جدل في الجزائر بعد رفع التحفظ عن بند في “اتفاقية سيداو” يساوي بين الرجل والمرأة في حرية التنقل واختيار مكان الإقامة
حصادنيوز – في خطوة تثير نقاشا واسعا، أعلنت الجزائر رسميًا رفع تحفظها عن الفقرة الرابعة من المادة 15 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، بعد ما يقارب ثلاثة عقود من المصادقة عليها بتحفظات عديدة.
وجاء القرار بموجب المرسوم الرئاسي رقم 25-218 المؤرخ في الرابع من أغسطس 2025، والمنشور في العدد الأخير من الجريدة الرسمية. وبذلك لم تعد الجزائر تتحفظ على البند الذي يمنح المرأة حقوقًا متساوية مع الرجل فيما يتعلق بحرية التنقل واختيار محل السكن والإقامة.
ومع أن هذه الخطوة تقرّب نظريا المنظومة القانونية الجزائرية من “المعايير الدولية لحقوق المرأة”، إلا أنها فجرت جدلاً واسعًا داخل المجتمع، بين مؤيدين يرون فيها مكسبًا تاريخيًا، ومعارضين يعتبرونها تهديدًا للأسرة وتنازلاً أمام الضغوط الخارجية.
ووردت أولى ردود الفعل من موقع “صوت النساء” أحد أهم منابر النسوية في الجزائر، الذي وصف رفع التحفظ بأنه أكثر من مجرد إجراء قانوني، بل نقطة تحول رمزية تؤكد أن حقوق المرأة لم تعد قابلة للمساومة بين التشريعات الوطنية والالتزامات الدولية.
وأوضح في مقال له أن التحفظ الجزائري كان انعكاسًا لبنية اجتماعية وثقافية كرست سلطة الزوج باعتباره “رئيس العائلة”، ومنحته سلطة تقريرية في السكن والإقامة، وأن إلغاءه اليوم يمثل إعادة الاعتبار لاستقلالية المرأة داخل الأسرة.
وذهب المقال إلى أن القرار جاء ثمرة تراكم جهود الجمعيات النسوية ومنظمات المجتمع المدني التي مارست ضغطًا متواصلًا عبر التقارير الموازية وحملات التوعية، ليؤكد أن المساواة لن تتحقق فعليًا إلا إذا رافق القرار إصلاح شامل لقانون الأسرة، ودمج مفاهيم العدالة الجندرية في السياسات العمومية والثقافة المجتمعية.
وفي السياق ذاته، رأى الصحافي محمد علواش أن هذا المرسوم الرئاسي منح المرأة الجزائرية حرية الخروج والتنقل والسفر داخل الوطن وخارجه من دون الحاجة إلى إذن الزوج أو الولي.
وأوضح أن الخضوع لسلطة “الولي” أصبح أمرًا اختياريًا وليس إجباريًا، ما يضع على عاتق الدولة ضرورة تعديل قانون الأسرة القائم لإلغاء مواده التي تتعارض مع الاتفاقية. وطرح علواش تساؤلات حول مدى تأثير هذا القرار على شروط الزواج نفسها، خصوصًا في ما يتعلق بموافقة الولي، معتبرًا أن الاعتراف بحرية المرأة في التنقل يفتح الباب لمراجعة أوسع لأحكام الزواج التقليدية. وفي تقييمه العام، وصف القرار بأنه خطوة هامة نحو التحرر النهائي للمرأة من القيود الشرعية والعرفية التي كبّلتها لعقود طويلة.
</p
في المقابل، لم يمر القرار من دون اعتراض قوي من التيارات المحافظة التي عبّرت عن مخاوفها من تداعياته الاجتماعية. فقد اعتبر لسياسي الإسلامي عبد الرزاق مقري أن اتفاقية سيداو واحدة من أخطر الاتفاقيات الدولية التي سعت إلى تفتيت الأسرة وفرض النموذج الغربي على المجتمعات الإسلامية.
وأوضح أن كثيرًا من الدول الإسلامية تحفظت على بنودها إدراكًا لخطورتها، لكن الضغوط الغربية دفعت بعضها إلى التراجع، ومن بينها الجزائر، متسائلا عن دوافع هذا التراجع: ما الذي تغيّر حتى تُرفع تحفظات سبق أن رُفضت في السابق؟
وأكد الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم، أن الاختلاف الجوهري بين الرجل والمرأة، كما نص عليه القرآن، ليس مدعاة للتفاضل وإنما أساس للتكامل، محذرًا من أن المساس بهذا الاختلاف سيقود إلى انهيارات بنيوية على غرار ما تعيشه المجتمعات الغربية اليوم.
أما المحامي توفيق هيشور، فذكر في قراءة قانونية أكثر تفصيلًا، أن الخطوة تطرح إشكالات عميقة حول انسجامها مع المنظومة التشريعية الوطنية، خاصة قانون الأسرة. وأوضح أن دستور 2020 ينص على أولوية المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وهو ما يجعل رفع التحفظ ملزمًا للمشرّع الجزائري بإدخال تعديلات على القوانين الوطنية، بما في ذلك منح المرأة حقًا مساويا للرجل في اختيار السكن والإقامة.
وأشار إلى أن هذه المساواة قد تفرز نزاعات جديدة أمام القضاء، سواء في مسائل الحضانة أو الطلاق أو النزاعات الأسرية، حيث يمكن للزوجة أن تطالب باستقلالية السكن ضد رغبة الزوج. لكنه في الوقت نفسه أكد أن التنفيذ الفعلي للقرار سيظل رهنًا بمدى استعداد المشرّع لمواءمة القوانين المحلية مع الالتزامات الدولية، ومدى قدرة القضاة على التكييف مع هذه المعايير الجديدة.
من جانبه، تناول الناشط السياسي خرشي النوي القرار من زاوية اجتماعية بحتة، محذرًا من أنه قد يفاقم نسب الطلاق التي تبلغ اليوم قرابة 40 بالمئة من حالات الزواج في الجزائر. وأوضح أن منح المرأة حرية تقرير محل إقامة العائلة سيخلق أسبابًا إضافية للخلاف بين الزوجين، بما يزيد من هشاشة البنية الأسرية.
كما طرح تساؤلات حول توقيت القرار والضغوط الخارجية التي قد تكون وراءه، متهمًا السلطات بتفضيل إرضاء الغرب على حساب الأعراف والتقاليد والدين. واعتبر أن الغرب الذي يعاني من تفسخ أسرته يسعى اليوم إلى تعميم هذا النموذج على بقية المجتمعات، بما فيها المجتمعات الإسلامية.
وفي الواقع، يعيد هذا الجدل من جديد الصراعات الأيديولوجية التي ظلت تطبع النظرة للمرأة داخل المجتمع، والتي تتفجر مع كل تغيير في القوانين الناظمة للأسرة. ويعد قانون الأسرة في الجزائر والمستمد من الشريعة الإسلامية، محل مطالب بالإلغاء من قبل تيارات علمانية منذ سنوات الثمانينيات في مقابل تمسك قوي به من قبل التيار الإسلامي والوطني المحافظ.
وكان آخر تعديل لقانون الأسرة سنة 2005 حيث أقر بعض الحقوق الإضافية وصاحبه جدل واسع حول إسقاط شرط موافقة الولي من زواج المرأة في نقاش هذا القانون قبل أن يتم التخلي عن هذا التعديل، بعد تدخل من الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة.