مشكلات التعليم والمناهج المدرسية: العودة إلى الأصول
حصاد نيوز – لم يتحدث أحد من الكتاب والتربويين عن أن مشكلات التعليم والمناهج تقتصر على نوع النصوص فيها، ووجود نصوص وغياب نصوص، فمن الطرح الأول للمشكلة، كانت الاهتمامات متركزة على تطوير خطة التعليم، بإغنائها بمواد – أو مواقف – فلسفية وجمالية وفكرية وإبداعية، واعتمادها فلسفة تعليم التفكير، وخاصة التفكير النقدي والإبداعي.
وكان ذلك مرتكزاً على اسس فكرية واخلاقية وتربوية وتنموية واجتماعية متعددة، اثبتت الاوضاع الحالية لمجتمعنا ضرورتها. فنحن لا نفتقد العقلية النقدية فحسب، بل نمتلك قبولاً غير محدود لعقليات – لا عقل لها – سيطرت على الرأي العام الى درجة أن منطق الذبح -وليس مجرد الكراهية – هو ما يستحقه المخالفون ممن يسميهم المحرضون بأعداء الدين وهم ليسوا كذلك.
إذن؛ بدلاً من مواجهة مشكلتي التعليم المطروحتين، وهما تطوير خطة التعليم وتطوير مناهجه، وتطوير تعليم التفكير لجأت فئات معروفة في المجتمع لتقزيم المشكلتين، وحصرهما في وجود نصوص دينية او تقليلها، ووجود اسماء وغياب اخرى.
وقد نلجأ الى بعض التكرار في ذكر الملاحظات الآتية:
1- إن مشكلات التعليم تاريخية: لا يتحمل مسؤوليتها وزير معين أو عهد معين، ولكننا نحصر بدقة تحول المشكلة إلى أزمة، وهي بكل موضوعية كما يأتي:
اولاً: كانت لدينا قبل هذا العهد- أي قبل اربع سنوات- كتب مدرسية عادية، ليست عظيمة، ولكنها ليست بالغة التحيز والتعصب، جاءت الوزارة بقيادة وزيرها الحالي، ودون حاجة معينة أو دراسة معينة، وغيرت الكتب المدرسية، وفق خطة زمنية، مستعينة بأشخاص متحيزين ومعظمهم غير تربويين!!
بدأ التغيير بالصفوف الاربعة الاولى قبل 2014، ثم استمرت للصفوف الخامس والسادس والسابع والتاسع في 2015، ثم بقية الصفوف.
وتعرضت هذه الكتب الجديدة الى نقد موضوعي، تناول زيادة جرعة الانحياز والتعصب والفكر التقليدي، وغياب المواطنة وصورة المرأة الايجابية، وشطب جميع انشطة “فكّر وتأمّل”، ووضع انشطة محصورة بمراجع معينة وثقافة معينة قديمة الى درجة ان كتاباً للغة العربية للصف السادس احتوى على ثلاثين اسماً تراثياً مقابل اسمين معاصرين! وكتاباً آخر في اللغة احتوى على سبعة انشطة ذات طابع ثقافي معين من أصل ثمانية انشطة في الكتاب!!
ثانياً: قامت الوزارة بمطلع العام الدراسي 2016، بتعديل كتبها، حيث عدلت بعض النصوص، كان بعضها ايجابياً، وبعضها شكلياً، فتوزعت النصوص بشكل محدود جداً الى ادبية وفكرية ودينية وفنية، وتعدلت صورة المرأة قليلاً، وازيلت انتهاكات صارخة للمواطنة، وزادت الاهتمام بالهوية الوطنية.
وكان بعضها شكلياً بل سلبي، وهذا شأن أية عمليات تطوير وتغيير.
استغل المحرضون بعض السلبيات، فقاموا بعمليات تزوير وكذب وحرق للكتب الجديدة، بدعوى نصوص حذفت لا من كتب التربية الإسلامية، بل من كتب التربية الوطنية واللغة العربية.
ثالثاً: قامت وزارة التربية بعد فترة كمون طويلة، بالدفاع عن كتبها، وكان دفاعها في معظمه صحيحاً، كما قدمت دراسات ابرزت بعض ايجابيات التغيير، غير ان ذلك لم يجدِ نفعاً، حيث اقتنع معظم المواطنين بأن الدين في خطر، وان علينا ان نهبّ لنصرة الله والدين.
رابعاً: وبدلاً من استمرار الوزارة في الثبات على موقفها لجأت الى المناورة وشراء الوقت والتحريض ضد التغيير، والتصريح بالعودة الى الماضي -وهو حقيقة يمثل عقلية الوزارة- فشكلت لجنة لدراسة التغييرات، من الاشخاص الذين ألفوا هذه الكتب، وادخلوا التغييرات عليها، وما زالت اسماؤهم على كتب 2015، المقبولة اجتماعياً والمرفوضة وطنياً وتربوياً، وكتب 2016 المرفوضة اجتماعياً والمقبولة او شبه المقبولة وطنياً وتربوياً.
فأوصت اللجنة بحذف وتعديل، وسارعت الوزارة بالإعراب عن الرضا والقبول باعتبار اللجنة – وهي متحيزة وغير ذات اختصاص- لجنة وطنية يحق لها وحدها ان تقترح وتعدل.
خامساً: واستعد النواب او بعضهم لغزوة المناهج، وقارنوا بين كتب 2015 و 2016، مرتكبين التجاوزات التربوية الآتية:
– إن كتب 2015 ليست اساساً في التقويم، فهي طارئة وخارجة عن النزاهة، بل هي من صنعت الازمة، ولا يجوز اعتمادها معياراً، فماذا لو قلنا لهم اعتمدوا كتب 2014؟؟
– ان جهود الرفض والتحشيد لم تهدف الى تحسين المناهج والكتب، بل الى حذف الاجزاء غير المقبولة لديهم.
ولو خيروا لقضوا على الفن والتفكير رجوعاً الى نظرية “كل العلوم عدا القرآن باطلة الا الحديث وعلم الفقه والدين”، طبعاً ما تبقى من علوم هو وسواس الشياطين.
– وقد اهملت جهود الغزوة تقييم الكتب استناداً الى معايير الحداثة والمنفعة ومشكلات المجتمع وحاجاته والمواطنة والتنوع وكرامة المرأة وحقوق الانسان، والاسهام في الحضارة الانسانية وتطوير تفكير الطالب، واحترام الآخر وتعلم مهارات الشك والتجريب وفحص الفروض وحتى المسلمات.
اذا كانت الغزوة تتناول هذه المعايير فكلنا جنود فيها، ولن ننزل من الجبل احتفالاً بسرعة النصر وخذلان المقاتلين!!
سادساً: ان القول الفصل في تقييم الكتب المدرسية ليس ما كتبته لجنة – ليس فيها تربويون- في تقريرها، فجميع من اعرفهم فيها لا علاقة لهم بالابعاد التربوية والفكر التربوي، ولم يحمل اي منهم أي درجة في تخصصات تربوية!!.
طبعاً ليست المشكلة في اللجنة، ولا في “الأوكازيون” الذي وعدت وزارة التربية باعلانه، لكن قبل ان يمس أي كتاب حذفاً أو نقداً او اضافة أو اتهاماً، نأمل ان تشكل وزارة التربية لجنة تربوية من المختصين في المناهج والفكر التربوي لدراسة الكتب والاجابة عن الاسئلة الآتية:
السؤال الأول: ما مدى احترام الكتب المدرسية للهوية الوطنية؟ ويرتبط بهذا السؤال أسئلة مثل:
– هل يراعي المنهج ترتيب الهويات الوطنية والقومية والدينية والانسانية.
– هل يسهم في تعريف الطالب بجغرافية الوطن وتاريخه؟
– هل ينمي الهوية على حساب الذات او شخصية الطالب؟
– هل يعرّف الطلبة بالشخصيات الوطنية؟
– هل ينمي الاتجاهات الاساسية في حب الوطن؟
السؤال الثاني: ما مدى قدرة المنهج على بناء شخصية الطالب؟ ويرتبط بهذا السؤال اسئلة مثل:
– هل ينمي الذكاء العاطفي للطالب؟
– هل ينمي المهارات العقلية بمستوياتها الدنيا والعليا؟
– هل يساعد الطالب على التواصل والحوار مع الآخر؟
– يسهم في بناء جوانب شخصية الطالب؟
السؤال الثالث: ما المعارف التي يقدمها للطالب؟ ويرتبط بهذا السؤال اسئلة مثل:
– ما مدى حداثة المعلومات؟
– ما مدى نفع المعلومات وارتباطها بحاجات الطالب؟
– ما ادوات الحصول على المعرفة؟ العقل، الحس والتجريب، التأمل، الاستبطان.. الخ؟
– ما مدى قدرة الطالب على فحص المعلومات ونقدها؟
– ما مدى قدرة المنهج على تنويع المعارف الادبية والفنية والعلمية والانسانية والدينية والفلسفية؟
السؤال الرابع: ما مدى قدرة المنهج على بناء التماسك الاجتماعي والوحدة الاجتماعية؟ وترتبط به اسئلة:
– هل ينمي قيماً مشتركة بين الطلاب؟
– هل يعمل على تعزيز التراث الثقافي والاجتماعي؟
– ما مدى قدرته على تنقية التراث؟
– ما مدى اهتمامه بتطوير التراث وتجديده؟
– ما مدى اهتمامه ببناء رأي عام متماسك حول قضايا المجتمع؟
– ما مدى اهتمامه ببناء التآزر والكرامة والمساواة والحقوق؟
السؤال الخامس: ما مدى اهتمام المنهج بالتواصل الانساني؟ وترتبط بهذا السؤال اسئلة مثل:
– ما مدى الانفتاح على القيم الانسانية؟
– ما مدى الربط بين التعليم المجتمعية والانسانية؟
– ما مدى الاهتمام بتقديم صورة ايجابية للذات؟
– ما مدى الاهتمام بتقبل صورة الآخر المختلف ثقافياً وحضارياً؟
– ما مدى الربط بين القضايا المحلية والانسانية؟
السؤال السادس: ما نظرة المنهج الى عمليات التعلم؟ وترتبط بهذا السؤال اسئلة مثل:
– ما مدى الاهتمام بالتعلم الذاتي؟
– ما مدى التلقين ومدى التفكير في المنهج؟
– هل يهتم المنهج بالمعرفة البنائية؟
– ما مدى الاهتمام بالتعلم من المصادر المتعددة؟
– ما مدى الاهتمام ببناء مجتمعات التعلم؟
***
المنهج المطلوب اذاً، هو ما يجيب عن تلك الاسئلة سلباً أو ايجاباً، وليس ما يجيب عن نص حذف، ونص اضيف، او اسم حذف واسم يضاف!!
ومرة اخرى، الى النواب والوزارة والمحرِّضين والمحرِّضين الذين يستعدون للغزوة التالية، ليكن تقييم الكتب بناء على مقدرتها على تقديم تعلم جيد، وحماية الطلاب من ضعف التعلم، وطلابنا ايها السيدات والسادة هم:
– من وصل بعضهم الى التوجيهي قبل أن يتعلم شيئاً مهماً.
– من رسب 90 الفا منهم في التوجيهي.
– من اعترف الوزراء ان 250 الفا منهم لا يتقنون القراءة والكتابة.
– من كان تحصيلهم في العلوم والرياضيات ادنى من معدل التحصيل العالمي.
– من كانت نسبة المتفوقين منهم في الاختبارات الدولية نادرة جداً، واقل بكثير من معدل النسب العالمية.
وهم ايضاً:
– من لم يمتلكوا من المعارف الشخصية سوى نزر يسير!!
-ومن يسهل تحريضهم والسيطرة على عقولهم دون نقاش!!
– ومن يحرقون كتبهم!!
– ومن لا يعرفون ما يدور حولهم!!
وهم ايضاً:
– من حفظوا ولم يتعلموا!!
– من تنتشر بينهم الافكار المتطرفة؟
اذا:
– لماذا تريدون إبقاء الوضع كما هو؟
– لماذا تريدون الكتب السابقة؟
أليست هذه مبررات كافية للتغيير ورفع وصايتكم التاريخية عن التعليم؟..