“صفقة على شفير الانهيار” تفضح الغايات الخطيرة للاحتلال.. وإسرائيليون يهاجمون بلينكن: عانق نتنياهو فاستبعد “حماس”

21

 

حصادنيوز- تبدو مكالمة بايدن وهاريس مع رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، الليلة الفائتة، محاولة يائسة لإنقاذ مساعي الصفقة، إذ طالباه بإبداء ليونة في موقفه المتعنّت المتمسّك باحتلال محور صلاح الدين (فيلادلفيا) من أجل شقّ الطريق أمام قمة جديدة قد تلتئم في القاهرة غداً أو بعد غد.

ويبدو أن المكالمة الهاتفية جزءٌ من علاقات عامة أمريكية تمثّلت بزيارة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن للمنطقة، التي جاءت رسمياً وعلانيةً لإتمام صفقة جديدة، وفي الواقع كانت تهدف لتحقيق غايات تكتيكية أخرى، منها  شراء هدوء لتمرير مؤتمر الحزب الديموقراطي بدون احتجاجات واسعة على استمرار الحرب المتوحشة على غزة، وكسب الوقت، ومحاولة تبريد إيران و”حزب الله”، وإرجاء ضربتهما الثأرية المرتقبة.

جاء بلينكن للمنطقة للمرة العاشرة منذ اندلاع الحرب على غزة، وسبقته تهديدات أمريكية بفضح هوية من يعطّل الصفقة، ولكنه تبنّى موقف إسرائيل، واتهم “حماس”، والأخطر أنه تبنّى رواية نتنياهو لدرجة استفزّت حتى بعض الجهات الرسمية في إسرائيل ذاتها، وهي ترى أنه “جاء ليكحّلها فعماها”، بعدما عانق نتنياهو فأبعد “حماس”، كما جاء في تصريحات على لسان مصادر في طاقم المفاوضات نقلتها صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم الخميس، التي عنونت صفحتها الأولى بـ “صفقة على شفير الانهيار”.

وهذا يتكاتب مع تصريحات وتسريبات إسرائيلية كثيرة تؤكد رفض نتنياهو للصفقة، آخرها ما قالته مندوبة عن عائلات المخطوفين، أمس الأول، بأن رئيس الموساد قد أخبرها شخصياً بعدم إمكانية إتمام صفقة في ظل حكومة نتنياهو.

في عنوان صارخ بالأحمر، تقول “يديعوت أحرونوت” إن إسرائيل لم تستعد المخطوفين، ولكن ليس فحسب، بل فقدت الشمال، فـ “حزب الله” يوسّع ويصعّد القصف، ويطال الجولان، وينزل سكان مدينة/ مستوطنة كاتسرين للملاجئ”.

أسرى العيار الثقيل

يذكر هنا أن “حماس” قد وافقت، في الثاني من تموز الماضي، على صيغة أمريكية أعلنها الرئيس بايدن، في 27 مايو/أيار الماضي، وهي صيغة إسرائيلية في أصلها وتمّ تعديلها ببعض النقاط، بيد أن نتنياهو عاد وأدخل بنوداً وشروطاً جديدة، منها السيطرة على محوري فيلادلفيا ونيتساريم، و”فيتو” على عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين المرشّحين لإطلاق سراحهم وغيره.

من بين هذه الأوساط ضابط استخبارات سابق في السجون الإسرائيلية، قال، أمس، إن نتنياهو يُفشِل الصفقة لأنه لا يريد دفع ثمنها، خاصة إطلاق الأسرى الفلسطينيين من “العيار الثقيل”.

هذا الواقع دَفَعَ أوساطاً إسرائيلية غير قليلة في الفترة الأخيرة لاتهام نتنياهو بأنه يضع العصي في دواليب مساعي الصفقة، وقال بعضها إنه يدخل “عنزات سوداء” لغرفة المفاوضات بغية تفجيرها.

المفارقة أنه مقابل الموقف الأمريكي المختل والمتناقض والملتبس منذ اندلاع النار الحالية هناك أوساطٌ إسرائيلية في الرأي العام تتهم نتنياهو بشكل مباشر بالتلميح والتصريح والتسريب بخلط الحسابات والمثابرة على استبعاد الصفقة والسعي لمواصلة الحرب، وهذا ما دفع المعلق السياسي الذي يغرّد عادة خارج السرب الإسرائيلي جدعون ليفي لمهاجمة الإدارة الأمريكية، في مقال بعنوان “خيانة بايدن” تنشره صحيفة “هآرتس” اليوم.

 غارقون في وحل غزة

 ويحذّر الجنرال في الاحتياط يتسحاق بريك من تبعات رفض الصفقة ومواصلة “حرب فاشلة خاسرة على غزة”، ويقول، في مقال تنشره صحيفة “هآرتس” اليوم، إن غالانت أيضاً بات يفهم الآن أن الحرب فقدت جدواها، ونحن غارقون في وحل غزة.

ويمضي بريك، المعروف بـ “نبي الغضب”، في سحب البساط من تحت رواية إسرائيل الرسمية بلغة لا تخلو من السخرية: “بعدما كان غالانت يطلق تصريحات بلا رصيد، فبعد احتلال مدينة غزة قال إننا نسيطر بالكامل عليها وعلى أنفاقها، وخلال وقت قصير ستستسلم “حماس”. وبعد احتلال خان يونس قال إن السنوار فقدَ سيطرته على جيشه، ويهرب في الأنفاق، وخلال أيام سنلقي القبض عليه. بتصريحاته هذه ذرَّ الرماد في عيون الجمهور هو وزميلاه هليفي ونتنياهو. الصفقة مصلحة كبيرة جداً لإسرائيل تنجيها من حرب استنزاف مكلفة في غزة، ومن حرب إقليمية هي غير مستعدة لها، فجيشها مرهق، واقتصادها مستنزف، وبدون غطاء من الشرعية الدولية”.

وتبعه المحلل العسكري في “هآرتس” عاموس هارئيل، الذي ينبّه لخطر اندلاع حرب أكبر، فيقول إن انهيار مفاوضات الصفقة يقرّب ضربة “حزب الله” وإيران من الهجمة الانتقامية، لافتاً إلى أن الأمريكيين بنوا آمالاً على قمة الدوحة، والآن إيران و”حزب الله” سيحاولان تنفيذ الضربة الانتقامية، خاصة أن بلينكن غادر المنطقة”.

 لا طريق نحو الخارج

وعن الصفقة العالقة، والحرب اللاحقة على ما يبدو، يوضح محرر شؤون الشرق الأوسط في الصحيفة تسفي بار إيل أن مصر تواصل مساعيها لتأمين القمة المقررة في القاهرة، ولكن عقب تصريحات نتنياهو عن سيطرة إسرائيل على فيلادلفيا من المشكوك به أن يبقى ما يمكن التفاوض حوله. منوهاً أن مصر تصرّ على إدارة السلطة الفلسطينية الجانبَ الفلسطيني من معبر رفح، لكن إسرائيل ترفض، مثلما ترفض دخول عباس للقطاع. وينبّه إلى أن أمريكا تصمت رغم أنها اقترحت، في نوفمبر الماضي، هذا الخيار.

ويتابع، متفقاً مع الجهات الإسرائيلية التي تهاجم نتنياهو وتحمّله المسؤولية الأساس في ما يحدث: “كل تسوية واسعة في القطاع تتعلق باستعداد “حماس” للموافقة على تحرير رهائن. للوهلة الأولى فإن الرهائن هم الرافعة العظيمة الوحيدة بيد السنوار، لكن هذه تتعلق باستعداد نتنياهو لتحريرهم. ربما لا يملك السنوار خطة للخروج من الحرب إذن، وكذلك نتنياهو، وقمة القاهرة لن يخرج منها جدوى على ما يبدو”.

غزة للأبد… الاحتلال والاستيطان بالخطوة خطوة

لكن محرّر “هآرتس” الكاتب ألوف بن يذهب إلى ما هو أوضح وأخطر في مقاله اليوم، فيقول إن الخطاب العام في إسرائيل صحيح أنه يتركز في المخطوفين ومصيرهم، لكن بعينيّ نتنياهو هم مصدر إزعاج، ووسيلة بيد خصومه السياسيين، وصرف نظر عن الهدف الحقيقي للحرب: احتلال طويل للقطاع، أو كما قال مرة تلو المرة: سيطرة أمنية إسرائيلية. السيطرة على فيلادلفيا ونتساريم تقود عملياً لصياغة نظام طويل الأمد لليوم التالي: السيطرة على شمال غزة، وتهجير 300 ألف من سكانها المتبقّين فيه، واليمين المتطرف يطمع ببناء مستوطنات هناك. ويؤكد ألوف بن أنه، من تجربة 57 سنة احتلال، فإن الحديث يجري عن مسيرة طويلة تحتاج صبراً وقدرة على المناورة الدبلوماسية.

ويتابع في فضح مآرب نتنياهو: “لن يقيموا مدينة في غزة غداً أو بعد غد، بل ينهبون دونماً بعد دونم، ويبنون كروانات، ونقطة استيطانية واحدة بعد الأخرى، كما فعلوا في الخليل وألون موريه وحفات غلعاد. احتلال القطاع هو حلم نتنياهو حتى بثمن موت المخطوفين، والمغامرة بحرب إقليمية. هذا هو هدف الحرب”.

 أهداف نتنياهو الخطيرة

يؤكد المؤرخ الإسرائيلي آدم راز، في كتابه الجديد “الطريق للسابع من أكتوبر” أن نتنياهو زرعَ الريح وحصد العاصفة على شكل “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر نتيجة إستراتيجية إضعاف السلطة الفلسطينية والرئيس عباس، مقابل صرف النظر عن حركة “حماس”، وذلك بهدف تكريس الانقسام الجيوسياسي بين القطاع والضفة، وبالتالي استبعاد احتمالية تسوية الدولتين.

وضمن استخلاصاته المبنية على قراءة خاصة، وبالاعتماد على مقابلات مع مسؤولين إسرائيليين سابقين، يقول راز :”المشكلة ليست عدم وجود شريك فلسطيني، بالعكس تماماً، فقد قمَعَ نتنياهو كلّ محاولة تسوية للصراع، وكل محاولة دبلوماسية، وحاربَ الاعتدال في الجانب الفلسطيني، حفّزَ الخوف والكراهية العمياء والعداوة بين الشعبين عمداً، بل عملَ على تشويه المجتمع الفلسطيني من أجل إبقاء دائرة الدم والعنف وجعل الصراع غير قابل للحل. عندما يقول نتنياهو: لا يوجد شريك فلسطيني، فإنه يقصد القول”.

ويضاف لكل ذلك أن نتنياهو يستفيد من شهوة الانتقام والخوف والحقد في الشارع الإسرائيلي، مثلما يستفيد من ضعف المعارضة، ومن عدم وجود قائد قوي يتحداه، من أجل مواصلة التعنّت والحرب المتوحشة، بل توسيعها، ويبدو أنه يدفع لاستدراج أمريكا لمجابهة عسكرية مع إيران ليفوز بـ “رأس كليب”، ويبقى في ذاكرة التاريخ وسدّة الحكم، وإن كان المؤرخ راز، في كتابه، يزعم عكس ذلك بقوله إن نتنياهو معنيٌّ بوجود إيران نووية من أجل تعقيد الصراع مع الفلسطينيين وعدم تسويته.

قد يعجبك ايضا