عبد الله الدردري المسؤول الأممي: أفغانستان على شفا كارثة و90 في المئة من السكان تحت خط الفقر

71

حصادنيوز-يكشف عبد الله الدردري الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أفغانستان  حقائق هامة عن الوضع في البلد الذي أنهشته الحروب والأزمات والصراعات على مدى عقود من الزمن. ويقول إن جهات دولية مانحة جمدت تمويلها للمشاريع الإنمائية وتمويل البرامج الإنسانية في أفغانستان مع وصول طالبان الحكم منتصف 2021 حيث أنه في وقت من الأوقات كان البلد أمام كارثة واسعة، والقطاع الصحي كاد ينهار، وكذلك النظام التعليمي، ما أدى إلى استفحال الفقر أكثر في البلاد. ويسلط الخبير والمسؤول الأممي وهو من الكفاءات السورية التي تبوأت مناصب في عدد من الدول، الضوء على حجم المعاناة. ويعتبر الدردري الذي وصل أفغانستان وفي جعبته خبرات متراكمة أن الوضع في البلاد فعلاً مأساوي، مع وجود أزيد من 90 في المئة من إجمالي السكان تحت خط الفقر.
وفي ما يأتي تفاصيل الحوار.
○ بداية، هل يمكن أن ننطلق من زيارتكم الأخيرة لقطر وتضعنا في صورة خططكم وتصوراتكم؟
•الزيارة للدوحة كانت في سياق عقد الاجتماع الدوري للجنة التوجيهية للصندوق الائتماني الخاص بأفغانستان، الذي أسسه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تشرين الأول/اكتوبر 2021 بعد التحولات التي شهدها البلد. وهو يجمع 14 منظمة للأمم المتحدة، للعمل سوياً لتقديم الدعم للمجتمع الأفغاني. وأيضاً هناك عدة دول مانحة ترعى مشاريعه وتساهم فيها.

○ هل يمكن أن تخبرونا عن تلك الدول المانحة؟
•الدول المانحة للصندوق هي ألمانيا والنرويج والسويد والتشيك وسلوفاكيا ولوكسمبرغ وتركيا، وتقدم الدعم المالي، وباعتبار معظم هذه الدول سفاراتها في أفغانستان تعمل من الدوحة، ولها وجود تمثيلي في قطر، وتغطي الوضع الأفغاني من هنا، لهذا عقد الاجتماع في عاصمتها.
○ هل حقق الاجتماع أهدافه؟
•الاجتماع كان موفقاً جداً، واتخذناً عدداً من القرارات، وأهمها إقرار أربعة برامج إقليمية متكاملة، كل واحد فيها بقيمة 150مليون دولار لدعم المجتمعات المحلية، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية محلياً، في أربع مناطق أفغانية. وعلى هذا الأساس سنقدم أربع برامج أخرى، لتغطية باقي المناطق خلال الاجتماع المقبل الذي سيعقد في نيسان/أبريل المقبل.
○ هل هناك توقعات مستقبلية لدعم جهودكم؟
•الاجتماع الأخير كان فعلاً ناجحاً، ناهيك عن أنه إضافة إلى الدول الممولة للصندوق، شارك معنا في اللقاء سفراء دول أخرى. كما لمسنا رغبة أخرى المساهمة في الجهود مستقبلاً، وهي دعم أفغانستان عن طريق الصندوق. نستطيع بالتالي القول أن زيارتنا لقطر حققت أهدافها.
○ هل هناك آفاق للتعاون مع قطر خصوصاً وأنه لديها حضور مؤثر وإيجابي في أفغانستان؟
•نحن نقدر جداً دور قطر في أفغانستان، سواء في المسار السياسي، والتوصل لحلول سلمية في البلد، والدعم الإنساني، وهذا التقدير مستمر، وعلاقتنا في الصندوق مستمرة مع الجهات القطرية، وسوف نتابع الحوار للخروج بنتائج إيجابية مستقبلاً.

○ هناك دول أخرى غير العضوة في الصندوق تسعى للمساهمة في دعم الجهود الإنسانية في أفغانستان لكن الآليات ما تزال غامضة على ضوء القيود الحالية؟
•هناك عدد من قنوات التمويل قائمة في أفغانستان، وأخرى جديدة، مثل صندوق الائتمان الخاص، الذي أسسه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وهناك الصندوق الإنساني للأمم المتحدة في أفغانستان، وهو قديم يعمل منذ 20 سنة تقريباً. إضافة لصندوق آخر لإعادة الإعمار في أفغانستان، يقوده البنك الدولي، تأسس في 2002 لكن توقفت أعماله في منتصف حزيران/يونيو الماضي، وهو يسعى للعودة مجدداً للنشاط في أفغانستان، وتمويل منظمات الأمم المتحدة في البلد. إضافة لصندوق البنية التحتية في أفغانستان، يقوده البنك الآسيوي للتنمية، يركز على قضايا الطاقة والمشاريع الكبرى، وأيضاً جمد نشاطه.


○ هناك مسألة جوهرية ترتبط بتحول الأحداث في أفغانستان مع وصول طالبان للحكم، لماذا تعقدت المشاريع الإنمائية وتوقفت المساهمات الدولية في الجهود الإنسانية؟
•دعنا نقول إن هذه الجهات المانحة جمّدت تمويلها، فمثلاً صندوق إعادة الإعمار كان يتولى تمويل أكثر من 2300 مركز صحي، بموظفيه (نحو 26 ألف شخص من أطباء وممرضين وإداريين) توقف نشاطه بقرار الصندوق. فتدخلت الأمم المتحدة ومنظماتها مثل «يونيسيف» والبرنامج الإنمائي، ومنظمة الصحة العالمية، وتم توفير التمويل اللازم لاستمرار عمل هذه الهياكل الحيوية. نحن نتحدث عن مستشفيات ومراكز رعاية طبية وغيرها. وكانت المساهمة جداً مهمة في دعم عودة هذه المراكز التي يعد نشاطها مجالاً حيوياً للأفغان.
○ ماذا عن قطاع حيوي آخر وهو التعليم؟
•طبعاً المدارس أيضاً تضررت من توقف نشاط عدد من الجهات المانحة، وانقطعت مرتبات المعلمين والإداريين. ولهذا تدخلت الأمم المتحدة عبر «يونيسيف» وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي يعمل الآن على تقديم برنامج واسع لدعم التعليم المهني والتخصصي وللجامعات في أفغانستان.
○ لكن أليس من الخطأ أن تتوقف بعض الجهات عن برامجها ودعمها الحيوي في أفغانستان بعد تغير الوضع وتترك فراغاً سيؤثر على حياة الناس؟
•لابد من القول أن هذا قرار يخص مجالس إداراتها، وأنا من جانبي أنظر للنتائج، ففي وقت من الأوقات كنا أمام كارثة واسعة، والقطاع الصحي على سبيل المثال كاد ينهار، وكذلك النظام التعليمي، بعد انقطاع الرواتب والمخصصات، ما أدى إلى استفحال الفقر أكثر في أفغانستان، وسلط الضوء على حجم المعاناة. وحالياً هناك العديد من الجهات التي تعيد تقييم الموقف، وكذلك وجهة نظرها حيال الأمر لتدارك الوضع.
○ الوضع إذا في أفغانستان صعب جداً؟
•أعتقد أن المرحلة الصعبة ربما تجاوزناها، أو لنقل تجاوزنا حدتها، ما نزال طبعاً في مرحلة صعبة جداً، لكن هناك مؤشرات إيجابية وأمل يلوح في الأفق. البنك الدولي على سبيل المثال أقر مؤخراً استخدام مليار دولار من أموال إعادة إعمار أفغانستان لدعم قطاعات الصحة والتعليم، والأمن الغذائي. فهذا أمر مبشر أن الأموال بدأت تتدفق مجدداً ومعها تمويل المشاريع، والمساهمة في تخفيف معاناة فئات واسعة من الشعب.

○ أوضحت مؤخراً ديبورا ليونز الممثلة الخاصة للأمين العام ورئيسة بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان أنه يجب على العالم التعامل مع طالبان، هل طرأ تحول في الموقف؟
•طبعاً ديبورا هي تمثل الأمين العام للأمم المتحدة، وبالتالي تتولى المستوى السياسي، أما من جانبنا فنتولى القضايا الاقتصادية والاجتماعية والتقنية. وما من شك أننا نتعامل مع السلطة الحالية في أفغانستان.
○ كيف هو التواصل إذا مع حكومة طالبان؟
•نحن جهة أممية معنية بتقديم الدعم للشعب الأفغاني وبالتالي نحن نسمع منهم ونتحدث معهم، ولا نوقع اتفاقيات مباشرة مع الحكومة، أو السلطة الحالية، بل ننفذ مباشرة جميع مشاريعنا في أفغانستان، وليس عن طريق المؤسسات الحكومية، وإنما عبر جمعيات أهلية، ومحلية ودولية. لكن نحن في حوار دائم، لأن الأمم المتحدة أقرت في الإطار الانتقالي للتعاون مع الوضع الحالي، أنه يجب أن نحافظ على النظم الإدارية والمحلية القائمة في أفغانستان. فلا يمكن أن نتخيل بلادا بحجم أفغانستان أن تقف على قدميها بمعونات دولية فقط.
لابد للنظم المحلية، الإدارية والصحية والتعليمية، أن تعود إلى عملها. ونحن نعمل ونحاول أن نوسع برامجنا وفق الظروف السياسية الحالية.
○ لكن المجتمع الأفغاني يطالب أن يتم الإفراج عن مخصصاته المجمدة ليستفيد منها، لماذا ما زالت بعيدة عن متناوله؟
•الأمم المتحدة، وكذلك الأمين العام وجها دعوة لفك التجميد عن الأموال الأفغانية، لأنها مقدرات الشعب، وحقه. وما جرى مؤخراً أن الولايات المتحدة قررت تقسيم هذا المبلغ (حوالي 7 مليار دولار) إلى قسمين. قسم يستخدم للعمليات الإنسانية في أفغانستان، والآخر يبقى في الولايات المتحدة. ونحن على صعيد الأمم المتحدة ندعو لفك هذا التجميد.
يضاف إلى الأموال الحكومية، هناك حسابات الأشخاص الطبيعيين، بالعملات الأجنبية تحديداً الدولار، تم تجميدها. وهذا الموضوع يستمر الحوار بشأنه بين الأمم المتحدة والولايات المتحدة والسلطات في أفغانستان، وربما يتم حلحلته قريباً. وهناك مؤشرات إيجابية، بعد قرارات الخزينة الأمريكية بتخفيف العقوبات.

 لكن بالرغم من الجهود التي تبذلونها أنتم أو الجهات الأخرى ما يزال الوضع الإنساني في أفغانستان يثير القلق كيف يمكن الخروج من هذا النفق؟
•الوضع في أفغانستان فعلاً مأساوي، ولم أقرأ في التاريخ الحديث صدمة اقتصادية بهذا الشكل، مثلما هو الحال في هذا البلد. فمثلاً التراجع في حجم الناتج المحلي بلغ حوالي 30 في المئة خلال أقل من سنة، وتحديداً نحو 6 أشهر. وعلى سبيل المثال الاقتصاد السوري خسر نفس النسبة من الناتج، بعد 6 سنوات من الحرب. فالاقتصاد الأفغاني أصلاً هش، غير متنوع وغير تنافسي، وتعرض لصدمة. ويضاف لكل ذلك توقف المعونات الخارجية أو تراجعها، وانقطاعها في يوم. فتعرض الاقتصاد لهزة عنيفة.
○ أكيد كان للهزة التي تعرض لها الاقتصاد الأفغاني آثار مباشرة على الشعب؟
•طبعاً هذه الهزة أدت لارتفاع أعداد العاطلين عن العمل، بنحو المليون شخص خلال 6 أشهر. علماً أن البطالة في أفغانستان قبل التحولات الأخيرة كانت في حدود 25 في المئة من إجمالي القوى العاملة. ونضيف لها مليون شخص. وبالتالي هنا نتحدث عن رواتب ومداخيل أشخاص انقطعت، وغياب مصدر عيش لتوفير لقمة. أنا على سبيل المثال قابلت أشخاصاً لا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم المقبلة، ومئات النساء اللواتي ليس لديهن ما يسدن به رمق أبنائهن. ويمتن يومياً بسبب انعدام التغذية، وأخريات يواجهن صعوبات صحية متعددة.
○ هل المعلومات المتداولة بشأن بيع عائلات لأبنائها أو أفراد يبيعون أعضاءهم دقيقة؟
•وردتنا معلومات في هذا الإطار، ونطلب من المنظمات الأممية التأكد منها، لكن عموماً حصلت فعلاً حالات بيع أعضاء. ما يتعلق ببيع الأطفال ربما يكون محدوداً.
○ ما الاحتياجات الفعلية التي ترون أنه يجب توفيرها عاجلاً في أفغانستان؟
•أولاً أفغانستان بحاجة لفرص عمل، وأقلها توفير مليوني فرصة عمل خلال العامين المقبلين، وهذا جهد رهيب. كما قدرنا الحاجة لنحو 2 إلى 3 مليار دولار معونات في القطاع الاقتصادي، غير المعونات الإنسانية. يعني بنية تحتية وخدمات، وتنشيط الشركات الصغيرة لوقف التدهور في الناتج المحلي الإجمالي، وإعادة النمو وتخفيف البطالة والفقر.
○ تشير التقديرات أن نسبة الفقر بلغت مستويات مقلقة في أفغانستان، ما الحل للحد من ذلك؟
•فعلاً هناك متطلبات هائلة لمعالجة الاختلالات، فأزيد من 90 في المئة من إجمالي السكان هم تحت خط الفقر، وماذا يعني ذلك من ناحية عملية؟ ولابد من إحياء المنظومات الصحية والتعليمية، وكذلك المصرفية حتى يتمكن البلد من الوقوف على رجليه. ونحن على مستوانا نعمل على كل هذه الجبهات، ونأمل أن الدول المانحة توفر موارد كافية لسد هذا العجز في معظم القطاعات الحيوية.
○ هل المانحون يدركون حجم هذه التحديات التي تواجه المجتع الأفغاني؟
•هناك قناعة لدى المانحين لتعزيز الدعم، وأن نكمل عملنا الحيوي.

○ هل تتوقعون أن تؤثر الأزمة في أوكرانيا على برامجكم وعلى الدعم الذي تلقونه؟
•حتى الآن الأزمة الأوكرانية في أيامها الأولى، والدول المانحة التي قابلناها في قطر في آخر اجتماع معهم، أكدت أن أفغانستان ما تزال أولوية عاجلة وملحة في برامجها، وأنهم مستمرون في الدعم. طبعاً لا يمكن الجزم بتأثير أوكرانيا على الوضع، لكن هناك تبعات سوف تتضح قريباً، مثلاً ارتفاع أسعار القمح، ونحن نعلم أن أفغانستان تستورد نحو 2 مليون طن من القمح سنوياً، وقفزت فاتورة إلى نحو 400 مليون دولار، وبالتالي سيكون عبئاً ضخماً لمواطن بالكاد بوسعه توفير قوت يومه.
○ سؤال أخير، كيف ترى مسيرتك في عدد من المناصب القيادية وفي دول مختلفة وهيئات دولية وأممية، وهل تجد أنك تضع خبرتك المتراكمة خدمة لقضية إنسانية تتعلق بشعب (أفغاني) قريب منك؟
•فعلاً قيد لنا أن نتبوأ هذه المناصب والمهام عبر سنوات طويلة، كسوري وعربي، أضع خبراتي المتراكة تحت تصرف الشعب الأفغاني، لأنه واقعياً هو شعب مظلوم، وأية مساعدة يمكن أن نوفرها له، سنكون خففنا ولو قليلاً من معاناته، ودعمناه حتى يتجاوز هذه المحنة.
طبعاً نحن موظفون في الأمم المتحدة، نعامل الناس بغض النظر عن دينهم وعرقهم وجنسهم، وانتماءاتهم السياسية، كلها لا تعنينا، بقدر ما نركز على دورنا الحيوي في ترك أثر إيجابي في حياتهم. كما أود الإشارة أن عملنا لا يختلف في أفغانستان التي ربما قريبة منا بحكم الجغرافيا، عن أي دولة أو شعب آخر في أي مكان. وهذا واجبنا الأخلاقي والإنساني، والأممي بالتأكيد.
○ لكن طبيعي بحكم كونك قريب من المنطقة سيسهل الأمر مهمتك؟
•مؤكد، كون الإنسان من المنطقة العربية ويتحدث لغتها، سيفهم أكثر معاناة الأفغان، لأنهم يحترموننا ويقدروننا، والتواصل سيكون أسهل وأيسر، وهو ما ساهم في فتح بعض الأبواب، وذلل العديد من الصعاب. وهم يثقون جيداً أننا نضع امكانياتنا تحت تصرفهم لتذليل الصعاب التي تعترض حياتهم، ولهذا العمل سيكون سلسا مع وجود هذه الثقة. ونتمنى أن نتمكن من توفير ما يمكن لتجاوز الوضع الصعب الذي يعانيه الشعب الأفغاني.

قد يعجبك ايضا