روسيا تلوّح بنشر صواريخ نووية قرب أمريكا.. هل تعود أزمة الصواريخ الكوبية؟
لم تنجح مباحثات الروس والغربيين في حلحلة التوتر الناشب بينهما طوال الأشهر الماضية. فمن ناحية، تمسك الروس بمطالبهم في تحويل حلف شمال الأطلسي النظر عن فكرة ضم أوكرانيا، وجلاء قواته من الدول السوفييتية السابقة، وعودته إلى حدود ما قبل سنة 1997.
ومن ناحية أخرى تمسك الناتو، مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بعدم رضوخه لأي إملاءات روسية، وبسياسة الباب المفتوح التي يعتمدها إزاء الدول الراغبة في الانضمام إليه. في المقابل طالب روسيا بسحب قواتها من الحدود الأوكرانية، والتخلي عن طموحاتها التوسعية في المنطقة.
تصلُّب الطرفين عند هذه النقاط الخلافية خلص إلى بقاء الوضع كما كان قبل المفاوضات، سامحاً لحرب الاتهامات بالاستمرار، والتوتر بإكمال مساره التصاعدي مهدداً بنشوب حرب.
حرب يقول مراقبون بوشوك اندلاعها، ذلك بعد أن تعرض عدد من المواقع الإلكترونية الحكومية في أوكرانيا يوم الجمعة، لهجوم معلوماتي كبير، لم يحدَّد مصدره حسبما أعلنت السلطات، ملمحة إلى ضلوع موسكو فيه، الأمر الذي نفته الأخيرة.
كما حذرت واشنطن في نفس اليوم من مخطط روسي لشن عمليات “تخريب” واستخدامها ذريعة لغزو أوكرانيا، مستدلة على ذلك بمعلومات استخباراتية تفيد بأن روسيا جهزت عناصر لتنفيذ “عملية مموهة” في شرق أوكرانيا ضدّ قوات تعمل بالوكالة لصالحها، تمهيداً لاجتياحها تلك الأراضي في ما قد تروّج أنه “رد شرعي على عدوان يستهدفها”.
أمام هذا الوضع الملتهب على الأرض، فكلا الطرفان يسعى للعب أوراقه الاستراتيجية الأكثر قوة، محاولاً فرض الأمر الواقع لإرضاخ خصمه لمطالبه. من تلك الأوراق في يد روسيا التلويح بأسلحتها النووية المتطورة، والتلميح بتحريكها على مقربة من السواحل الأوروبية، في سيناريو يهدّد بعودة أزمة أشبه بتلك التي خلقتها “الصواريخ الكوبية” خلال ستينيات القرن الماضي.
صواريخ روسيا النووية بالقرب من السواحل الأمريكية
حسب مقال لصحيفة نيويورك تايمز، فإن عدم حلحلة المباحثات التوتر بين روسيا والغرب، قد يدفع موسكو إلى الاستمرار في نسقها التصعيدي ضد خصومها، إذ لن يقتصر ردّها المفترض على اجتياح أوكرانيا، بل سيتجاوزه إلى تهديد أوروبا والغرب بضربات قوية.
ويستند كاتبا المقال في قولهم ذاك إلى ما لمَّح المسؤولون الروس بأنه “إذا فشل الغرب في تلبية مطالب روسيا الأمنية، فقد تتخذ موسكو إجراءات مثل وضع صواريخ نووية بالقرب من الساحل الأمريكي أو شنّ هجمات إلكترونية”.
إذ أشارت الصحيفة إلى تصريح سابق لدبلوماسي روسي كبير بأن “موسكو مستعدة لوضع أنظمة أسلحة غير محددة في أماكن غير محددة”، ما قرأت فيه تهديداً بنشر أسلحة نووية على مقربة من السواحل الأمريكية، مستندين في ذلك إلى اقتراح بوتين نفسه بإمكانية “نشر صواريخ فرط صوتية تعتمد على الغواصات على مسافة قريبة من واشنطن”.
فيما تتقاطع هذه المعطيات مع تقديرات الاستخبارات الأمريكية بأن روسيا قد تفكّر في نشر أسلحة نووية جديدة، أو ربما أسلحة نووية تكتيكية أو ترسانة قوية ناشئة من الصواريخ “فرط الصوتية” على مقربة من واشنطن.
غير أن روسيا لا تزال تتمسك بالغموض حيال خطواتها القادمة، بما في ذلك نفيها الدائم خططها باجتياح أوكرانيا. نفت كذلك على لسان نائب وزير خارجيتها سيرغي ريابكوف، الذي قال عقب محادثات جنيف يوم الاثنين إنه “لا سبب في الوقت الحالي للحديث عن الأنظمة التي ستكون منتشرة وكميتها ومكانها”.
لعبة مغايرة عن “الصواريخ الكوبية”
تُعَدّ هذه الاحتمالات التي طرحها مقال نيويورك تايمز “Déjà Vu” (رُئِيَ سابقاً) للعلاقات الأمريكية-الروسية، وتذكّر بما حدث بين البلدين سنة 1962 في ما عُرف وقتها بـ”أزمة الصواريخ الكوبية”.
إذ عمدت موسكو وقتها، تحت طلب هافانا، إلى نشر ترسانة صاروخية نووية على الجزيرة. وردّاً على ذلك التهديد الاستراتيجي فكّرت أمريكا في إطلاق حملة عسكرية واسعة على كوبا، وقصف مواقع الصواريخ وتدميرها وقتل الخبراء السوفييت، إلا أنّ الرئيس الأمريكي جون إف كنيدي، كان متخوّفاً من الرد السوفييتي باجتياح العاصمة برلين.
لذلك فرض على كنيدي تعاملاً أكثر مرونة مع الأزمة، ففرض حصاراً بحرياً على الجزيرة الكاريبية، وضغط بالوسائل السياسية على السوفييت، إلى أن باشروا بفتح قنوات اتصال سرية مع الأمريكيين من أجل تقديم اقتراحات لحلّ الأزمة.
وانتهت بعدما توصّل الطرفان إلى اتفاق يقضي بإزالة الصواريخ السوفييتية ومنصات إطلاق من الأراضي الكوبية بشرط أن تتعهد الولايات المتحدة بعدم غزو كوبا، وفي المقابل تتخلص سرّاً من صواريخها النووية المنصوبة في بريطانيا وإيطاليا وتركيا.
غير أن قواعد اللعبة مغايرة هذه المرة، وكذلك قواعد الاشتباك الجديدة التي حملتها تكنولوجيا الصواريخ “فرط الصوتية”، فمن ناحية لا يمكن صدّها بالدفاعات الجوية الحالية، ومن ناحية أخرى لها القدرة على حمل رؤوس نووية مدمرة، إذ يمكن لضرباتها شلّ قدرات الخصم على الردّ.