أسباب تمنع حصول ثورة في الاردن

78

34950_1_1372718381

تواصل موجات خفة الدم والسخرية السياسية المرة وملامح النقد الذاتي التكاثر في الأردن رغم الظروف القاسية التي تواجهها المنطقة والبلاد.

في بدايات الربيع العربي وعندما كانت الأنظمة تسقط خلال أيام بفعل بركات غامضة لومضات الربيع العربي أبلغني أحد الأصدقاء وهو بالمناسبة وزير سابق بأن الثورة لن تصل للأردن بكل الأحوال {في ذلك الوقت}.إستفسرت: لماذا؟..قال الصديق : لان ياسر أبو هلاله مدير مكتب الجزيرة مشغول بتونس…طبعا كانت تلك مزحة لكنها خفيفة الظل فالجزيرة لا زالت تشكل مصدر الأخبار الرئيسي بالنسبة للأردنيين {37 ‘ منهم يعتمدون عليها}.

رغم ذلك إستعصت الحدود والأجواء الأردنية عن بضاعة ومنتجات الثورة بأي من مظاهرها.وإكتفى الأردنيون في قمة إحتجاجهم بإسم مستنسخ بذكاء هو {الحراك الشعبي} وعندما تصل إحتجاجات الأردنيين لذروتها كانت تطال الهتافات مديرا سابقا لجهاز المخابرات سرعان ما تم إقصاؤه بعد أسابيع فقط من ترديد إسمه بالشارع نكاية بالنظام.

في أسوأ الإعتصامات إبتكر الحراكيون عبارة كوميدية عندما هتفوا { إص ..إص .. إصلح ولا بنكملها} وهي عبارة تخترق الحاجز بين حرفين السين والصاد لإنتاج رسالة إكتملت في الواقع في بعض الإعتصامات التي تجاوزت الأسقف المعتادة لان الشارع لم يقتنع بالإصلاحات التي أنجزت على أهميتها.

صديق آخر نقل لي رواية مثيرة وساخرة عن أسباب موضوعية تعيق حصول أي ثورة من أي نوع في الأردن حتى لو كانت {ممولة}.فكرة صاحبنا بسيطة فقد تاتي جهة ما وتدفع مالا لبعض العناصر بهدف تثويرهم وتحريضهم.

هذه الأموال المدفوعة سيتم تسييلها فورا وإنفاقها بسرعة في ثلاثة مسارات حصرية وبعيدا عن أي نشاطات سياسية وهي : الإستثمار فورا في البورصة الوهمية وشراء سيارة من طراز هونداي آفانتي أو كيا سيفيا أما الدرب الثالث لإنفاق المال فسيكون المبادرة وفورا لرفع {شمعات}.

وقصة رفع الشمعات من القوانين الضمنية في حياة الأردنيين فالأردني ومن شتى الأصول والمنابت شغوف ومهووس ببناء بيت أو توسيع بيت أو تأجير بيت ..لذلك ترفع الشمعات {وهي إعمدة إسمنتية} بهدف البناء أوالتوسع بالبناء. يعني ذلك ان خيارات الإنفاق عند الغالبية تتمثل في هذه المسارات الثلاثة وبالتالي سيمر الوقت دون توظيف أي مال في نشاط حقيقي بقصد الثورة.

..هذه طبعا نكتة إجتماعية سياسية متفوقة بإمتياز وتتميز بأنها تعكس الحقيقة والواقع فالسلطات تلمح لان بسطاء الأردنيين وفقراءهم من الموظفين وصغار المهنيين والكسبة أهدروا ما لايقل عن خمسة مليارات دولار في البورصة الوهمية التي تبخرت فجأة ولم تقو السلطات على تفكيك أسرارها بعد.

وحول أي مرفق أردني وفي محيط القرى والمخيمات يمكنك ببساطة رصد سيارة هونداي أو كيا بين كل سيارة وأخرى فالأردنيون يقضون مصالحهم ويتنقلون بأسطول من هذه السيارات الكورية رخيصة الثمن التي تتحول إلى عجينة وبسكويت مطحون بمجرد التلامس معها مما يبرر إرتفاع نسبة الوفيات وحوادث السير.

أما رفع العمدان أو الشمعات فهو حلم وديدن كل أردني يخطط للزواج او يتزوج أو يسعى لتنويع محفظته الإستثمارية البائسة فالغرفة الواحدة هذه الأيام وتحديدا في القرى التي هجرها أهلها لعمان العاصمة تدر دخلا قوميا قياسا بمستويات الدخل المحلي على صاحبها عندما يؤجرها لهارب سوري أو للاجىء عراقي وأعرف شخصيا موظفين أجلوا زواجهم لتأجير بيوتهم في حالة إستثمار هوسية لألم الشعب السوري.

يطرح نفس الصديق الساخر على مسامعي سؤاله القنبلة: هل سمعت في الدنيا معارضة تأخذ {إجازة} او تعطل في يوم عطلة رسمية؟.

دلالة السؤال دقيقة فعلا فالمعارضة الشعبية والحزبية الأردنية هي وحدها التي {تعطل} في المواسم والأعياد في قاسم مشترك نادر مع اجهزة الدولة ومؤسساتها الرسمية.

لو كنت رمزا من رموز الدولة لفرحت بهذا النمط من المعارضة سواء تلك التي تتوقف نشاطاتها في العطلات الرسمية أو التي تختار حصريا يوم العطلة الأسبوعي {الجمعة} لإختيار نشاطات شعبية جمهورها من العابرين والفضوليين والمتسوقين والمصلين ..بمعنى أنهم ليسوا معارضين في الواقع بقدر ما هم مارة وعابرون.

وهذا ما يحصل فعلا في إعتصامات قاع العاصمة عمان فعدد العابرين والمارة والسكان والمتسوقين بالعادة أكبر من عدد المعتصمين المنظمين وفي الأعياد الرسمية تتوقف حالة الحراك والإعتراض.

وزير الداخلية أثبت ذلك رقميا عندما إستدعى الشيخ حمزة منصور القيادي في حركة الأخوان المسلمين وأبلغه بالرقم بأن عدد الذين شاركوا في إحدى المسيرات هو حصريا 845 شخصا بينهم 265 لاجئا سوريا.

الهدف من إستدعاء الشيخ كان تحذيره في مسألة إشراك اللاجئين السوريين في مسيرة تطرح شعارا أو هتافا أردنيا.لكن قدرة الحكومة العجيبة على تعداد البشر المعارضين في مسيرة حاشدة مدهشة وتظهر لي كمواطن بان حكومتي الرشيدة ليست غارقة في العسل حتى أنها تستطيع تمييز عشرات الضيوف من بين مئات أهل الدار خلال مسيرة معارضة.

أليست تلك قدرة مدهشة عند وزارة الداخلية التي أنفقت بالتأكيد مالا وفيرا لإجراء هذا الإحصاء الأمني الهادف؟.سؤالي بسيط وغير بريء : سبحان ألله أين تذهب هذه القدرات الأمنية الخارقة عندما يتعلق الأمر بإحصاء الفاسدين واللصوص والحرامية والنمامين والذين دمروا مكسب الشعب في مؤسسته البيروقراطية وأحالوها إلى حطام إداري بعدما كانت مثالا يحتذى في المستوى العربي؟.

لماذا تعطل {عداد الحكومة} المتخصص بالأنفار عندما تعلق الأمر بظهور ميليشيات مسلحة على الطريق الصحراوي الدولي بين عمان والعقبة توقف سيارات المواطنين وحافالاتهم وتدقق بالهويات جهارا نهارا على مرأى من رجال الأمن.من حقي كمواطن أردني اليوم أن اطالب الصديق وزير الداخلية حسين المجالي بإحصاء أمني دقيق لكل الذين تسببوا بوصول المديونية إلى مبلغ الثلاثين مليارا من الدولارات.

ومن حقي الحصول على رقم إحصائي دقيق يحدد بنفس المستوى الأمني أعداد وأسماء المحظيين الذين لا يدفعون بدل فواتير الماء والكهرباء بعدما تحدث عنهم وزيرا المياه والطاقة علنا.أعلم بان العين تغفل هنا تحديدا والأذن تحتجب والسلطات تطنش وانا على يقين أن الحكومة قوية جدا لكن قوة القانون أصبحت إختيارية ومزاجية مؤخرا للأسف.

وعلى سيرة المؤسسة البيروقراطية وحبل النكات الموصول يشتكي لي أحد المدراء في مؤسسة رسمية قائلا: لي من الخدمة اليوم 18 عاما ولا حظوظ لي بالترقية العادلة لإن نخبة من الحيتان والفيلة يحتلون مواقع الإدارة منذ 40 عاما ولا يغادرون وظيفتهم رغم ان الدنيا تغيرت ومؤهلاتي الجامعية والإدارية أعمق منهم.

صاحبنا يقترح إحالة جيش الموظفين القدماء الذين توقفوا عن النمو الإداري ويستحيل تنمية مهاراتهم على التقاعد وتعيين المزيد من الشباب العاطلين عن العمل مكانهم بدلا من الإسترسال في العرس البيروقراطي المتآكل.

* مدير مكتب صحيفة “القدس العربي” في عمان الصحفي بسام بدارين

قد يعجبك ايضا