العنصرية الإسرائيلية بأوضح صورها.. “دولة شبه ديمقراطية لليهود ويهودية للعرب”
حصادنيوز – منذ قامت على أنقاض الشعب الفلسطيني في 1948، عرّفت إسرائيل نفسها رسمياً كدولة يهودية وديموقراطية، لكنها فعلياً انتهجت التمييز العنصري بحق المواطنين العرب الفلسطينيين فيها بشكل مقنّع، وفي السنوات الأخيرة بشكل سافر.
هذه الحالة التي تميّز بين أنواع من المواطنين وفق سلّم أولويات عنصري (يهود غربيون، يهود شرقيون،عرب.. الخ) دفعت النائب في برلمان إسرائيل (الكنيست) أحمد الطيبي، رئيس “الحركة العربية للتغيير” للقول، ذات مرة، بلغة ساخرة إن “إسرائيل دولة ديموقرطية تجاه اليهود، ويهودية تجاه العرب”.
وفي السنوات الأخيرة، تشتدّ مسيرة تضييق مساحة الحقوق الليبرالية حتى على اليهود، وبلغت ذروتها في العام المنصرم 2023، عندما بدأت حكومة الاحتلال، برئاسة نتنياهو، بما يعرف بـ “الانقلاب القضائي”، الذي أدخلَ إسرائيل في سجال خطير غير مسبوق فاقمَ الاختلافات والخلافات على أنواعها، وأظهر فشل ما يعرف بـ “بوتقة الصهر”.
ويسدد الفلسطينيون، على طرفي الخط الأخضر، ثمن تحوّل إسرائيل من دولة محتلة إلى دولة فاشية عنصرية، معادية للأقليات على أنواعها، قومجية، وظلامية من الناحية الاجتماعية أيضاً، مثلما تتعزز هويتها الدينية المتزمتة. ويدفع هذا التحوّل العميق الخطير في جوهر الدولة اليهودية، التي يشارك في حكومتها وزراء مدانون بالإرهاب، أوساطاً يهودية ليبرالية للهجرة بشكل غير مسبوق، وفق معطيات إسرائيلية رسمية، ومنها، على سبيل المثال، هجرة سبعة من كبار أساتذة الرياضيات في الجامعة العبرية في القدس دفعة واحدة، قبل شهور.
“الجيش الأكثر أخلاقية”
لطالما كان ساسة الدولة اليهودية يفاخرون بأن جيشها هو الأكثر أخلاقية في العالم، لكن حرب التدمير والتهجير المتوحشة على غزة تفضح الحقائق، كما يشهد العالم الآن في شمال القطاع من ترويع وتجويع وقتل المدنيين بالجملة يومياً، وهذه المذبحة المستمرة في القطاع لم تشهدها البشرية منذ الحرب العالمية الثانية. ويكتفي العالم الرسمي حتى الآن بالصمت أو بالثرثرة، ويساهم في تطبيع شرع الغابة الجديد.
وتواصل دول الغرب اللجوء للكذب والنفاق، ففي الأمس اتخذ الاتحاد الأوروبي قراراً بتعميق الحصار على إيران لضربها صواريخ على إسرائيل لم تقتل شخصاً واحداً، بينما تصم آذانها وعيونها عن قتل وجرح القوات الإسرائيلية المئات في فلسطين ولبنان يومياً.
وتسلط صحيفة “نيويورك تايمز”، اليوم، على وجه جديد من بشاعة انتهاكات جيش الاحتلال، الذي طالما فاخر بأنه الأكثر أخلاقية في العالم، بتحقيق عن استخدام المدنيين الغزيين دروعاً بشرية. طبقاً لهذا التحقيق، تقوم قوات الاحتلال الإسرائيلية باستخدام مدنيين فلسطينيين في قطاع غزة لفحص أنفاق ومبانٍ في غزة.
المدنيون دروع بشرية
ضمن التحقيق الصحفي يقول الفتى محمد شبير من خان يونس (17 عاماً) في إفادته: “اعتقلني الجيش الإسرائيلي في آذار، وفي الأيام العشرة الأولى من الاعتقال أجبروني على التحرك مقيداً بين خرائب مدينتي خان يونس بحثاً عن ألغام. أرسلوني كالكلب لداخل البيوت المتهدمة؛ لقمة مدفع”.
رغم بشاعة وخطورة ما تعرّضَ له الفتى محمد بشير، فإنه يبقى “محظوظاً”، مقارنة مع ما تعرّضَ له آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين يتعرّضَون للضرب والتجويع والقتل على أنواعه. وحسب تحقيق نشرته “هآرتس”، قبل شهور، فقد قتل نحو أربعين من الأسرى الغزيين داخل السجون، خاصة في منشأة ساديه تيمان في النقب، غوانتنامو الإسرائيلي.
أما اليوم، فتكشف الصحيفة عن تعرّض محقّقين من الشرطة العسكرية للضرب من قبل جنود وحراس في ساديه تيمان، بعدما جاؤوا للتحقيق بجريمة التعذيب والتنكيل والقتل التي تعرّض لها الأسرى الذين يضربون ويحرمون من الغذاء والدواء، ويضطرون للتبوّل في ثيابهم، ويبقون مقيّدين على الدوام (ومعصوبي العينين معظم ساعات اليوم) وغيره من الانتهاكات البربرية.
ملاحقة الصحافيين
لكن هذه الانتهاكات البشعة الفظة لا تقتصر على الجيش وعلى أوقات الحروب، بل يمارسها أيضاً مختلف أذرع الدولة اليهودية، خاصة شرطة الاحتلال، التي باتت تحت قيادة إيتمار بن غفير وتدير حملات سافرة على الفلسطينيين في طرفي الخط الأخضر.
قبل أيام، أقدم بن غفير نفسه على أمر اعتقال مربية فلسطينية من مدينة طمرة، ونشر صورها وهي موثقة اليدين ومعصوبة العينين. وخلال اعتقالها لثلاثة أيام، تعرّضت للتنكيل، قبل الإفراج عنها بعدما تبيّن كذب التهمة الموجهة لها بأنها نشرت شريط فيديو، قبل عام، وهي ترقص تزامناً مع السابع من أكتوبر، ليتضح لاحقاً أن الرقص هو جزء من عملها الإرشادي في المدرسة.
وهكذا تضيق الدائرة على العمل الصحفي بعدما قتلت الصحفية شيرين أبو عاقلة، وإغلاق مكاتب “الجزيرة” في كل البلاد، تواصل سلطات الاحتلال مسلسل ملاحقة الصحفيين، وفي آخر حلقة منه اعتقال صحفيين مقدسيين يعملان لصالح القناة التركية بالعربية بدون سبب.وفيما تجاهل معظم وسائل الإعلام العبرية اعتقال الصحفيين دون سبب، تكرّس صحيفة “هآرتس”، اليوم الثلاثاء، افتتاحيتها لهذه المسألة تحت عنوان “كفّوا عن ملاحقة الصحفيين”.
وتنبّه “هآرتس” إلى أن المساس بالصحفي هو مساس بكل الصحفيين، لأن الاعتقال هو محاولة تهديد وترهيب، ودفع نحو رقابة ذاتية، ومساس بالجمهور، داعيةً الحكومة لوقف تجريم مهنة الصحافة، والشرطة لوقف ملاحقة الصحفيين.
جثمان الأسير وليد دقة
يذكر الكاتب والمخرج الإسرائيلي كوبي نيف أن إسرائيل ما زالت تحتجز جثامين فلسطينية كثيرة، منها جثمان الأسير الراحل وليد دقة، من بلدة باقة الغربية داخل أراضي 48، ويشدد على عدم وجود أي مبرر لذلك، معتبراً أنه لم يبق من الصهيونية سوى الشر.
ويذكر أن الأسير وليد دقة كاتبٌ حُكم عليه بالمؤبد، عام 1987، بعدما أدين بمساعدة خلية لـ “فتح” بخطف وقتل جندي إسرائيلي، في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، ورفضت السلطات الإسرائيلية إخلاء سبيله، قبل ثلاث سنوات، رغم انتهاء مدة محكوميته، وهي تحتجز جثمانه بعدما رحل قبل شهور بعدما تدهور صحته منذ أعوام جراء المرض.
وهذه الانتهاكات مجرد أمثلة، ولا نقول المخفي فيها أعظم، لأن إسرائيل اليوم تشهد عنصرية واعتداءات على الفلسطينيين بشكل مباشر دون مساحيق ميك أب، وفي جنوب الخليل تتم غزونة الضفة الغربية، بالقتل والطرد والتدمير والتهجير للفلاحين الفلسطينيين.
القدس العربي