أسير من غزة كابد “جحيم سدي تيمان”: الطبيب خيرني بين رجلي وحياتي
** الفلسطيني سفيان أبو صلاح (أب لـ4 أبناء) لمنظمة حقوقية إسرائيلية:
– الجيش الإسرائيلي اعتقلني مع عشرات الفلسطينيين من مدرسة بخان يونس نزحنا إليها وكنت حينها في صحة جيدة
– طوال اليوم كنت مربوط الأيدي والأرجل على الحصى، وعانيت من الضرب والشتائم وقلة الطعام والنوم
– أحسست بألم في رجلي ولاحظت أنها متورمة. طلبت فحصها دون استجابة.. طوال أسبوع كنت أعاني أوجاعا شديدة وحرارة مرتفعة
حصادنيوز – ربطوا يدي وعصبوا عيني وأطلقوا سراحي وأمروني أن أذهب وحدي دون عكازات أو كرسي متحرك فقفزت ثم وقعت أرضا ورحت أصرخ
في 14 فبراير/ شباط الماضي، اعتقل الجيش الإسرائيلي الفلسطيني سفيان أبو صلاح (42 عاما)، وهو من محافظة خان يونس جنوبي قطاع غزة وأب لـ4 أبناء من مدرسة وهو بصحة جيدة، لكنه خرج من معتقل “سدي تيمان” سيئ السمعة فاقدا أحد أعضاء جسده.
حتى اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كان أبو صلاح يعمل سائق سيارة أجرة، واليوم يقيم في خيمة بمنطقة الفخاري بخان يونس قرب المستشفى الأوروبي.
وردت شهادة أبو صلاح عن ظروفه اعتقاله في “سدي تيمان” سيئ السمعة جنوب إسرائيل، ضمن تقرير مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم)، وحمل اسم “أهلا بكم في جهنم” ووصلت الأناضول نسخة منه.
بعيد اندلاع الحرب، تنقل أبو صلاح وعائلته إلى مواقع عدة، قبل أن يستقر في مدرسة “هارون الرشيد” بحي الأمل غربي مدينة خان يونس.
مأساته بدأت باعتقاله وعشرات الفلسطينيين الآخرين من مدرسة نزحوا إليها، ولكنها ازدادت فظاعة بعد وصوله إلى معتقل “سدي تيمان” التابع للجيش، والذي تنظر المحكمة العليا في التماس قدمته 5 منظمات حقوقية إسرائيلية منذ مايو/ أيار الماضي لإغلاقه جراء تعذيب واعتداء جنسي بحق معتقلين.
وقال أبو صلاح: “نقلونا إلى شاحنة وربطوا أيدينا إلى الخلف، ثم أخذونا إلى مركز للتحقيقات في إسرائيل. أحسست بالوهن وفقدت القدرة على الإحساس برجلي، لكني لم أتحرك لكيلا يضربونني. أخذونا إلى مكان آخر، حيث أمرونا بخلع ملابسنا وأعطونا ملابس أسرى لنرتديها”.
وأضاف: “في أول أيام الاعتقال كنا طوال اليوم مربوطي الأيدي والأرجل على الحصى. في الليل غفوت ساعتين فقط. أخذ الجنود بياناتنا الشخصية وأجروا لي مسحا للعين، ثم أعطوني رقما وأخذوني إلى طبيب لإجراء فحوصات”.
وتابع: “كان الجنود يتهكمون علينا ويتضاحكون. سألني الطبيب ما إذا كنت أعاني من أي مرض، وقلت له لا أعاني من أي مرض”.
لكن بعد يومين لم يكن هكذا هو الحال.
** أوجاع شديدة
أبو صلاح قال: “بعد يومين أحسست بألم في رجلي ولاحظت أنها متورمة قليلا. طلبت من السجان أن يأتي بمَن يفحص لي رجلي. جاءت جندية وصورت رجلي مرتين لتريها للطبيب. لكن دون استجابة”.
وأردف: “طوال أسبوع كنت أعاني أوجاعا شديدة وحرارة مرتفعة. أخذني الجنود بحافلة صغيرة إلى مستشفى داخل مركز التحقيق، وطوال الطريق كانوا يضربونني بالهراوات وبأسلحتهم على رجلي المصابة، وداسوا على رجلي. كنت أصرخ من شدة الألم”.
وزاد: “سألني الجندي: أي من رجليك هي المصابة؟ ثم انهال عليها يضربها بقوة. حتى وهم يُنزلونني من الحافلة الصغيرة واصلوا ضربي على رجلي ورأسي”.
واستطرد: “أخذ القيح يخرج من الجرح. فوق هذا كله كانوا يشتمونني: سأفعل كذا وكذا بأمك وبأختك وبزوجتك.. ويلعن كرامتك يا ابن (…)”.
واستطرد: “عندما وصلنا انتظرت الطبيب ساعتين تقريبا وأنا على الأرض مربوط اليدين والرجلين ومعصوب العينين. ثم أجلسوني على سرير وخلعوا عني الملابس ولا أزال مربوط اليدين والرجلين ومعصوب العينين”.
وقال: “غبت عن الوعي. ولم أشعر بأنهم فحصوني. عندما عاد لي وعيي قال لي أحدهم: أجرينا لك عملية جراحية. كانت عيناي لا تزالا معصوبتين. لم أعرف ما إذا كان الذي كلمني طبيبا أو جنديا”.
وتابع: “لم يخبروني بأي تفاصيل عن العملية. سألتهم عن وضع رجلي فقالوا إنها بخير. أعطوني مسكنات في الوريد وأجروا لي فحص سكر. بعد 3 أيام أجروا لي عملية أخرى قالوا إنها لتنظيف وتعقيم الرجل”.
وأضاف: “عانيت آلاما شديدة وكنت جائعا جدا، لكن لم أستطع قول أي شيء. بقيت هناك عشرة أيام تقريبا ولم يفعلوا خلالها سوى تغيير الضماد. عندما رفعت عصابة العينين ونظرت رأيت عظاما وضمادا”.
وأردف: “بعدها أخذوني مقيد اليدين ومعصوب العينين. أدخلني جنود إلى سيارة إسعاف وظلوا يضربونني على رجلي المصابة طوال الطريق. تألمت جدا، ولكن لم أصرخ لأن من صرخ نال مزيدا من الضرب”.
** أصعب قرار
“عندما وصلت إلى مستشفى (…) جاء طبيب مختص بالأوعية الدموية وقال لي: يجب أن نقطع رجلك ونستشير طبيبا مختصا بالعظام. كان الجنود يتضاحكون ويتهكمون عليّ: اقطعوا له رجله”، وفق أبو صلاح.
وزاد: “كان جسمي مغطى لأننا في مستشفى مدني. كان الجنود متواجدين في الغرفة لدى كل فحص أو تصوير أشعة، وحتى أثناء إجراء العملية الجراحية، وقالوا إنني مخرب”.
وأضاف: “عندما جاء طبيب العظام وفحصني قال لي: عليك أن تختار: رجلك أو حياتك. كان ذلك أصعب قرار اتخذته في حياتي. أن أختار وأقرر قطع رجلي. كنت مصدوما، خاصة وأنني وحيد ولا أحد بجانبي من أفراد الأسرة لكي أستشيره”.
وتابع: “فهمت من الجنود أن العملية ستستغرق 5 ساعات. أدخلوني إلى غرفة العمليات مربوط اليدين ومعصوب العينين. كان ذلك في 19 أو 20 مارس. لا أتذكر شيئا بعد ذلك حتى استيقظت وطلبت أن أشرب ماء. جلبوا لي ماء ثم أخذوني بسيارة إسعاف مع أكسجين ووحدات دم إلى المستشفى العسكري. أظن أنه سدي تيمان مركز الاعتقال في النقب”.
وتابع: “عندما وصلت إلى المستشفى أجروا حقنا في الوريد وغيروا لي الحفاض. بقيت رجلي ملفوفة بالضمادة نفسها 5 أيام. بعدها أعادوني إلى مركز الاعتقال. هناك، كنت أسمع الكلاب تنبح طوال الوقت بقصد إزعاجنا ومضايقتنا. لم يفحصني أحد في المعتقل. عاقبني الجنود مرتين لأنني طلبت أن أنام. قالوا إنه ممنوع، وكان عقابي أن أقف على رجل واحدة نصف ساعة”.
وأردف: “بعد العملية كنت أعاني آلاما شديدة. طلبت مسكنات لكنهم لم يجلبوها لي. كان الأكل قليلا جدا. 3 قطع صغيرة من الخبز وخيارة وتفاحة. كان الجنود يحملونني إلى الحمام وأحيانا كنت أقع من أيديهم على الأرض، وأعتقد أنهم كانوا يتعمدون ذلك”.
** إنسان محطم
وفي 15 أبريل/ نيسان الماضي، تم إطلاق سراح أبو صلاح وقال عن ذلك: “كانت الساعة 2:00 بعد منتصف الليل. ربطوا يدي وعصبوا عيني وأمروني بأن أذهب وحدي، دون عكازات أو كرسي متحرك. أخذت أقفز. قفزت أربع مرات ووقعت أرضا، وعندئذ رحت أصرخ”.
وأضاف: “أدخلني الجنود إلى سيارة إسعاف، وبعد وقت وجدت نفسي في معبر كرم أبو سالم. كان في المعبر موظفون من مكتب الأمم المتحدة. أخذوني إلى مستشفى أبو يوسف النجار حيث أُجريت لي فحوصات، وبعد شهر تقريبا فكوا القطب”.
وتابع: “وضعي النفسي صعب. أنا إنسان محطم. أبكي على نفسي وعلى ما جرى لي. فقدتُ إحدى رجلي دون أي سبب. لم أكن أعاني أي مرض. حدث ذلك فقط بسبب الإهمال الطبي في مركز الاعتقال. أنا الآن لا أستطيع أن أعمل. عالق داخل الخيمة طوال اليوم”.
وحسب القناة “12” الخاصة، الأربعاء، تداول إعلام عبري فيديو مسربا يوثق واقعة اعتداء جنود إسرائيليين جنسيا على أسير فلسطيني من غزة في سدي تيمان.
وفي 29 يوليو/ تموز الماضي، أثيرت ضجة كبيرة في إسرائيل بعد وصول عناصر من النيابة العسكرية إلى المعتقل للتحقيق مع 9 جنود اعتدوا جنسيا على أسير فلسطيني، وتم لاحقا إطلاق سراح 5 منهم.
وما زالت النيابة العسكرية الإسرائيلية تحقق مع الجنود المشتبه فيهم، ولكن دون توجيه لائحة اتهام ضد أي منهم.
ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، تحدثت منظمات حقوقية إسرائيلية وفلسطينية ودولية عن تردي الأوضاع في السجون الإسرائيلية، ولا سيما في “سدي تيمان”.
واعتقل الجيش الإسرائيلي، منذ أن بدأ عمليته البرية بغزة في 27 أكتوبر الماضي، آلاف المدنيين الفلسطينيين، بينهم نساء وأطفال وعاملون في الطواقم الصحية والدفاع المدني.
وخلال الشهور الماضية، أطلق الجيش سراح عشرات المعتقلين الفلسطينيين من غزة على دفعات متباعدة، ومعظمهم عانوا من تدهور في أوضاعهم الصحية، وحملت أجسادهم آثار تعذيب وإهمال طبي.