كشف تفاصيل «مؤامرة الجنرالات في مصر»: سمحوا للإخوان بالصعود لسحقهم!

34

75455_1_1403766037

حصاد نيوزأعرف أن الانقلاب كان مدبرًا” عبارة قالها البروفيسور الفرنسي المرموق جيل كيبل المحاضر في معهد العلوم السياسية بباريس، والذي التقى بعد شهور من ثورة يناير 2011 مع مستشار المشير طنطاوي حيث أخبره الأخير أنَّ المؤسسة العسكرية سوف تسمح للإخوان بالصعود للحكم، ومن ثم تكشف مساوئهم وتجعل الشعب يثور ضدهم ويطالب بعودة الجيش لسدة الحكم.
المستشرق كييل الذي يعد من كبار باحثي الشرق الأوسط في العالم كشف تفاصيل ما سماها بـ” مؤامرة الجنرالات في مصر”، مشيرا إلى أن الثورات العربية كان مكتوبًا عليها الفشل البداية، وأنه رغم الدور الذي لعبته الدولة العميقة في مصر للقضاء على الثورة فلا يمكن للإخوان إلقاء التهمة على آخرين لأن السياسة إما النجاح أو الفشل.
الكثير من الأسرار والتفاصيل كشفها كيبل في حديث أدلى به في إسرائيل مؤخرا، كشفت عنه صحيفة ” هآرتس” في تقرير مطول أعده الصحفي الشاب” إساف رونئيل” ونشرته الصحيفة الأربعاء 25 يونيو.. فإلى نص التقرير..
في عيد الفضح 2010 كان السائح الإسرائيلي في شوارع القاهرة يستطيع أن يشعر بالأمان بشكل لا يقل عن أية مدينة كبيرة أخرى في العالم. كان هناك شرطي تقريبا في كل زاوية من الشارع. القليل فقط من المتسولين يمكن رؤيتهم في الشوارع المزدحمة دائما، صباحا ومساء، والنشالون مجرد شائعة بعيدة ليس إﻻ. العمارات مغطاة بمصلقات ضخمة للرئيس حسني مبارك إلى جانب ابنه الشاب ولي العهد المرتقب جمال.
ثلاثة أعوام مرت بعد ذلك، وتقريبًا بعد عام من وصول زعيم الإخوان المسلمين محمد مرسي للحكم، الجريمة احتفلت في شوارع العاصمة المصرية. اغتصاب وجرائم قتل يتم الكشف عنها يوميًا، ونساء تخشى التجول وحدهن بالشوارع. صحفية مصرية مخضرمة قدمت خلال حضورها اجتماع الاتحاد الأوربي في بروكسل الذي ناقش علاقة الاتحاد بجيرانه في الجنوب، تفسيرا تأمريا للتدهور الحاد في الأمن الشخصي بمصر.”. قال لي ضابطان كبيران- نحن في إجازة حتى إسقاط مرسي من الحكم”.
يونيو 2014. رغم تكرار العمليات الإرهابية، عاد القانون والنظام لشوارع القاهرة. أنصار نظرية المؤامرة في مصر يعتادون على استخدام مصطلح” الدولة العميقة” (Deep State) لتفسير صعود وسقوط الإخوان المسلمين من الحكم، ويتطرقون في ذلك لسيطرة المؤسسة الأمنية- القضائية على مؤسساتها، حتى إذا ما تغيرت الحكومة. هذا المصطلح تم صياغته فيما يتعلق بنضال النخبة العلمانية في تركيا ضد صعود الإسلام السياسي ممثلا في حزب العدالة والتنمية ورجب طيب أردوغان.
هذا ما يوضحه أيضا البروفيسور الفرنسي جيل كيبل – من كبار باحثي الشرق الأوسط في العالم الذي يقوم بالتدريس في ساينس بو ( معهد العلوم السياسية، باريس) وهي المؤسسة التي تخرج منها غالبية النخبة الثقافية، والسياسية والاقتصادية بفرنسا- أن النخبة الأمنية والقضائية في مصر تأمرت ضد حكم الإخوان المسلمين. وقال في حديث أدلى به هذا الشهر خلال زيارته لإسرائيل” أعرف أن الانقلاب كان مدبرًا.. تناولت وجبة العشاء في ديسمبر 2011 مع مستشار طنطاوي ( محمد حسين، قائد الجيش المصري الذي حكم الدولة حتى تولي مرسي الحكم في يونيو 2012) وقال لي أنهم سوف يسمحون للإخوان بالصعود، وسيقومون بكشفهم، وسوف يكونون سيئون للغاية حتى يرغب الشعب في الجيش مرة أخرى.
ووفقًا لكيبل، فلم يكن لدى قادة الجيش المصري شك فيما يتعلق بهذه الخطة، والأسئلة التي ظلت مفتوحة تمحورت حول مدى تدخل السيسي في الخطة، والدور الذي لعبته الولايات المتحدة وإسرائيل في الأحداث. الباحث الفرنسي المخضرم البالغ 59 عامًا ﻻ يخشى الحديث الاستفزازي أو المثير للجدل. ففي عام 2000 نشر بالفرنسية كتاب حمل اسم” جهاد: اتساع وانحسار الإسلام”.
زعم فيه أن الإسلام الراديكالي في تراجع وسوف يواجه الفشل كحركة سياسية. هجمات 11 سبتمبر الإرهابية لم تغير رأي كيبل، وفي النسخة الإنجليزية التي صدرت في 2002 ذهب إلى أن الهجوم أثبت وجهة نظره. حيث قال إن القاعدة اتجهت للهجمات الاستعراضية بعد أن فشلت في تجنيد الحشود في مصر والجزائر خلال التسعينات، وأن هذه العمليات زادت من عزلته.
لكن في حالة الإخوان المسلمين في مصر، فإن البروفيسور مقتنع أن المؤامرة العسكرية هي فقط جزء بسيط من القصة.” دائما ما قال الإخوان: لم تتح لنا الفرصة أبدا. الفرصة كانت بين أيديهم. صحيح أن الدولة العميقة كانت حاضرة، رغم ذلك، عندما تمارس السياسة، إما أن تنجح أو تفشل. لا يمكن إلقاء التهمة على آخرين”.
بدلاً من نظرية المؤامرة، يرى كيبل أن صعود وسقوط الإخوان المسلمين يأتي كجزء من الاتجاهات العامة التي ميزها في أحداث الأعوام الأخيرة بالشرق الأوسط. البروفيسور الفرنسي ليس من أنصار الانغلاق في برج عاجي، وبعد اندﻻع الانتفاضات في 2011 وحتى 2013 قام برحلات للشرق الأوسط في محاولة فهم ما يحدث عن كثب.
ونشر نتائجه في كتاب- يومية رحلة- الذي يحمل اسم” شغف عربي” (Passion arabe). هذه الطريقة لرؤية ما يحدث من على أرض الواقع تميز الرؤية الأكاديمية لكيبل، الذي يزور الآن المنطقة مرة أخرى في محاولة لإعادة تأسيس دراسات الشرق الأوسط في بلاده، بعد أن كشفت أحداث السنوات الماضية عورة النظريات القائمة.
في أعقاب رحلاته، وقف كيبل على جذور الانتفاضات في الدول العربية يرفض مصطلح (الربيع العربي) وذلك عبر عدة تطورات حدثت في السنوات التي سبقت ذلك” الأنظمة العربية الاستبدادية فقدت شرعيتها الدولية كحاجز أمام الإرهاب بعد ما كبدته القاعدة من خسائر للأمريكان بالعراق في 2005، كذلك أضر الفساد الصارخ بأبناء الطبقة الوسطى- العليا- العمود الفقري للأنظمة، وربما السبب الأهم هو أزمة الغذاء والماء التي ظهرت بالمنطقة في السنوات الاخيرة قبل اندلاع الانتفاضات. يقول كيبل ” أبناء الطبقة المتوسطة- المنخفضة الذين اعتقدوا أنه حتى إن كان مبارك ديكتاتور فعلى الأقل هناك مستقبل لأبنائهم، فقدوا الأمل، وانضموا للثورة”.
اندماج هذه العناصر، والشرارة التي أطلقها تاجر الخضروات محمد بوعزيزي الذي أحرق نفسه في تونس قادوا للمرحلة الأولى للثورات في العالم العربي- سقوط الأنظمة القديمة. لكن هذه الثورات نجحت فقط في المناطق التي ﻻ يوجد بها انقسام إثني حقيقي بين السنة والشيعة- مثل مصر وتونس- وليس في دول مثل البحرين وسوريا واليمن.
ويشير كيبل إلى أنَّ هناك عنصرين مرتبطين ببعضهما قد أديا لوقف الانتفاضات- النفط والغاز والقلق السني من الهيمنة الإيرانية. كذلك في البحرين ” رئة النفط والغاز في العالم” هي إمارة صغيرة تحكمها أسرة ملكية سنية، لكن أكثر من 70 % من السكان شيعة. الاحتجاج الذي انطلق في ميدان اللؤلؤة بالعاصمة المنامة، نُظر إليه في قطر والسعودية الجارتين كتهديد وجودي عليهم- في حال نجاح الشيعة في إسقاط حاكم البحرين ومنح إيران السيطرة على نقطة استراتيجية بالخليج الفارسي. تلك المخاوف دفعت الغرب إلى تجاهل القمع العنيف للاحتجاج.
من هذه الزاوية، تبقى سوريا صورة طبق الأصل للبحرين. هناك كان الإيرانيون من تخوفوا أن يؤدي زعزعة نظام الأسد لإضرار حقيقي لوضعهم، واحتشدوا جنبا إلى جنب مع حزب الله للدفاع عنه. وعلى النقيض وضع السعوديون والقطريون كل ثقلهم، تحديدا الاقتصادي، إلى جانب المعارضة- الجيش السوري الحر.
وفقًا لكيبل فإن الصراع بين هذين المعسكرين شكل المرحلة الثانية من التقلبات في العالم العربي. فإلى جانب الصراع بين الشيعة والسنة، تميزن هذه المرحلة بـ “أخونة الثورة”- سيطرة الإخوان المسلمين، بدعم قطر، على الثورات، في ظل ضعف وعدم تنظيم الثوار الشباب الذين قادوا المرحلة الأولى.
مع هيمنة قطر، والدعم العسكري من تركيا، وملايين السكان في مصر” ظنوا أنهم سينجحون” يقول كيبل ويضيف أن يوميات رحلاته قد انتهت عند هذه النقطة- صعود مرسي للحكم في مصر. لكن الإخوان المسلمين فشلوا، ليس فقط في مصر، بل أيضًا في تونس، التي تنازلوا فيها عن الحكم، وهذا الفشل قاد للمرحلة الثالثة من الثورة، التي نحن فيها الآن. يوضح كيبل” إذا ما اتسمت المرحلة الثانية بالأخونة والمواجهات السنية- الشيعية، فإن المرحلة الثالثة تدور حول قمع الإخوان، وعودة الجيش والمواجهات السُنية السُنية- قطر ضد السعودية، والإخوان ضد السلفيين”.
إلى جانب عودة الجيش لحكم مصر، بدعم ملحوظ من السعودية والإمارات، ورغم أنف قطر، غيرت المواجهات داخل المعسكر السني صورة الحرب الأهلية في سوريا. تعلم نظام الأسد من الروس أسلوب مواجهة الانتفاضة الذي أورثته موسكو للجنرالات الجزائريين خلال الحرب الأهلية في سنوات الـ 90 ونفذته بنفسها في الحرب الشيشانية، يوضح كيبل- “عبر غرس الجهاد داخل صفوف التمرد، حتى ينهار من الداخل”.
يقول كيبل: “في سوريا، مثل الجزائر في الماضي، النظام يشجع تحويل الثورة إلى أكثر تطرفا.. الدولة الإسلامية في العراق والشام ( داعش)هي مجموعة غريبة الأطوار. أولئك المسلمون السنة في العراق تلقوا الدعم في السابق بيد المخابرات السورية، والتي ﻻ تزال تؤثر عليهم. داعش تسيطر على حقول النفط في شرق سوريا، التي لم يتم تفجيرها من قبل الأسد. بل إنها تبيع النفط للأسد”.
حتى إذا ما كان مصدر هذه الاتهامات هو التضليل الذي ينشره نظام الأسد، فإن هناك آذان صاغية في المعارضة. ففي وقت سابق من العام الجاري نشر الائتلاف الوطني السوري، الجناح السياسي للمعارضة المعترف به لدى الغرب، وثائق تثبت على ما يبدو تدخل الاستخبارات السورية في صفوف داعش. وتزامن هذا الكشف مع الجهد العسكري لتنظيمات تمرد مختلفة ضد هذه الجهة. وتختلف الآراء حول نجاح التنظيم المتشدد في الحفاظ على سيطرته على سوريا، لكن يمكن إيجاد علاقة بين الهجوم الذي يواجهه في سوريا وبين نقل الثقل العسكري لداعش للعراق مرة أخرى- وهو ما أدى إلى تفكك الدولة.
وباستثناء المعارك بين المتمردين على اختلاف انتماءاتهم ضد الأسد، فإنه وفي أعقاب المواجهة الداخلية السنية فقد معارضو الأسد إحدى أكبر الداعمات، يقول كيبل” السعودية التي دعمت الجهاديين في البداية قد تراجعت بعد أن أعلن جهاديون سعوديون أن الطريق للرياض يمر عبر دمشق”، ووفقا لما قاله فإن المعارضة ﻻ تزال تتمتع بمساعدة تركية، لكن أيضًا هنا نجح الأسد من بث الصراع بين أجزاء مختلفة في المعسكر السني. “الموضوع الأساسي بالنسبة للأتراك ليس الأسد، بل الأكراد، الاكراد قطعوا عهدا مع الأسد ضد الجهاديين. وسيطروا على المناطق القريبة من الحدود التركية، وهو ما أقلق تركيا. هذا أيضا جزء من لعبة الأسد”.
النتيجة- استقرار وضع الأسد. حيث يسيطر على القطاع الساحلي من الحدود التركية، أقل أو أكثر. المعارضة المدعومة من قبل الغرب باتت أضعف من أن تمثل تهديدًا على النظام، وكذلك مستقبل الجهاديين غير مضمون.”هناك امتعاض شعبي منهم. إذا لم ينجحوا في إنجاز شيء، فسوف تتدهور الأوضاع وتتدهور”.
الانتخابات التي جرت هذا الشهر في سوريا هي جزء من حملة العلاقات العامة هذه. “الجميع قال إنها مهزلة، لكن شيئًا لم يحدث. تصاوير لنساء غير محجبات تم نشرها، وماذا كان لدى الجانب الآخر كي يظهره؟ رهائن، لحى، نقاب وقطع رؤوس”. وفقًا لكيبل إن كان هناك حل للحرب الأهلية في سوريا فسوف يكون بالتسوية، لكنها لن تحسم بأيدي السوريين أنفسهم. “تسوية بين السعودية، والإمارات وقطر وتركيا وإيران وإسرائيل”.
وماذا يخفي المستقبل لباقي الشرق الأوسط؟ الوضع الآن يبدو خطيرًا. يروي كيبل أنه خلال عامي رحلاته وصل إلى أماكن لم يكن باستطاعته أن يتواجد بها في الماضي- أخذ قاربا وأبحر في النيل دون إزعاج، تجول في عدن اليمنية دون رفقة وأخذ الحدود من تركيا إلى المناطق التي يسيطر عليها المتمردون السوريون. لكنه الآن ﻻ يتجرأ على فعل ذلك، خوفا على حياته. هو أيضا ﻻ يتوقع أن نرى في القريب ثورات أخرى كتلك التي أسقطت الأنظمة في 2011. لكن الوضع الراهن وقتي فقط. إلى جانب تقدم الفصيل المارق للقاعدة في العراق الذي يهدد بزعزعة الأوضاع في أنحاء الشرق الأوسط، يشخص كيب دول الخليج الفارسي كنقطة الضعف في الوضع الراهن. وسوف يتسبب اتفاق نووي نهائي بين إيران والقوى العظمى في إلحاق الضرر بتلك الدول بشكل كبير.
دول شمال أفريقيا تبدو أكثر استقرارًا. في الجزائر الذكرى المرة للحرب الأهلية ماتزال تقف أمام دعوات التغيير، ومستودعات النفط المعروفة لدى الدولة تساعد أيضًا على استقرار الحكم. المغرب تتمتع بازدهار اقتصادي كنتيجة للأزمة المستمرة في أوربا، والتي أدت إلى نقل المصانع جنوبا للاستفادة من القوة البشرية المثقفة نسبيا والرخيصة بالمغرب.
ليبيا تواجه مشكلة دامية، تلقي بتبعاتها على جميع الاتجاهات. لكن ربما انعدام الأمن هذا يمكن ان يساعد تحديدا النظام العسكري في مصر الجارة على تعزيز وضعه. يعتقد كيبل أنَّ التهديد الإرهابي شرق ليبيا من شأنه أن يستخدمه السيسي كتبرير لتدخل عسكري في الدولة وبذلك يرسخ وضعه كلاعب محوري في المنطقة.
في مصر نفسها، الإخوان المسلمون مهروسون. قيادتهم في السجن أو في المنفى وهناك عداء شديد تجاههم بين السكان. لكن ُيذكر كيبل أن الجماعة صمدت في أزمات مشابهة، خاصة وأن تمركز الإخوان في السجن يمكن أن يساعدهم في إعادة التنظيم، وتجديد قيادتهم وتحديث أفكارهم. صحيح أن النظام العسكري نفسه نجح في إظهار نوع من القانون والنظام، لكنه لم يتمكن من قمع الإرهاب في سيناء، والأهم، أنه يقوم على مساعدات اقتصادية معروفة من 15 إلى 20 مليار دولار في العام، من السعودية، والإمارات، مساعدات ﻻ يمكن أن تستمر إلى الأبد.
السيسي نفسه يحظى بشعبية كبيرة، لكنه مضطر لأن يقدم إيصالات. يقول كيبل.”إن تفوز في الانتخابات وأنت داخل النظام في مصر هذا هو الجزء السهل.. وماذا بالنسبة للشباب الذين قادوا الثورة من البداية؟ الآن الجيل الصغير يهرب من السياسة، لأن ثمن مشاركته فادح للغاية” ويضيف” الكثيرون منهم توجهوا للكتابة، للموسيقى، والسينما، لكن إذا ما كانوا قد هُزموا، فإنهم لم يموتوا” ويوضح الباحث بلهجة متفائلة” البذور ﻻ تزال هناك، ولم نرى النهاية بعد”

قد يعجبك ايضا