا التحرر من سلاسل الحسد وإيجاد الوفاء والنجاح في حياتنا.

 

 

قد يعجبك ايضا