“رسوم دراسية” مرتفعة تحول دون استمرار طلبة في جامعاتهم
حصادنيوز-50 % هي نسبة التخفيض على الزيادة برسوم برنامج الموازي والدراسات العليا، التي قررها مجلس أمناء الجامعة الأردنية نهاية الشهر الماضي، والتي جاءت عقب سلسلة اعتصامات نفذها طلبة الجامعة على مدار أسبوعين.
اعتصامات طلبة “الأردنية”، وإن كانت مساحتها حدود الجامعة، لكنها فتحت لكثير من طلبة الجامعات الرسمية الأمل بأن يعُاد النظر برسوم جامعاتهم، وإن كان لم يطرأ عليها أي ارتفاع.
بعيداً عن الجامعة الأردنية، فلم يطرأ ارتفاع على رسوم باقي الجامعات الرسمية في برامجها: “العادي” و”التجسير” و”الموازي”، إلا أن طلبة يواجهون أعباء مالية “لا تحُتمل”، في استمرار التسجيل والدفع بكل فصل دراسي جديد، في جامعات رسمية وصلت المديونية المترتبة عليها إلى (139.5) مليون دينار، وفق لجنة التربية والتعليم والثقافة في مجلس النواب.
أقساط لا تُحتمل
غادرت عبير كناني (25 عاما) مقاعد دراستها الجامعية بعد محاولات عديدة لأهلها بإقناعها بأن تعليمها “لا جدوى منه” مقابل إعطاء الأولوية لإخوتها الذكور، في ظل محدودية دخل الأسرة، لتجد نفسها بعد ذلك حبيسة المنزل.
عبير، التي يعمل والدها مدرس لغة عربية في إحدى المدارس الحكومية ووالدتها ربة منزل، لم تتمكن أسرتها بعد عام دراسي واحد، من دفع رسوم دراستها على النظام الموازي لتخصص الترجمة في جامعة اليرموك، الذي تبلغ كلفة ساعته 70 دينارا، إضافة إلى الرسوم الجامعية الأخرى.
كثيرٌ من الطلبة يلجأون إلى تأجيل فصول دراسية، أو ترك مقاعد الجامعة نهائيا، كخالد الحاج حسن (23 عاماً)، الذي منعته الظروف المالية من إكمال دراسته، “فإضافة إلى الرسوم هناك تكاليف الكتب والمواصلات وغيرها”.
الحال ينسحب على هالة الخطيب، التي اصطدمت بجدار ارتفاع ساعات الرسوم الدراسية، فآثرت ترك الدراسة بعد فصل واحد، أمضته باحدى الجامعات الحكومية، على النظام الموازي، بدلا من تحميل ذويها مزيدا من الأعباء المالية، فقد بلغت كلفة الساعات الدراسية والرسوم بذلك الفصل 1200 دينار.
تقييم الوضع الاجتماعي
المحلل السياسي، محمد أبورمان، يدعو إلى “إعادة تقييم وقراءة الحالة الشعبية أو المزاج العام للمجتمع، تحت ضغط الظروف الاقتصادية القاسية، ليس فقط مع تخلّي الدولة عن أدوارها الاجتماعية والاقتصادية عموماً، تجاه الطبقات العامة”.
غير أن الحكومات المتعاقبة استغلت التقدير العالي، الذي توليه الأسر الأردنية للتعليم، ولم يثنها عن رفع رسوم الساعات الدراسية واستحداث النظام الموازي، ما دفع العديد من الأسر إلى بيع عقاراتها وأراضيها لتتمكن من تأمين فرصة تعليم لأبنائها، على ما يقول منسق الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة “ذبحتونا” الدكتور فاخر دعاس.
“الإقبال على الدراسة في الجامعات الخاصة لا يعني إطلاقا توافر القدرة لدى الأهالي، إلا أنها كانت الملجأ الوحيد بعد حرمانهم من دخول الجامعات الحكومية”، يضيف دعاس.
يوضح دعاس أن العديد من الطلبة حرُموا من دراسة التخصصات التي يرغبون بها بسبب ارتفاع رسومها، سواء بالجامعات الحكومية على نظام الموازي أو في الجامعات الخاصة، ما اضطرهم للتخلي عنها والرضا بتخصصات أخرى أقل كلفة.
“الإملاءات التي يفرضها صندوق النقد الدولي، دفعت الجامعات إلى انتهاج سياسات ساهمت بحرمان العديد من الطلبة من فرص التعليم على رأسها حجز مقاعد للطلبة الراغبين بالدراسة على النظام الدولي على حساب الطلبة الأردنيين”، يقول دعاس.
“التعليم العالي”: لا رفع لرسوم الجامعات
تقوم وزارة التعليم العالي، بدعم طلبة من خلال “صناديق دعم الطالب”، وعبر توفير فرص للحصول على منح أو قروض، “عدد المستفيدين من برنامج المنح وصل إلى 35 ألف طالب للبرنامج العادي، فضلا عن توفير الجامعة فرص دعم للطالب الفقير من خلال صناديق مخصصة ولغيرهم من فرص عمل ضمن مبادرة “دبر مصروفك”، حيث بلغ عدد الوظائف المتاحة سنوياً ( 1400) فرصة بالقطاع الخاص، يتقدم لها كل من يرغب من طلبة البرامج “العادي، الموازي، والدراسات العليا”.
ويؤكد أمين عام وزارة التعليم العالي هاني الضمور، إن الجامعات الحكومية “لم تتخذ أي قرار برفع رسوم الساعات الدراسية ضمن برنامج القبول الموحد منذ ما يزيد على 20 عاما”.
يشير الضمور إلى أن الوزارة أتاحت للجامعات إمكانية استحداث تخصصات جديدة، ضمن الأسس والمعايير المحددة وبأسعار مقبولة، كما أتاحت لها قبول ما نسبته (30 %) من الطلاب على ما يُسمى بالبرنامج الموازي للمساهمة بدعم موازناتها.
يضيف ان الحكومة خصصت ما يقرب (72) مليون دينار لكافة الجامعات الحكومية من موازنتها للعام 2016 أي بزيادة تقدر بـ (20) مليون دينار عن العام الماضي.
يقر الضمور بعدم كفاية تلك المخصصات لسد احتياجات الجامعات المالية، “بإمكانها تطوير مصادر تمويلها من خلال المرافق الانتاجية الموجودة لديها ومشاريع البحث العلمي”.
ويبيّن أن تركيز الطلبة يرتفع في الجامعات: العلوم والتكنولوجيا والأردنية والهاشمية، إلا أنه يقل بشكل ملحوظ في جامعات: آل البيت والطفيلة والحسين، التي تزيد نسبة الشواغر فيها على 60 % ما يرفع من عجزها المالي.
“الحكومة ترفد الجامعات بمخصصات مالية أخرى كجذب المنح الخليجية لها سعيا للحد من رفع رسوم ساعات البرنامج الموازي”، وفق الضمور، الذي أكد أن “الوزارة لا تتدخل بوضع سقوف لرسوم الساعات في الجامعات الخاصة”.
يوضح الضمور أن الوزارة تقدم منحا دراسية للطلبة المحتاجين والمتوفقين، للدراسة ضمن التخصصات التي يرغبون بها.
يقول وزير التعليم العالي الأسبق، وجيه عويس، إن التعليم في الأردن “فقد بوصلته” من خلال “سياسات القبول التي تتبعها الجامعات”، معتبرا أن الاعتماد على معدل الثانوية العامة فقط للقبول واختيار التخصص “قتل للابداع”.
لا ضمانة لعدم الرفع
رئيس لجنة التربية والتعليم في مجلس النواب النائب محمد الحاج، يرى إن السياسات التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة مع الجامعات بعدم تزويدها بالمبالغ المالية المطلوبة لسد احتياجاتها “دفعها إلى التوجه لرفع رسوم الساعات الدراسية”.
ويوضح الحاج أن المخصصات الحكومية للجامعات “لازالت خجولة”، في ظل الثورة العلمية الحاصلة في العالم، إضافة إلى أن الحكومة ممثلة بوزارة المالية لا تلتزم بارسال ما يقتطع من المواطنين والمخصص للجامعات، كرسم التلفزيون وغيره.
ذلك إلى جانب الظروف الاقتصادية الصعبة، التي تمر بها معظم الأسر الأردنية، على ما يقول النائب الحاج “ما جعل 75 % من الأسر الأردنية غير قادرة على توفير فرص تعليمية لأبنائها في الجامعات”.
ويبيّن أن تضاؤل مقاعد الدراسة على نظام التنافس أمام الاستثناءات المختلفة أخرج العديد من الطلبة من إطار القبول الموحد والوقوف أمام خيارين إما الموازي أو الجامعات الخاصة.
يتفق المحامي والناشط الحقوقي عبد الكريم الشريدة مع الحاج بأن دراسة الطلبة على النظام الموازي في الجامعات الحكومية أو لجوئهم إلى الجامعات الخاصة لا يعني بتاتا أن أوضاعهم المالية على ما يرام، بل إن ايمانهم بأهمية الدراسة وحرص ذويهم على ذلك دفعهم لاختيار أحد هذين الأمّرين.
ضمان تيسير التعليم العالي
ينظم قانون التعليم العالي والبحث العلمي رقم (23) لعام 2009 العملية التعليمية في التعليم العالي، ويذكر أنه لم يرد في أهداف التعليم العالي، التي تضمنتها المادة (3) من القانون، نص يؤكد ضمان الحق بالتعليم العالي، تبعا للكفاءة والمساواة حسب المعايير الدولية، وفق تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان للعام 2014.
يوصي المركز الوطني في تقريره بضرورة تقيد المؤسسات التعليمية بأهداف التعليم وغاياته، وبالمعايير التي وضعتها الدولة للحق في التعليم.
“الدولة الأردنية لا تكفل الحق في التعليم العالي، رغم مكانه المستقر في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الخاصين بحقوق الانسان والميثاق العربي لحقوق الإنسان، فضلا عن الدستور الأردني، وجميعها أقرت أن المواطنين سواسية في الحصول على الحقوق ومنها حق التعليم”، يقول المحامي الشريدة.
الفقرة الأولى من المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان، تؤكد على حق كل شخص في التعلم، ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل بالمجان، وأن يكون التعليم الأولي إلزامياً وينبغي أن يعمم التعليم الفني والمهني، وأن ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة.
ترد في المادة 13 من العهد الدولي لحقوق الانسان،”أن الدول الأطراف في هذا العهد تقر بأن ضمان الممارسة التامة لهذا الحق يتطلب جعل التعليم العالي متاحا للجميع على قدم المساواة، تبعا للكفاءة، بكافة الوسائل المناسبة ولا سيما بالأخذ تدريجيا بمجانية التعليم”.
يدعو د. عويس، والذي يرأس اللجنة الوطنية لتنمية الموارد البشرية، إلى إيجاد فرص تعليم مجانية للطلبة المتوفقين علميا، وغير القادرين على تلبية متطلبات الجامعات المالية، “نحن في اللجنة بصدد وضع خطة بسبيل إعادة التعليم لمساره الصحيح”.