صناعة الإرهاب في الأردن
حصاد نيوز – فهد الخيطان
لم يعد تنظيم القاعدة ومشتقاته من المجموعات الإرهابية، مجرد جماعات صغيرة مسلحة ومعزولة في العالم العربي، إنما سلطة تحكم في عديد المناطق.
في العراق يثبّت التنظيم أقدامه في المناطق الغربية، ويتوسع في الوسط والشمال. وفي سورية أصبح دولة بالفعل تحكم الرقة وماحولها ويتمدد في الجنوب والغرب، ويحكم قبضته على مناطق ريفية واسعة. في اليمن يمسك تنظيم القاعدة ببعض الولايات، ويضرب في العاصمة صنعاء متى شاء. وكل محاولات اجتثاثه تبوء بالفشل. وفي لبنان يتصاعد نفوذ المتطرفين على نحو ملحوظ.
أما في مصر فماتزال المجموعات المتطرفة نشيطة وقوية في سيناء، رغم الحملات العسكرية المكثفة، وطال نفوذها محافظات أخرى في عمق مصر، ناهيك عن المجموعات العسكرية التي تنفذ عمليات قاتلة في قلب المدن الكبرى.
في دول مثل ليبيا، تتقاسم الجماعات المتشددة والمحسوبة على تنظيم القاعدة السلطة مع القبائل وقوات الحكومة الضعيفة في أكثر من اقليم، وقريبا ستصبح بقوة “داعش” في سورية والعراق. وحضور “القاعدة” ملحوظ في الجزائر وموريتانيا والصومال.
في حالات نادرة نجحت دول عربية في احتواء نفوذ المتطرفين، وربما تكون تونس المثال الوحيد، حيث تمكنت القوى السياسية والاجتماعية هناك من عزل المجموعات المسلحة، وتحويلها إلى مجرد عصابات تطاردها قوى الأمن في الجبال والمناطق البعيدة عن المدن.
لم يكن العالم العربي يواجه خطر التطرف كما حاله اليوم. ولم يكن تنظيم القاعدة يحلم أن يكون بهذا الحضور والنفوذ كما هو اليوم. والدول التي لم يفرّخ فيها التطرف تنظيمات مسلحة، ليست بمنأى عن الخطر، فماهي إلا مسألة وقت، حتى تنتقل المجموعات المتطرفة من طور العمل السلمي “الجهادي” إلى مرحلة العمل المسلح، مدفوعة بنجاحات شقيقاتها في أكثر من مكان، ومعتمدة على خبرة الآلاف من عناصرها الذين يتنقلون بين ساحات “الجهاد”.
الأردن في صدارة هذه الدول، والأدلة لاتخطئها العين؛ موقعه الجغرافي وسط دول مضطربة تنشط فيها التنظيمات الإرهابية، وانخراط المئات وربما الآلاف من الأردنيين في هذه التنظيمات، وتبوؤهم مواقع قيادية.الحضور القوي للمجموعات السلفية الجهادية في المجتمع، واتساع دائرة نفوذها؛ فهي لم تعد بؤرا معزولة، بل جماعات محصنة: تجند وتنظم، وتكسب المزيد من المؤيدين كل يوم دون رادع. بؤر التطرف في الأردن اليوم أكبر وأوسع من بؤر الفقر التي وضعت الحكومات الخطط والبرامج التنموية لاحتوائها وتلقيص مساحاتها، بينما لا تبذل أي جهد يذكر للسيطرة على مناخات التطرف وكبحها، لا بل إننا في وبعض الأحيان نشهد تواطؤا وتسامحا مع ثقافته وفكره وشخوصه.
إن نظرة معمقة للمشهد الداخلي الأردني، تظهر جانبا مخيفا من الصورة، يتمثل في ميل عام نحو التطرف واستعداد غير مسبوق من مجاميع اجتماعية للقبول بخطاب “القاعدة” وفتاواها، يقابله غياب شبه كلي لخطاب الدولة ومشروعها.
الدولة ما تزال تعتمد على المقاربة الأمنية للجم الجماعات المتطرفة. هذه المقاربة على أهميتها لم تسعف بلدانا عربية تملك أجهزة أمنية لا تقل احترافا عن أجهزتنا.
الإشكالية الجوهرية في سلوك الدولة حيال هذه المخاطر أنها تركز جهودها على صد أخطار الإرهاب والإرهابيين القادم من الخارج، وتتجاهل أن التطرف صار صناعة أردنية بامتياز في الداخل.