رئيس الحكومة التونسية السابق يؤكد أن الأهم حاليا حماية الأردن من التقلبات الإقليمية

35

112242_1_1428266611

حصاد نيوز – أكد رئيس الحكومة التونسية السابق مهدي جمعة أن اختلاف تجربة تونس عن أي تجربة أخرى خلال “الربيع العربي”، تعود لخصوصيتها، كـ”دولة قوية، كانت ملجأ وقت الثورة، وبرغم تعرضها للضعف، إلا أن مؤسساتها بقيت مستمرة”.

وأوضح جمعة، خلال زيارته للأردن الأسبوع الماضي، أن وضع المؤسسات السياسية في بلاده “جرى تداركه”، وقال “أنشأنا مجلسا تأسيسيا وبرلمانا ورئاسة حكومة، وأهم شيء هو الدولة، ثم تأتي تقاليد الانفتاح والحوار. كل الأزمات تعديناها بالحوار”.

وبين أن تونس منذ عهد قرطاج، كانت تحل أمورها بالحوار وبناء المؤسسات.
وبين أن أسباب نجاح تونس في تخطي تداعيات الربيع العربي، بينما فشلت دول عربية أخرى، هو “ثقافة القانون والدستور”، فبلاده التي اطلقت شرارة الربيع العربي “وضعت أول دستور لها في التاريخ الحديث العام 1852”.

وأشاد بدور المجتمع المدني الفاعل في تونس خلال الثورة على النظام السابق، وقدرته الخلاقة على إدارة الأزمات، موضحا أن “فعل الحوار الوطني، هو نتاج مجتمع مدني، الى جانب دور المرأة التونسية الحيوي”.

ولفت الى أن “ثقافة الحوار راسخة في تونس، ما دفع لأن يتمكن المجتمع المدني من الضغط على الطبقة السياسية، ووضعها حول الطاولة وإدارة الحوار معها، الى جانب ارتفاع نسبة الشباب في البلاد، في مقابل جودة التعليم”.

وحول توقعاته باستمرارية البناء على هذا النجاح في تونس، اعتبر ان بلاده “انتهت من الصعب، واليوم هناك توافق على الدستور، الذي حدد قوانين اللعبة السياسية، دستور مدني بتوافق كل الاتجاهات بما فيها المرجعية الدينية، والتي صوتت باتجاه دستور مدني”.

ورأى أن بلاده ستدخل “فترة استقرار سياسي، برغم وجود مشاغل أمنية لديها، وبخاصة من الجارة ليبيا”، لكنه شدد على ان “المؤسسة العسكرية والأمنية تتعافى، وتعود لإمكانياتها ونجاحاتها”.

أما التحديات “فهي موجودة وما تزال كثيرة”، بحسب جمعة، فـ”التجربة تبقى فتية هشة بطبيعة الحال، والتحديات أكثرها اقتصادي واجتماعي، فالثورة لدينا لم تقم من أجل الحرية فقط، لكن من أجل العمل والتنمية، بخاصة في المنطقة الداخلية”.

ويرى جمعة، الذي ترأس الحكومة التونسية منذ مطلع 2014 وحتى مطلع العام الحالي، ان بلاده طوت صفحة عدم الاستقرار، ودخلت في منظومة سياسية مستقرة، لاعادة دفع الاقتصاد وتنميته.

وأشار إلى انه “برغم كل ما يقال عن ازمات تونس، لكن معدل النمو في اعوام بعد الثورة، كان ايجابيا وأصبح 2.5 و3 %، ولكنه غير كاف”.

كما عبر عن اعتقاده بأن “لا عودة للوراء. حصلنا على انجازات في المجالات السياسية والحريات، والآن نبني عليها في المجالين الاقتصادي والاجتماعي”.

وتكلف جمعة برئاسة الحكومة من قبل الرئيس السابق المنصف المرزوقي، خلفا لحكومة الأمين العام لحركة النهضة الإسلامية علي العريضي الذي استقال تحت ضغط الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني العام الماضي، واعتبر انه “لا يوجد إخوان مسلمون في تونس”.

وأوضح “ليس لدينا إخوان مسلمون في تونس، لدينا حزب النهضة، ولا نسميهم إخوانا مسلمين، فالإخوان هم حركة سياسية وحزب معين، نحن نسميهم إسلاميين تونسيين، وهناك فرق أخرى إسلامية، ولكن النهضة هو الحزب الإسلامي الأكبر”.

ورد نجاح “النهضة” إلى انه “حزب وليد البيئة التونسية، وبالرغم من مرجعيته الاسلامية، فهو وليد مناخ تونس، البلد صاحب الإسلام المعتدل”، وبرغم ما أسماه بـ”التشنجات الإسلامية والمواجهات”، فـ”هناك توازن في المجتمع، أدت لتليين موقف النهضة”.

وبين ان تونس لا تحاسب أي حزب بناء على مرجعيته الفكرية، أكان النهضة أم غيره، فـ”هذا شأن يخصهم، لا نحاسب ماركسيين ولا يساريين ولا يمينيين، هناك قوانين مدنية على الجميع احترامها، فالأحزاب التي شاركت في الانتخابات تقبل بقوانين اللعبة، سواء عند فوزها بالانتخابات أو خسارتها. كل حزب يحاسب من منظار القانون والدستور”.

وقال جمعة ان “ثقافتنا وسلوكنا الدينيين كانا دائما معتدلين، وهذا مهم، والتجربة السياسية في الحكم اثبتت انه لا منظومة سياسية في تونس إلا بإدماج كل الجهات السياسية حسب قوانين اللعبة”.

وفي رده على سؤال حول المقارنة بين “النهضة” و”الاخوان المسلمين” بمصر، والذين يعتبر البعض ان تجربتهم فشلت في مصر، او مقارنتهم بـ”إخوان الأردن”، قال “لا أستطيع المقارنة فكل بلد له خصائصه”، ولكنه يعرف بالشأن التونسي فقط في هذا الصدد.

وحول تقييمه لسياسات الرئيس التونسي الجديد الباجي قائد السبسي، قال انه “ما يزال في بداية الطريق، واتمنى له النجاح”، منوها الى ان “الظروف بطبيعة الحال صعبة، بحيث كانت هناك ظروف في العشرين عاما الماضية، قامت من أجلها الثورة، ومن ثم جاءت اربعة أعوام بعد الثورة من دون استقرار، لذا فان الوضع صعب”.

واشار الى وجود مجموعة اصلاحات في تونس، وقرارات لا بد من اتخاذها، معتبرا ان “ذلك فرض نفسه، وفي تقييمي، سنرى الاصلاحات، ولكن ما يزال من المبكر الحكم عليها، وأعتقد بأننا نسير في الاتجاه الصحيح”.

وأوضح أن هناك منظومة الجهاز التنفيذي، والمتمثلة بالرئيس والحكومة والبرلمان، وان لكل جهة صلاحياتها المحكومة بالقوانين والتشريعات، و”لكن النجاح يكون للمنظومة بأكملها ان وجدت برامج جيدة، يوافق عليها البرلمان”.

من ناحية أخرى، وبخصوص المقاتلين التونسيين في “تنظيم داعش الارهابي” قال ان “بعضهم ممن هم في سورية، ليس فقط مع داعش، بل مع جبهة النصرة وفرق أخرى”.

وأشار جمعة إلى أن الارهاب” شيء جديد على تونس، وقد باغتنا، فبعد الثورة اصبح هناك ضعف في الدولة، وبخاصة في المنظومة الأمنية، لأنه كان ينظر لها كأداة قمع، وهي آتية من النظام القديم فلما سقط النظام القديم، سقطت المنظومة الأمنية”.

وبعد سقوط النظام قال “كان هناك مجال لهذه الجماعات كي تنشط، في وقت لم يكن لديها وجود كبير، وأكثرها جاءت من الخارج بعد الثورة، من ليبيا ومن جهات اخرى من الشرق، جاءوا ونصبوا الخيام ودخلوا الأحياء واحضروا شبابا. لم يكن كل هذا أمرا مكبوتا وانفجر، بل استغلوا قلة الرقابة وغرروا ببعض الشباب”.

واعتبر ان ليس كل من يذهب للقتال مع جهات متطرفة دافعه ديني، فـ”الشباب التونسيون يحبون المغامرة، وقد رأيت في بعض الحالات من صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ان بعضهم لا علاقة له بالدين”.

وأضاف “بعضهم من القياديين، وأولئك لهم علاقة بالدين، لكن من غرر بهم ليقاتلوا، بصفة عامة، فهم شباب مهمشون، ليس تهميشا اقتصاديا بالضرورة، بل بعضهم مهمش نفسيا”.

وأوضح أحيانا يكون الشاب ابن أسرة جيدة، لكنه منعزل، فيجد نفسه ضمن فريق يوحي له بأنه قد يحقق البطولة، فينتمي لهذا الفريق.

كما لفت إلى أن أكثر الذين انتموا لـ”داعش خريجو سجون، لا علاقة لهم بالسياسة ولا يفهمون في الدين”، لافتا الى أنه رأى ذلك بنفسه.

وقال جمعة “عندما تتعرف على أسماء من يقاتلون من أجل الدولة الاسلامية من التونسيين، تجد أنهم لا يفقهون شيئا بالدين، ولا يستطيعون قراءة آية واحدة من القرآن”.

ولفت الى أن أي “شخص مهمش، يجد جماعة تموله وتمنحه ما يشعر بأنه مغامرة، فذلك يشعره باستعادة اعتباره”.

وعن دور ليبيا في هذا الصدد، قال جمعة “ليبيا كانت عبارة عن ميدان مفتوح.. لا دولة، و20 مليون قطعة سلاح.. أموال..

مراكز تمرين، فاغتنمت تلك التنظيمات الفرصة للتغرير بهؤلاء الشباب، عبر عمليات غسل دماغ لهم”.

وأشار إلى أن “أعداد هؤلاء لا تتضخم، بل على العكس تتناقص مع تفعيل وجود الدولة حاليا، كما أن حدودنا اليوم مضبوطة وتحت الرقابة”.

وفيما اذا كان يعتبر أن هناك تهديدا داخليا لـ”داعش” في تونس، أقر بوجود “بقايا”، ولكنه رأى أن المهم حاليا انه “لم يعد هناك تهديد للدولة في كيانها، فقد يكون ثمة تهديد كالتفجير الأخير، يقومون ببعض الضربات، لكن هذا لا يقوض الدولة، وليس كما يحدث في دول أخرى”.

وأكد جمعة على أن “هذا الملف انتهى وطويت صفحته، لكن ما تزال معالجة الارهاب قائمة، مثل أي دولة، إلا أن ذلك يجري في ظل صعوبة الوضع الاقليمي”.

وأكد أن تونس تسترجع قوتها، مبينا أنه لا يخشى عليها فـ”لو نظرنا للفرق بين ضربة متحف باردو الأخيرة، والضربات التي تلقيناها العام الماضي، نجد أن شيئا ما تغير، وهو ان هناك تصالحا مع الأمن، الذي اصبح حاضنة شعبية، وهو البطل، في الوقت الذي اصبح الارهابي هو المكروه”.

وأشاد بردة فعل الشعب بعيد حادثة المتحف، والتي “كانت تضامنية كبيرة، واتسمت بالاصطفاف وراء الأمن، فهي بلا شك ضربة موجعة لكنها تقوينا. دخلنا في صفحة معالجة الارهاب كما يعالج في الدول المستقرة”.

وعلى صعيد الوضع الاقتصادي في تونس، أكد جمعة أنه “صعب، جراء عوامل عدة، كالثورة التي خلقت عدم استقرار سياسي ومنعت جلب الاستثمار، برغم ان الاستثمار فعليا لم يغب، لكنه أصبح أقل فقط، الى جانب تأثير ما يحدث في ليبيا والمنطقة”.

وأشار الى أن ليبيا كانت “شريكة لتونس، والآن اصبحت المبادلات الرسمية معدومة، وقد حدث العكس، فزادت ليبيا الضغط على تونس، وكذلك تطور التهريب مع ليبيا، وعانى الاقتصاد التونسي جراء ضعف الاقتصاد الأوروبي، الشريك الأول لنا”.

ولفت الى أن “80 % من مبادلات تونس هي مع أوروبا، وبرغم كل هذه العوامل، لم يسقط الاقتصاد التونسي، بل أظهر مرونة وصلابة كبيرتين، وواصل النمو، وعلينا معالجة هذا النمو ليرتفع”.

أما اليوم، فعلى التونسيين الدخول بإصلاحات كبرى للاقتصاد في المؤسسات العامة وصندوق الدعم والقطاع البنكي والسياحي.

وأشار جمعة إلى أن الأميركيين يرغبون بالاستثمار في تونس، وكذلك دول خليجية وافريقية و”مطلوب منا مزيدا من الجهود لتحقيق هذا بعد كل ما مررنا به”.

وبخصوص الأردن وتجاوزها لتداعيات الربيع العربي، قال جمعة ان “الأردن اجتاز الأزمات بطرق مختلفة، ومنها أن الدولة ومؤسساتها القائمة والعريقة بقيت ملجأ للناس، برغم كل التهديدات”، معتبرا أن الوضع في الأردن شبيه بتونس، فهو محاط حدوديا بجبهات مشتعلة.

وقال “هذه زيارتي الأولى للأردن، وقد رأيت تشابها كبيرا بينها وبين تونس، لناحية الانفتاح وطبيعة الشعب. لا يوجد ثروات طبيعية في هذا البلد، بل هو مبني على المعرفة والعمل، حتى في الجانب الاقتصادي هناك تشابه بيننا، أتمنى للأردن أن يقوم بالإصلاحات اللازمة، وأهم شيء حاليا هو حماية الأردن من كل التقلبات الاقليمية، بخاصة انه في مهب رياح عاصفة على حدوده”.

كما وجه المسؤول التونسي السابق رسالة شكر لتضامن الأردن مع تونس، عندما وقعت حادثة المتحف المؤلمة، ولفت إلى مشاركة وزير الداخلية حسين المجالي في المسيرة التضامنية ضد الإرهاب.

وأخيرا، أكد أن “خيار تونس هو الحوار الشامل بعيدا عن سياسة الاقصاء،” لدينا قواعد مبنية على أسس أننا لا نحاسب الأشخاص على افكارهم بل على افعالهم واقوالهم وهذا بمنظور القانون بدون اعتبار للخلفيات، كل انسان حر في معتقداته، هناك دائرة عامة تحكمها القوانين وهناك دائرة شخصية انت حر بمعتقدك، وهذا ما اتفقنا عليه في تونس وهو ما نسير عليه، اعتبار كل المواطنين متساوين بمواطنتهم ومحاسبتهم لناحية احترام القانون في افعالهم واقوالهم اذا خرجت عن نطاق الحريات، أو إن كانت تحوي تحريضا على العنف”.

قد يعجبك ايضا