عبد الباري عطوان لهذه الأسباب طرد الأردن السفير السوري

31

71299_1_1401140879

حصاد نيوز كتب الكاتب الصحفي عبد الباري عطوان مساء الاثنين، مقالاً تحدث فيه عن توقيت طرد السفير السوري من الأردن وهو العنصر الأكثر إثارة للجدل في القرار.
ويرى عطوان في مقاله إن قرار طرد السفير بهجت سليمان يتزامن مع مناورات الأسد المتأهب السنوية، وإعلانات المعارضة عن قرب تدفق الأسلحة لها، والحديث عن ‘تسخين’ الجبهة السورية الجنوبية من جهة الأردن ورفض ‘أصدقاء سوريا’ – ومنهم الأردن – لانتخابات الرئاسة السورية، فضلاً عن تلميح هذه المنظومة لإحباط الانتخابات ولو بتدخل عسكري.
وفيما يلي نص المقال الذي كتبه عطوان بموقع ‘رأي اليوم’ الذي يملكه:
لا نعرف من طفح كيله اولا قبل الآخر، سورية ام الاردن، نسأل هذا السؤال ونحن نتابع التصعيد المفاجيء الدائر حاليا بين الطرفين وانعكس على شكل تبادل طرد السفراء بين البلدين بطريقة تنبيء بخطوات اكبر في المستقبل القريب، وتكشف عن احتقان وصل فيما يبدو درجة الانفجار.
السفير السوري في عمان بهجت سلمان لم يتوقف مطلقا عن انتقاد بعض السياسات الاردنية بصوت عال جدا، والقيام بزيارات الى شخصيات اردنية، او دعوتها الى اجتماعات على العشاء في بيته الذي تحول الى شبه منتدى يومي او اسبوعي يلتقي في صالوناته المؤيدين لنظرية ‘المؤامرة” التي تتعرض لها سورية، ويرون فيها حربا لتمزيق البلاد جغرافيا وديمغرافيا واسقاط النظام القائم، ويعلنون دعمهم بكل قوة للنظام في مواجهتها، ويجاهرون علنا في الوقوف في خندقه.
لا يخامرنا ادنى شك بان السفير سليمان خرج عن الاعراف الدبلوماسية المتبعة بتعرضه بشكل علني لسياسات الدولة المضيفة نقدا وهجوما وتهديدا، ولكن اسمحوا لنا ان نكون كمحامي الشيطان، ونقول ان الاردن يتدخل ايضا، وبطرق اكثر قسوة في الشؤون الداخلية السورية سواء من خلال تسهيل دخول المقاتلين او الاسلحة، او من خلال فتح قواعده العسكرية لتدريب قوات المعارضة السورية وباشراف امريكي.
فليس من قبيل الصدفة ان يأتي طرد السفير السوري من عمان، وامهاله 24 ساعة فقد للمغادرة، متزامنا مع بدء مناورات ‘الاسد المتأهب” العسكرية التي تجري حاليا قرب الحدود السورية الجنوبية وتستمر حتى الثامن من الشهر المقبل، وتشارك فيها قوات من 19 دولة ابرزها امريكا وتركيا، والمملكة العربية السعودية، وقطر، واستراليا، والعراق، وبلجيكا، وبروناي، والامارات، وجمهورية التشيك، وفرنسا، وبريطانيا، وايطاليا، وكندا، وكازاخستان، والكويت ولبنان ومصر، والنرويج، وباكستان وبولندا، وفيلق من قوات التدخل السريع التابعة لحلف الناتو، ونسأل بعيدا عن البراءة: لمن ‘يتأهب” هذا الاسد.
لا نعتقد انه يتأهب لمواجهة الاحتلال الاسرائيلي للاراضي المحتلة، ولا نعتقد ان هذه المناورات لها علاقة بايران التي وقعت معها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، المشاركة في هذه المناورات، اتفاقا نوويا ادى الى تخفيف الحصار عنها، اي ايران، وفك التجميد المفروض على ملياراتها في البنوك الغربية.
توقيت اتخاذ عملية الطرد هذه ينطوي على معان خطيرة جدا لا يستطيع المرء تجاهلها بسهولة ويمكن ايجازها في النقاط التالية قبل استخلاص النتائج المتوقعة:
*اولا: اعلن السيد احمد الجربا رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض يوم الاحد ان تدفق الاسلحة الامريكية والعربية النوعية الى الفصائل المسلحة التي تقاتل لاسقاط النظام في سورية سيبدأ في غضون ثلاثة اسابيع وبهدف تغيير الموازين في ميادين القتال لصالح المعارضة.
*ثانيا: تتزايد التوقعات حول قرب ‘تسخين” الجبهة الجنوبية السورية المحاذية للاردن وتفعيلها بحيث تكون منطلقا وارضية للهجوم على دمشق (تبعد درعا حوالي مئة كيلومتر عن العاصمة السورية)، وتشير تقارير اخبارية الى احتمالات مشاركة قوية للاردن في عملية التسخين هذه لوجستيا على الاقل.
*ثالثا: اعلان الائتلاف الوطني السوري على لسان عضوه السيد احمد جقل ظهر اليوم عن تسمية رجل الاعمال السوري الشاب محمد مروح ممثلا له في الاردن ليحل محل السفير المطرود السيد سليمان، ولا نعتقد ان هذا التعيين جاء من قبيل الصدفة، وانما مخطط له منذ فترة طويلة وبالتنسيق مع السلطات الاردنية، وفي اطار خطة بدأت في واشنطن ولندن وباريس، والاخيرة فتحت سفارة للائتلاف فيها
*رابعا: معارضة منظومة ‘اصدقاء سورية” الشديدة للانتخابات الرئاسية السورية، واعتبارها ‘مهزلة” وقتلا للحل السياسي وقرارات مؤتمر جنيف، واعادة تأكيدها مجددا على عدم شرعية النظام السوري الحالي، ورفض اي دور له في مستقبل سورية وتلميحها الى احتمال التدخل العسكري لاحباطها، والاردن كان مشاركا في الاجتماع الاخير الذي انعقد قبل اسبوع في لندن، والعاهل الاردني عبد الله الثاني زار العاصمة البريطانية في الفترة نفسها، والتقى مسؤولين بريطانيين وكان الملف السوري محور المناقشات.
نعترف بان الاردن صبر كثيرا على بعض التجاوزات ‘الاعلامية السياسية” سواء من قبل السفير او وسائل الاعلام السورية المرئية والمكتوبة، ووجه تحذيرات للسفير سليمان اكثر من مرة بسبب اقدامه على ممارسات صنفها مسؤولون اردنيون في خانة ‘الاستفزاز″ ولكن التصعيد ربما لا يكون في اعتقادنا من مصلحة الاردن الذي عمل دائما على التهدئة، وكظم الغيظ، وعدم الانجرار بالتالي الى معارك سياسية او دبلوماسية، وربما لا نبالغ اذا قلنا ان اي تصعيد من جانبه (الاردن) قد لا يكون في صالحه.
نشرح اكثر ونقول ان النظام السوري كان دائما مصدر تهديد امني للاردن، ولذلك لجأت القيادة الاردنية على مر العقود الماضية لاخذ هذا التهديد بمجمل الجد، وعمدت دائما الى معالجة التوتر في العلاقات بالصبر والحكمة وتطويقه في اسرع وقت ممكن.
اذكر مرة انني كنت على موعد مع العاهل الاردني الملك حسين بن طلال (رحمه الله) في الديوان الملكي في اوائل التسعينات، وكان يدخن بشراهة، ووجهه مليء بعلامات الغضب، فسألته بتردد شديد عن اسباب غضبه، وكان معي الزميل بسام بدارين، فقال تصور يا اخي كنت قبل وصولك على اتصال مع الرئيس السوري حافظ الاسد للاطمئنان والتواصل، وترطيب الاجواء، واكتشفت في حينها انه كان مجتمعا مع الرئيس حسني مبارك ولم يقل لي مطلقا انه اي الرئيس مبارك يجلس بجانبه ويرسل لي سلامه وتحياته مثلما تجري العادة بين الزعماء، واضاف العاهل الاردني لا افهم هذا التصرف، ولكني مضطر لمسايرتهم لتجنب اذاهم.
صحيح ان النظام السوري يمر بظروف صعبة قد يفسرها البعض بانها وضعته في حالة ضعف، فهو يحارب على كل الجبهات تقريبا، ويخوض معارك دموية طاحنة مع اكثر من الف فصيل معارض تحظى بدعم قوى اقليمية وعالمية عظمى، تنفق المليارات من الدولارات نقدا او لتمويل صفقات تسليحها ولكن الصحيح ايضا ان النمر الجريح يكون اكثر خطورة من النمر الصحيح المعافى، وليس هناك لدى النظام السوري الكثير مما يمكن ان يخسره في ظل حالته هذه.
هناك اكثر من مليون لاجيء سوري في الاردن والحدود مفتوحة على مصراعيها بين البلدين، وصفقات الاسلحة، والمقاتلين، تقطع هذه الحدود في الاتجاهين، والاردن اعلن اكثر من مرة عن ضبط شحنات اسلحة، كما قصف اكثر من مرة قوافل مهربين ومقاتلين.
من الصعب التفريق بين من هو مؤيد للنظام السوري ومن هو معارض له، واي الخلايا نائمة وايها صاحية، والعاهل الاردني قال لمحرر هذه الصحيفة ان هناك اكثر من 17 جهازا امنيا سريا في سورية لا تنسق بل ولا تعرف عن بعضها البعض.
راس مال الاردن الحقيقي هو امنه واستقراره في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيش في ظلها حاليا، وربما يكون من الحكمة الاستمرار في نهج التهدئة وتجنب التصعيد اذا كان ذلك ممكنا ومتاحا، وعدم التجاوب مع التحريض على توتير الاجواء وقطع العلاقات مع الجار السوري من قبل بعض العرب.
ندرك دائما ان الاردن ليس دولة عظمى، وانه محكوم بظروف داخلية وخارجية صعبة، يضطر في احيان كثيرة لمراعاتها، والتجاوب مع الضغوط المترتبة عليها، ولكننا ندرك ايضا ان الاندفاع غير المدروس مع هذا التجاوب قد يؤدي الى تبعات خطيرة، بل خطيرة جدا عندما يتعلق الامر بالتورط بطريقة اعمق في المستنقع الدموي السوري الحالي وفي وقت تتغير فيه موازين القوى لصالح النظام وحلفائه.

قد يعجبك ايضا