نلهث فوق عشب المستطيل * رمزي الغزوي

298

 

حصاد نيوز –  لأن عالمنا يتحدّث ويرقصُ ويغني في هذه الأيام بلغة واحدة موحدة بركلاتها ولهجاتها؛ فلن أقف متحسرا على فشل الموسيقى وخرير الماء وحفيف الأشجار وبريق النجوم وهمس المجرات في أن تغدو لغات عالمية موحدة ككرة القدم، بل يتسلل إلى مرماي سؤال واخز. لماذا نهيج كلما هزّ فريق نشجعه شباك الخصم؟ ولماذا نحسُّ بأننا نهرول ونراوغ الكرة ونمررها ونهدّف بها؟ ولماذا نغضب وننكسر إذ يخسر فريقنا، ونطير بأجنحة البهجة وهو يفوز أو يحرز هدفاً.

لا يقنعني الذين يقولون إنهم يشجعون اللعب الأجمل أو الأنظف أو المنظم أكثر. لا يخرط مشطي كلامهم أبداً. ففي كرة القدم لا مجال للحياد، بل سيكون عليك أن تنحاز بكامل قلبك وشغفك إلى فريق من الفريقين؛ وإلا فلن تتدفّق فيك فيوض الهرمونات ونشوتها وجيشاناتها، ولن تعمل خلاياك المرآتية بالشكل المثمر المطلوب بتاتا.

 

ولربما أن شعورنا هذا يعود إلى أن الإنسان البدائي الصياد ما زال يسكننا ويتغلغل في أرواحنا، ويصبغ جيناتنا ومورثاتنا بطيفه حين كان البشر يلتئمون وينضوون جماعات جماعات يلاحقون طريدتهم بعدوانية كبيرة. ومع مئات آلاف السنين لم يحدث اختلاف كبير في دواخلنا. فنحن نطارد اليوم صيدنا بشكل آخر ضمن مستطيل أخضر محفوف بالمتفرجين بطريقة منظمة ومقوننة. الفريقان ينوبان عنا في ملاحقة كرة يمثل كل هدف فيها طريدة مفترضة حصلنا عليها وفزنا بأكلها.

فحين نتابع مباراة في البيت أو على مدرجات الملاعب نشعر وكأنّنا فوق عشب المستطيل نلهث وراء الكرة، ففي أدمغتنا خلايا عصبية تسمى الخلايا المرآتية، أو الخلايا المرآة تعكس ما يقوم به اللاعبون لنشعر ما يشعرون به، وكأننا نحن من يركض ويلعب ويسدد ويركل ويحصل على الطريدة أو يسجل الهدف. وهنا تتجلى فحوى الرياضة وقيمتها الرمزية. كما أن الخلايا تلك تجعلنا نتثاءب أو نضحك حين نرى المتثائبين أو الضاحكين أحياناً.

بعيدا عن الصور الحقيقية أو الوهمية التي تفرضها أو تعكسها علينا خلايانا المرآتية يبدو لي أن الرياضة في المجمل لم تتبلور بشكلها الحالي إلا لتحرير الإنسان من عدوانيته وتعفيه من شبح المطاردات وأوهام الصيد وغريزته؟، بالطبع دون أن أعرف لماذا تفاقمت شرور الإنسان بعد أن تقدم رياضيا. مع هذا، لا يحق لنا أن نستنسخ اقتراح الحكيم الذي نادى ذات زمن بإلغاء المعارك الطاحنة لتكون مباريات بالشطرنج، يحصل فيها الفائز على ما يريده. لا يحق لنا أن نسحب اقتراحه الحصيف لتكون كرة القدم بديلا عن شطرنجه تلك، حتى مع وصولها إلى أن تكون لغة عالمية معترف بها، لأن هذه الكرة قد تشعل فتيل حروب لا حي يعرف مآلاتها.

أرجو مع إقرارنا أن مملكة كرة القدم غدت الوحيدة العتيدة التي لا تغرب عنها نغمات الشمس وأشعتها الذهبية الدافئة، وأن كل شيء في خدمتها وطاعتها بدءا من السياسة وليس انتهاء بالأدب، أرجو أن يبقى متاحا للحالمين من أمثالنا، أن تخفف اللغة الجديدة من شراسة قروش عالمنا وبطشهم، وتقلّم شرورهم إن لم تقطع دابرها.

قد يعجبك ايضا