كاتب لبناني : الاردن الدولة الوحيدة في المشرق التي تحفظ صورتها كدولة
حصاد نيوز -بقلم : محمد علي فرحات ..
يُسجَّل لملك الأردن عبدالله الثاني أنه أول من أطلق تعبير “الهلال الشيعي”، في إشارة الى تأثير إيران في المشرق العربي ومساهمتها، مع عوامل أخرى تؤيدها أو تعارضها، في تدمير بنى الدولة والمجتمع في أنحاء واسعة من هذا المشرق، وأبرز قوى التدمير هذه دولة “داعش”.
ويُسجّل كلامُ الملك الأردني أخيراً، حول “واجب” دعم العشائر السنية في غرب العراق وشرق سورية لمواجهة احتلال “داعش”، وقد حظي بترحيب “تحالف القوى العراقية”، أبرز الهيئات السياسية السنية في العراق، وبالتالي ترحب به العشائر السنية في شرق سورية، وإن كانت عاجزة عن إيصال صوتها لحجب “داعش” حرية القول والفكر والعمل.
هذا الدور الصعب الذي يعتبره الأردن “واجباً” يحظى بالضرورة بدعم إقليمي ودولي، ما يعني بالدرجة الأولى نزع التكليف المفترض لتركيا بضبط الأوضاع في سورية والعراق، بعدما فشلت أنقرة في إنجاز المطلوب منها وقدمت حساباتها الأيديولوجية “الإخوانية” والاقتصادية (العلاقة الخاصة مع إيران) على صورتها كدولة إقليمية متميزة بعضوية الحلف الأطلسي والصداقة مع الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي.
ومن دلالات الدور الأردني، أن المملكة الهاشمية هي الدولة الوحيدة في المشرق التي تحفظ صورتها كدولة (إذا استثنينا لبنان المتكل على الله وعلى رعاية المجتمع الدولي وكبار الإقليم لاستمرار دولته، فيما يعبث سياسيوه الى المدى الأقصى تحت سقف هذه الرعاية). هذه الدولة الأردنية خبيرة بلغة العشائر وتدرك قيمتها في تحصين المجتمع التقليدي والمحافظة على أجهزة الدولة في آن واحد، وهي تتميز بتاريخ سياسي يختلف عن تاريخ البعث الانقلابي في سورية والعراق، الذي كشفت الأيام مدى إهماله قوى المجتمع، واعتماده قمع الاستخبارات سبيلاً الى استقرار أدهشت هشاشته العالم مع انهيار الدولتين السورية والعراقية في زمن قياسي.
دعم الأردن عشائر سورية والعراق يعني أن هذه العشائر مؤهلة لمواجهة التنظيمات الإسلامية المتطرفة، وصولاً الى انفتاحها على العشائر الشيعية بما يحدّ من النفوذ الإيراني في العراق، وإنقاذها البنى الاجتماعية في المشرق العربي من عدمية الإسلاميين المتطرفين وإلغائهم المجتمع التقليدي لمصلحة فضاء مفرّغ يستقبل بشراً بلا تقاليد، يبدون مثل كائنات فضائية تغزو أهل هذه الأرض وتدمّر بيوتهم وحقولهم وآثارهم وتحرق كتبهم لتحولهم عبيداً بلا ذاكرة.
نسير مع “الواجب” الأردني الى استنهاض العشيرة، معترفين بفشل الدولة الحديثة حين فقدت قوامها مع سطوة الجيش والإسلام السياسي المتعسكر، وهو استنهاض ينقذ معارضة سورية اختطفها المتطرفون، كما ينقذ العراق الفاشل في تكوين مؤسساته المدنية والعسكرية بسبب تصدّر “حزب الدعوة” (وهو الطبعة الشيعية من “الإخوان المسلمين”) الحكم بعد الغزو الأميركي، وتصدّر العصبية الإسلامية السنية المعارَضة كرد فعل على حكم “حزب الدعوة”. يضاف الى ذلك اكتمال ترييف المدينة العراقية، ما يعطي العشائر أرجحية في الدولة العراقية الجديدة.
وفي أي حال، يبدو الحل العشائري رداً غير مباشر على فشل القيادات الدينية الرئيسية في العالم العربي في إطلاق مبادرات جدية لتطهير صورة الإسلام من دنس التطرف الذي يستخدمه سبيلاً الى تظهير قيادات قاتلة لا تحمل أي قدر من روحانية الإسلام وسماحته واحتضانه المواطنين المسلمين وغير المسلمين في المشرق العربي المنكوب.