موريتانيا تبدأ خطوة أولى في وساطة وشيكة في الأزمة الجزائرية المغربية
حصادنيوز– أكدت مكالمتان هاتفيان أجراهما الإثنين، وزير الخارجية الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد مع نظيريه الجزائري رمضان لعمامرة، والمغربي ناصر بوريطة، أن موريتانيا قطعت خطوة أولى في وساطة تنوي القيام بها بين جاريها المغرب والجزائر.
ولم تتطرق الوكالة الموريتانية للأنباء (رسمية) في الخبر الذي نشرته حول المكالمتين، إلى قضية الوساطة، بل اكتفت كعادتها في مثل هذه الأحداث، بتأكيد «أن المكالمتين مكنتا الوزير ولد الشيخ أحمد، من استعراض العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين وسبل تعزيزها بما يخدم المصالح المشتركة، كما جرى التطرق للقضايا المغاربية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك».
لكن سبق لوزير الخارجية الموريتاني أن أكد الخميس الماضي، انشغال موريتانيا بالأزمة بين الجزائر والمغرب، والتي وصلت لدرجة إعلان الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب.
وأكد الوزير ولد الشيخ أحمد أن موريتانيا تشعر بالألم للمستوى الذي وصلت إليه الأزمة بين الجزائر والمغرب، لكنه تدارك ليقول: مهما كانت الأزمات، ومهما كان المستوى الذي وصلت إليه، سيوجد لها حل.
وأضاف: «نحن على غرار جميع دول الجوار والشعوب، لا شك متألمون من الوضع، ولم نكن نود حدوثه ولا نتمنى أن يتأزم أكثر».
وقال: «أعلم أن الجميع هنا، وعن نية حسنة، يسألنا: أين أنتم ولماذا لم تتحركوا، وأنا أقول إن هذا الصنف من القضايا يدار بحكمة وبقدر من السرية لكي يتوصل فيه إلى نتيجة».
وألمح الوزير إلى دور ستقوم به موريتانيا أو تنوي القيام في هذه الأزمة، مضيفاً قوله: «نعمل بطريقة هادئة، كما تتطلب ذلك الدبلوماسية، لأن ما يحدث يشغل بالنا ويهمنا كثيراً، فهذه القضية قضية تتعلق بنا، فكل ما يمس الشعب الليبي أو التونسي أو الجزائري أو المغربي فهو يمس الشعب الموريتاني، وهذه قضية معروفة، وهي أزمة متواصلة منذ فترة طويلة، كما يعلم الجميع». وقال: «هذه أزمة موجودة، ندرك جميعاً أنها ليست وليدة اليوم أو الأمس، فهي قائمة منذ عقود».
وقال: «طموحنا هو بناء المغرب العربي، وأن نتجاوز هذه الأزمة الحالية، ورجاؤنا ألا تتفاقم هذه الأزمة أكثر، ونحن على يقين من أنه مهما بلغ تعقد الأزمات ومهما كان المستوى الذي وصلت إليه، فسيوجد لها حل». وتوقف الوزير الموريتاني عند تأثير الأزمة الجزائرية المغربية على الوحدة المغاربية، وقال: «اتحاد دول المغرب العربي، كمنظمة إقليمية، مشلول بسبب الخلاف بين الأشقاء في الجزائر والمغرب».
وكتب الإعلامي عبد الله الفاغ المختار، وهو من كبار داعمي الرئيس الموريتاني، في تدوينة له أمس: «نواكشوط بعثت اليوم جُرعةً دبلوماسية أولى لتهدئة الأوضاع المتوترة بين الجزائر والرباط، والجرعة الثانية في الطريق». ونقل موقع «المنصة» الإخباري الموريتاني المستقل عن مصادر مطلعة تأكيدها أن الحكومة الموريتانية تقوم حالياً بجهود لتخفيف التوتر بين جارتيها المغرب والجزائر، وذلك من خلال العمل على التهدئة والبحث عن سبل تسوية سلمية تضمن عودة العلاقات بين الدولتين. وأشارت مصادر «المنصة» إلى جهود سرية تقوم بها الخارجية الموريتانية دون إعطاء تفاصيل. وكان الحاج أحمد باريكلا، السكرتير الأول لحركة «صحراويون من أجل السلام» وهي حركة ناشطة في إسبانيا وتطمح لتمثيل آراء وحساسيات مختلف مكونات المجتمع الصحراوي، دعا «الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إلى بذل مجهود للمصالحة بين الجزائر والمغرب». وقال في رسالة بعثها للأمين العام أمس: «نعيد تأكيد رغبتنا في التعاون مع جهودكم، وكذلك ثقتنا في نفوذكم وقدرتكم على إحلال السلام في منطقتنا، والعمل على إعادة العلاقات الدبلوماسية بسرعة بين الجزائر والمغرب، بسبب ارتباط مستقبل السلام بالمنطقة بهذه العلاقات، وبطبيعة الحال مصير الصحراويين».
وأضاف السكرتير الأول قائلاً: «لا يمكننا أن نخفي عنك، سيدي الأمين العام، قلقنا وانشغالاتنا العميقة بشأن الانعكاسات السلبية التي قد تنجم عن الانهيار الأخير للعلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب؛ فالتفاهم بين القوتين الرئيسيتين في المنطقة شرط لا غنى عنه لحل المشكلة وإنهاء مأساة الصحراويين».
وقال: «إننا نشعر بخيبة أمل شديدة بسبب هذا الحدث المؤسف والمخاطر التي قد ينطوي عليها، والتي قد تتجلى في إطالة أمد نزاع الصحراء الغربية، وتحويله إلى كشمير ثانية، وهو ما حذر منه قبل هذا الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة».
وتحدث المدون إسماعيل يعقوب، المحلل السياسي المختص في شؤون الساحل والمغرب العربي، أن «تواصل وزير الخارجية الموريتاني مع نظيريه المغربي والجزائري خطوة دبلوماسية موريتانية تليق بالظرف المغاربي الحرج».
وأضاف: «أكبر دولتين في المغرب العربي تجمعان ثمانين مليون مواطن؛ قطعت العلاقات الدبلوماسية بينهما بشكل تام، فلا نملك حق السكوت عن حدث بهذا الحجم في محيطنا الإقليمي».
وأضاف إسماعيل يعقوب: «وزير الخارجية يتحرك بأوامر ومباركة من رئيس الجمهورية، وهذا الأخير عرض وساطة علنية على طرفي الصراع على الصحراء الغربية: المغرب والبوليساريو».
«هكذا، يضيف المدون، بدأ المغرب العربي قبل ثلاثين عاماً في التحلل لينتهي به المطاف إلى التفكك بل وإلى الاندثار، فخارطة منطقتي المغرب العربي والساحل مفزعة ومقلقة، وأي مسعى لحل مشاكل الجوار الإقليمي سيكون ملحاً ومطلوباً؛ إذ لا توجد مشكلة بدون حل».
وقال: «سباق تسلح وتسليح متسابق ونزوح وإغلاق وإطلاق نار ولجوء؛ هي مفردات توقظ الدبلوماسية، وتزيد الوجع. ونحتاج في موريتانيا إلى جوار متعاون؛ وتكريس منطق الحوار في مغرب الشعوب بدل منطق الحشد والمكابرة في مغرب الحكومات».
وأكد المحلل السياسي إسماعيل يعقوب: «موريتانيا هي الدولة العربية الوحيدة التي تملك دراية وتجربة وخبرة ومصداقية في كنه العلاقات بين المغرب والجزائر، وبين المغرب والبوليساريو».
وخلص للقول بأن «المغاربة يعون ذلك وكذا الجزائريون؛ وموريتانيا تعلم أن أي احتقان بين البلدين هو بالضرورة احتقان فيها هي، فلسنا في موريتانيا أبداً في مأمن مما دار ويدور وسيدور بين الجزائر والرباط».
يذكر أن انشغال تونس وليبيا بأزمتيهما الداخليتين يجعل على عاتق موريتانيا مسؤولية السعي لحل الأزمة الجزائرية المغربية، مع أن هذه الأزمة أزمة عميقة لا يمكن حلها إلا بجهود وضغوط كبيرة.