دموع الغزيين بين الفرح والخذلان: هل يصمد اتفاق شرم الشيخ؟

13٬255

 

حصاد نيوز – م. سعيد بهاء المصري – صباحاً في الثالث عشر من أكتوبر 2025، شهدت مدينة شرم الشيخ توقيع اتفاق تاريخي لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس بعد حرب طاحنة استمرت قرابة عامين وأودت بحياة عشرات الآلاف من المدنيين في قطاع غزة. وُقّع الاتفاق برعاية مصرية وقطرية وتركية، وبمشاركة أميركية مباشرة، في قمة حضرها زعماء أكثر من عشرين دولة. نصّ الاتفاق على وقف شامل للعمليات العسكرية من الطرفين، وانسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية إلى خطوط محددة داخل القطاع، تمهيداً لتبادل الأسرى ورفات القتلى. وقد أفرجت حماس عن آخر عشرين أسيراً إسرائيلياً أحياء، مقابل إطلاق إسرائيل سراح نحو ألفي أسير فلسطيني، بينهم نساء وأطفال ومحكومون بالسجن المؤبد. كما أُعلن عن بدء إدخال المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء ومستلزمات طبية بإشراف الأمم المتحدة والصليب الأحمر، وجرى الاتفاق على بدء التحضير لمرحلة إعادة إعمار واسعة تشمل البنية التحتية والمساكن المدمرة، ضمن ترتيبات أمنية يراقب تنفيذها ممثلون من مصر وقطر وتركيا والصليب الأحمر الدولي. وتم تحديد مهلة خمسة أيام لاستكمال تبادل الجثامين وتسليم ما تبقى من رفات الأسرى الإسرائيليين، على أن تتابع اللجان الفنية المشتركة الإشراف على التنفيذ الميداني لبنود الاتفاق.

لكن الاتفاق لم يتطرق إلى جوهر الصراع القائم منذ عقود، إذ ترك مسائل حاسمة دون حسم أو حتى ذكر صريح، مثل الوضع النهائي لقطاع غزة، وعلاقته بالضفة الغربية، وحدود الدولة الفلسطينية المنشودة، والسيادة القانونية على الأرض، والجهة التي ستحكم القطاع بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي. كما لم يتضمن الاتفاق أي نص واضح بشأن نزع سلاح الفصائل الفلسطينية أو دمجها في إطار وطني جامع، ولم يُشر إلى طبيعة العقوبات في حال خرق أحد الطرفين لبنود الاتفاق. وبذلك بدا الاتفاق أقرب إلى هدنة مؤقتة هدفها امتصاص الضغط الدولي وتهيئة الأرضية لمفاوضات لاحقة غير محددة الأفق، مما جعله هشاً وقابلاً للتفكك في أي لحظة.

هذا الضعف في الأساس السياسي للاتفاق كان محور تحذير صريح من جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، الذي اعتبر أن غياب تصور واضح لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة سيعيد المنطقة إلى مربع الدمار الشامل. ففي تصريحاته خلال مشاركته في القمة، شدد الملك على أن «السلام الحقيقي لا يُبنى على تهدئة مؤقتة، بل على حلّ جذري يعالج جذور الصراع»، محذراً من أن تجاهل حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم سيقود إلى انفجار جديد أشدّ من سابقه، وأن الشرق الأوسط لن يعرف الاستقرار ما لم تُنصف القضية الفلسطينية. وأضاف أن أي اتفاق لا يتضمن بوضوح مساراً سياسياً نحو الدولة الفلسطينية لن يكون سوى استراحة قصيرة قبل عودة دورة الدماء والعنف.

في المقابل، كشفت وكالة رويترز في تقرير لها أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وافق على الاتفاق بعد ضغوط مكثفة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي قدّم له ضمانات سياسية مؤقتة مقابل الانخراط في مسار التهدئة. غير أن نتنياهو، وفق التقرير، لا يزال يخشى من أن يؤدي تنفيذ الاتفاق إلى تراجع شعبيته داخل إسرائيل، خصوصاً في أوساط اليمين المتشدد الذي يعارض أي تنازل أمام حماس أو أي انسحاب من أراضٍ تمّ احتلالها. ومع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية، يسعى نتنياهو إلى الحفاظ على توازن دقيق بين إرضاء واشنطن وتهدئة القاعدة اليمينية التي ترفض الاتفاق وتعتبره «استسلاماً سياسياً». ويخشى المراقبون أن يستغل نتنياهو بنود الاتفاق الغامضة ليبرّر العودة إلى القتال في حال تراجع موقفه الانتخابي، بحجة أن الهدف هو «تدمير أنفاق المقاومة» أو «استكمال نزع سلاح حماس»، وهي ذرائع قد يجد فيها غطاءً لإعادة العمليات العسكرية إذا شعر بأن المناخ السياسي الداخلي يسمح بذلك.

في ضوء ذلك، يبقى مصير الهدنة رهيناً بمدى التزام إسرائيل بوقف النار، وبقدرة الوسطاء الدوليين على ضبط الميدان ومنع أي استفزاز أو خرق متعمّد. إلا أن غياب الضغط الأميركي الجدي، بعد أن تمّت بالفعل عملية تبادل الأسرى ولم يعد في غزة أي إسرائيلي حي يمكن استخدامه كورقة ضغط، يجعل إمكانية عودة القتال أكثر ترجيحاً. فإذا تخلّت واشنطن عن دورها كضامن للاتفاق، فإن أي تحرك إسرائيلي جديد سيجد غطاءً سياسياً أو على الأقل صمتاً دولياً، مما سيؤدي إلى انهيار الاتفاق والعودة إلى دائرة الدمار. وحينها، لن تكون النتائج محصورة في غزة وحدها، بل ستمتد إلى الضفة الغربية وربما إلى الإقليم بأكمله، بما يحمله ذلك من تداعيات سياسية وأمنية خطيرة تهدد استقرار المنطقة.

إن اتفاق شرم الشيخ، رغم ما يحمله من أمل للمدنيين المنهكين من الحرب، يبدو أقرب إلى هدنة مؤقتة منه إلى سلام دائم. فطالما لم يُعالج جوهر الصراع ولم يُمنح الفلسطينيون حقهم في إقامة دولتهم، سيبقى كل وقف إطلاق نار مجرد فاصل قصير بين حرب وأخرى، وكل مؤتمر سلام بداية لمسار جديد من النزاع.

قد يعجبك ايضا