حصاد نيوز- فيما اعتبر مسؤولون حكوميون، أن مشاركة جلالة الملك عبدالله الثاني، بالمسيرة التضامنية، المُندّدة بالأعمال الإرهابية، في باريس أول من أمس، رسالة قوية للمجتمع الدولي، عن تسامح واعتدال الدين الإسلامي، اعتبر خبراء استراتيجيون، أن مكانة “الأردن في صدارة الدول العربية الإسلامية المحاربة للإرهاب، “فرضت على الملك أن يتواجد بهذه المناسبة، كتعبير عن موقف الأردن والتأكيد على اعتداله”.
وبينما رأى سياسيون أن زيارة الملك لفرنسا في هذا الوقت، و”كل الاتصالات السياسية التي يجريها لتبييض صورة الإسلام”، إنما تؤشر على أداء “سياسي احترافي”، لا سيما أنه “لم يذهب للمجلة التي نشرت الرسوم، بل إلى الاليزيه للقاء الرئيس الفرنسي وإظهار التضامن معه، وأنه بزيارته “أدان الإرهاب كإرهاب، ولكنه لم يقف مع المجلة كمجلة”.
وفي الوقت، الذي ذهب فيه محللون، إلى أن المطلوب الآن هو دعم الأردن للفلسطينيين، في “مواجهة النفوذ الإسرائيلي الذي يحاول اليوم استغلال الحدث، ويسعى بمحاولة خبيثة لجعل المقاومة جزء من الإرهاب”، رأوا أنه تبعا لهذا، فإن “وجود الملك في تظاهرة ضد الارهاب، يمثّل تأكيدا على أن العرب دعاة تسامح وهو ما يدحض ما يقوله الإسرائيليون”.
وفيما مر حوالي عشرة أعوام على تصريحات، كان جلالته أطلقها، حول أمر مشابه، لا سيما وأن قضية الرسومات المسيئة للرموز الدينية، راوحت مكانها وصاحبها احتجاجات على مدى الأعوام، فإن الملك كان عبّر عن رفضه للعنف الذي صاحب تلك الاحتجاجات حينها، إلا أنه شدد أيضا، في العام 2006، خلال لقاء له بالرئيس الأميركي السابق جورج بوش، على أنه “لا يمكن قبول إهانة المشاعر الدينية أو تبرير هذا التصرف تحت غطاء حرية الفكر والتعبير”.
وفي هذا الصدد، أكد وزير الشؤون السياسية والبرلمانية خالد الكلالدة، ، على أن موقف الأردن “قديم جديد، فهو يعلن حربه على الإرهاب منذ مدة، وأن المملكة بمواقفها الدولية، تحاول إظهار رسالة الإسلام السمحة”، وقال إن حضور الملك للمسيرة، رسالة قوية للمجتمع الدولي، سواء عن الدين الإسلامي أو القضية الفلسطينية.
ومن زاوية القضية الفلسطينية، اعتبر الكلالدة أن “إسرائيل ويمينها، الذي يعادي مصالح العرب، استغلا الآثار المتوقعة لأعمال الإرهاب”، ووصف ما جرى مؤخرا في فرنسا بأنه “ليس صدفة”، وتابع موضحا “كلما اقتنع العالم بالحق الفلسطيني ومع بدء حديث برلمانات أوروبية عن حق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته، فإن هذه الأحداث توجهت ضد مصالح العرب”.
ومن هذا المنطلق، رأى الكلالدة أن مشاركة الملك “مهمة جدا” في هذه اللحظة، خصوصا وأن دبلوماسية الأردن تكاد تكون الوحيدة، التي تتحدث بصوت الشعب الفلسطيني، كما اعتبر أن الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة هي أحد العوامل الرئيسية للإرهاب، والتي “تجعلنا ندخل في حلقة مفرغة”.
من جانبه، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة تمبل الأميركية شون يوم، في اتصال هاتفي من ولاية بنسلفانيا، أن مشاركة الملك في المسيرة، كانت ضرورية، جنبا إلى جنب مع وجود الملكة رانيا العبدالله، لأن “هذا ينقل الرسالة التي طالما كانت معروفة عن الأردن، أنها دولة مستقرة ومعتدلة، وأنها لا تتغاضى أو تتسامح مع أي نوع من الإرهاب، وأن حرية التعبير هي قيمة مهمة”.
وأشار يوم، المتخصص بشؤون الشرق الأوسط والأردن، إلى تأكيد جلالته دائما على “الاعتدال” في الدين داخل الأردن، منوها إلى رسالة عمان، التي اعتبرها مؤشرا مهما على ذلك.
ورأى يوم في مشاركة الملك “خطوة ذكية جدا في مجال السياسة الخارجية، وتتماشى كثيرا جدا مع سمعة الأردن والنظام الملكي فيها”.
وكانت جلالة الملكة عبرت عن استيائها من “الإساءة للإسلام وقتل المدنيين بدم بارد كما حصل في مجلة شارلي إيبدو الفرنسية”، وكتبت على صفحتها في “الفيسبوك” أول من أمس، ما يلي: “تؤلمني الإساءة للإسلام ولمعتقداتي الدينية. كما تؤلمني الإساءة للأديان الأخرى والمعتقدات الدينية للآخرين. ولكن ما يسيء لي أكثر بكثير، هو تجرؤ مجموعة على استخدام الإسلام لتبرير قتل مدنيين بدم بارد. الأمر لا يتعلق بالإسلام أو الشعور بالانزعاج أو الإساءة من مجلة “شارلي إيبدو”، بل بمجموعة من المتطرفين الذين أرادوا القتل لأي سبب؛ وبأي ثمن”.
الوزير الأسبق بسام العموش، أكد أن الأردن ضد الإرهاب من أي جهة كانت. وأشار إلى أن الملك له حساباته السياسية، وهو يدافع عن رسالة عمان، ويريد من خلال مشاركته بمسيرة باريس “أن يظهر أن الإسلام لا علاقة له بالأمر الذي حصل”.
وأيد القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين العموش، زيارة الملك، ومشاركته بالمسيرة، وما أسماه “كل الاتصالات السياسية التي تبيض صورة الإسلام”، وقال إن أداء الملك في هذ الصدد هو “سياسي احترافي، فهو لم يذهب للمجلة التي نشرت الرسوم بل إلى الأليزيه للقاء الرئيس الفرنسي”.
واستذكر العموش، في حديثه أن القيادة الهاشمية منذ أيام الملك الراحل الحسين، معروفة بدبلوماسيتها العالية، وتحركها خارجيا بهذا الشأن، مؤكدا أن ” قوة الأردن تكمن في علاقاته الخارجية، ولا يجب أن يغيب عن أي نشاط دولي مثل هذا”.
ومن وجهة نظر العين السابق العموش، ورغم تأكيده على أنه ضد رد الفعل المتمثل بقتل الصحفيين الفرنسيين، إلا أن هناك ضرورة لأن “لا ننسى أن فرنسا تسمح بأعمال تشعر المسلمين بأنها معادية لدينهم، مثل موقفها من ارتداء الحجاب والرسومات الكاريكاتورية”.
وفيما يرفض العين السابق محاربة الناس بناء على دينهم، مستشهدا بالآية الكريمة “لا إكراه في الدين”، فإنه يرى أن “فرنسا تستفز المسلمين وأن الدولة لا تمنع هؤلاء المستفزين من القيام بما يقومون به”.
وبخصوص سياسة المعايير المزدوجة، تساءل العموش عن هذا الجمع الكبير من القادة من حول العالم، الذين شاركوا بالمسيرة، رفضا لمقتل أقل من عشرين شخصا، وقال: “لماذا لم يجتمعوا رفضا لاستخدام الفسفور الإسرائيلي، وقتل أكثر من ألفي فلسطيني في الحرب الأخيرة بغزة؟”.
واعتبر هنا، أن “الكيل بمكيالين هو الذي يصنع الإرهاب، وإذا أردنا الوقوف مع العدل فيجب فعل ذلك مع الجميع، بغض النظر عن الديانة، بما في ذلك الشعبان السوري والعراقي الذين قتل مئات الآلاف منهما”.
وعن فكرة القتل، مقابل الرسومات، اعتبر خبير استراتيجي ومحلل سياسي فضل عدم ذكر اسمه في التقرير، أن من يدفع ثمن مثل هذه الأساليب، هو العرب والمسلمون، وأن حياتهم في أوروبا قد تتعرض للتمييز والكراهية، وبالتالي فإن نتائج مثل هذا الأسلوب كارثية، على صورتهم في العالم، وليس على صورة من أساء للرسول”.
ورأى أن الدليل على ذلك هو أن الرسومات المسيئة أصبحت منسية، لكن هذه الجريمة” دفعت صحفا أجنبية لإعادة نشرها.
بالنسبة للأردن التي تعد في صدارة الدول العربية الإسلامية التي تحارب الإرهاب، وتدافع عن صورة الإسلام المعتدل، فإن هذا سبب أولي “يفرض على الملك أن يتواجد بهذه المناسبة، كتعبير عن موقف الأردن وإظهار صورته المعتدلة”، وفقا لذات المحلل.
وتابع قائلا “إضافة إلى أن هذه تظاهرة عالمية، وبما أن الإسلام هو موضوع الأزمة، ولكي نثبت أننا فعلا ضد الإرهاب، فمن الطبيعي أن يشارك الملك بالمسيرة حتى يبرئ الإسلام من اتهامات التطرف والإرهاب، كما أن مشاركته تشكل دعما معنويا للجاليات العربية والإسلامية التي تعيش حالة خوف وقلق في أوروبا حاليا”.
وفي رأي مشابه، يرى مراقبون، وجوب أن لا ننسى أن الأردن وفرنسا شريكان في تحالف دولي ضد الإرهاب، وطبيعي أن تقف المملكة إلى جانب هذه الدولة الأوروبية في محنتها ضد الإرهاب والتطرف، ويضاف إلى هذا، وجود تعاون عسكري وتسهيلات أردنية للطائرات الفرنسية لمحاربة الإرهاب.
أما فلسطينيا، فيرى محللون أن المطلوب الآن هو دعم الأردن للفلسطينيين في “مواجهة النفوذ الإسرائيلي الذي يحاول اليوم استغلال الحدث، ويسعى بمحاولة خبيثة لجعل المقاومة جزءا من الإرهاب”.
إلى هذا، لا يعد الأردن مشاركا منفردا في المسيرة، فقد شاركت بها معظم الدول العربية والإسلامية، ووفود ورجال دين مسلمين من دول عربية.
وأخيرا، أكد عميد كلية الشريعة في الجامعة الأردنية الدكتور محمد الخطيب أن مشاركة الملك “دلالة على أنه أراد أن يبين أن ما قاموا به من قتل في المجلة لا يمت للإسلام بصلة”.
إلا أنه شدد على ضرورة التأكيد على أن “التطرف يقابل بالتطرف، وأن ما فعلته المجلة من تطرف وإساءة للرسول، سيؤدي قطعا إلى التطرف من الجانب الآخر، مع أننا لا نقر هذا التطرف بالطبع”.
ورغم تأكيده على إدانته القطعية للجريمة التي حصلت في فرنسا، وإشارته إلى أن “هذا ليس من عمل الإسلام أو الرسول”، إلا أن الخطيب يخالف فكرة الغرب، بأن ما نشرته المجلة يندرج في إطار حرية التعبير، ويقول “حريتك تنتهي عند حرية الآخرين والاعتداء عليهم”.
وختم الخطيب بقوله، أن الملك بزيارته أدان “الإرهاب كإرهاب”، ولكنه لم يقف مع “المجلة كمجلة”، كما أن الملك حذّر الغرب سابقا من هذه الممارسات لأنها تقود للتطرف الفكري والعملي، واعتبر أن “على الغرب في وقتنا الحاضر أن يضع ضوابط مهمة جدا، حتى لا نقع في المحظور مثلما حصل في المجلة”.
قد يعجبك ايضا