صقور القطاع الخاص وإدارة القطاع العام.. أين المعضلة؟
حصادنيوز-لقد جرت العادة أن يتحدث الساسة وقادة الرأي العام في الأروقة المختلفة عن هجرة القيادات والكفاءات الإدارية من القطاع العام إلى القطاع الخاص ومآلات ذلك وآثارها المترتبة على القطاعين، حيث أشبع ذلك حديثاً ونقاشاً وكتابةً وتحليلاً.
اليوم، أسلط الضوء في هذا المقال على الزاوية الاخرى حيث أحاول الوقوف على الضفة المقابلة من النهر لأبحث وأحلل تجربة قيادات وصقور القطاع الخاص في إدارة القطاع العام، حيث أجد أن التوقيت في غاية الأهمية والضرورة الحتمية لتناول هذا الجانب لعله يكون محط نقاش قادة الرأي العام ومفكري الإدارة خلال الفترة القادمة.
التساؤل الأبرز الذي يحاول المقال الإجابة عنه بين سطوره، متمثل في بحث أسباب إخفاق بعض قيادات القطاع الخاص في إدارة القطاع العام ، وما وراء ذلك من حيثيات وزوايا مظلمة لا بد من تسليط الضوء عليها وتعرية الحقائق إيجابياً من الناحية الإدارية المجردة. أيضاً لا بد هنا من الإجابة عن سؤال القدرات و المهارات “Competencies” ، فماذا عن المهارات القيادية لرجال وكفاءات القطاع الخاص؟ وهل هي كافية لسد احتياجات القطاع العام ومتطلباته أم لا؟
بطبيعة الحال في الوظائف القيادية العليا نتعدى مفهوم الإدارة المجردة باتجاه “مفهوم القيادة “Leadership” والتي تعد القدرة على استحداث رؤية واستراتيجية واضحة للمنظمة ومشاركتها مع الآخرين حتى يتم تبنيها بقناعة، بالإضافة الى تسخير الموارد اللازمة واتخاذ القرارات التي تستوجبها المرحلة وضرورياتها لإحداث التغيير الذي يعول عليها في تحقيق الرؤية والرسالة والأهداف “Vision and Mission”
واستناداً لما سبق، هل من الممكن القول أن أي شخص يمتلك مقومات ومؤهلات القيادة يمكنه النجاح في إدارة أي من مؤسسات القطاعين العام والخاص؟
من الناحية الشكلية وسطحياً من الممكن أن نجزم أن أي من قيادات القطاع الخاص الناجحة والمتميزة يمكنه النجاح في قيادة أي من مؤسسات القطاع العام، لكن ذلك ليس صحيحاً بالضرورة والتجارب هي خير برهان.
إن المتبحر في القضية يعلم علم اليقين أن كلاً من مؤسسات القطاعين العام والخاص تتطلب فيهما العملية القيادية والقيادات الإدارية قدرات محددة ومهارات خاصة لتحقيق الرؤى والتطلعات والأهداف وبالتالي تنفيذ كل ما يتم التخطيط لك بالشكل الأمثل، حيث أن تعقيدات القطاع العام ومؤسساته مختلفة تماماً مقارنةً بالقطاع الخاص، ويتجسد ذلك في محدودية الموارد والبيروقراطية الحادة وكذلك البطء والتباطؤ الشديد في عملية اتخاذ القرار، ناهيك عن الواسطة والمحسوبيات.
إن العملية الإدارية في القطاع العام تتطلب قدرات استثنائية وعالية في محور الابتكار “Innovation” حيث أن شح الموارد هنا مقارنة بنظيرتها في القطاع الخاص يعد من أكبر التباينات وأعقدها، بالإضافة إلى أن القطاع العام يتطلب جرأة في اتخاذ القرار واختيار القيادات والكوادر وفق معايير الكفاءة والملائمة بعيداً تماماً عن المحسوبيات.
هنا نستطيع القول أن القطاع العام بأمس الحاجة إلى مهارات الذكاء العاطفي “Emotional Intelligence” والتي بدورها تساعد على تحسين الاتصال والزيادة من فعاليته بالإضافة إلى إيجاد طرق أكثر نجاعة في حل المشكلات المؤسسية وتطوير العلاقات إيجابياً في بيئة العمل مما من شأنه خلق بيئة عمل صحية وبالتالي الوصول لإنتاجية أفضل وسوية أرقى. بكل أسف، لقد ثبت لدينا جميعاً عدم قدرة صقور وكفاءات القطاع الخاص في إصلاح وقيادة مؤسسات القطاع العام ومحاولات النهوض به، حيث أنه في أغلب الأحيان تتمحور خبرات وتجارب قيادات القطاع الخاص حول استكمال ما تم تأسيسه وبنائه من قبل الآباء وبالتأكيد لذلك استثناءات حيث لكل قاعدة شواذ. وبالتالي فأن القادم من القطاع الخاص لتولي المسؤوليات في القطاع العام يجد نفسه أمام تحديات”Challenges” من نوع آخر لم يعهدها من قبل وتحتاج لمهارات وخبرات من نوع آخر مختلف تماماً “Different Skill Sets” ، وبالمحصلة يجد نفسه أمام معضلة الخروج من منطقة الراحة “Comfort Zone” إلى منطقة عدم الراحة “Discomfort Zone”
وهنا تبدأ المعضلة الكبرى بشكل اوضح حيث يصطدم القادمون من القطاع الخاص بتحديات تحتاج لجرأة عالية في اتخاذ القرار، على غرار عمليات إعادة الهيكلة الكاملة والجذرية، والتغييرات الشاملة للقيادة الإدارية و التي تعد من أولى الضروريات لان العقلية الإدارية التي خلقت المشكلة قطعاً ودون أدنى شك لن تستطيع إيجاد الحلول لها، ناهيك عن شبكة المحسوبيات و الاصطفافات المعقدة، بالتالي الحاجة الى فريق متكامل ذو مواصفات وقدرات خاصة لإدارة الأزمات “Crisis Management”
و اخيرا يجد رجل قطاع الخاص نفسه في مركز دائرة من التحديات التي لم يعتد عليها، وأمام كلفة تغيير ربما تكون باهظة جداً من حيث هدم جسور التواصل وفقدان عدد من العلاقات العامة والتي تعد ضرورة له في تسيير أعمال شركاته الخاصة، وركيزة أساسية يعتمد عليها بعد الخروج من عمله في القطاع العام، وبالتالي ربما يفضل الحفاظ على شبكة العلاقات والمصلحة الخاصة وتقديمها على مساعي ومحاولات الإصلاح الإداري المنشود والذي تم استقطابه للقطاع العام بهدف القيام به! بالمحصلة، وفي نهاية المطاف يتجه القادم من القطاع الخاص لاختيار الإبقاء على الوضع الراهن “Status quo” كما هو دون أي تغيير يذكر أو ربما بتغييرات شكلية وطفيفة لذرّ الرمال في العيون، وبالتالي عدم خوض غمار الإصلاح المؤسسي الجذري كونه لا يمتلك الخبرة والمهارات في هذا الإطار.
كما أن أمثلة عجز واخفاق رجالات القطاع الخاص في النهوض بمؤسسات القطاع العام كثيرة وفي متناول الباحثين على مر الأزمان.