“طلبة أميون على مقاعد الدراسة
يترك الاستخفاف بالمرحلة الدراسية الأساسية من قبل الكثير من الأهالي، أثرا عميقا على أبنائهم الطلبة، وتحصيلهم العلمي مستقبلا، فيما يرى خبراء تربويون أن ضعف القراءة والحساب في الصفوف الثلاثة الأولى، تحديدا، من تلك المرحلة، يؤثر سلبا على أداء الطلبة في الصفوف العليا.
ويشدد هؤلاء الخبراء على ضرورة إخضاع المعلمين لدورات تأهيل مهني للتعامل مع الطلبة بطرق سوية.
وأشاروا في تصريحات لـ”الغد”، إلى أن وجود ضعف في القراءة والحساب، يشكل خطورة كبيرة، لأن من شأنه أن يوجد جيلا شبه أمي ويؤثر على حياة الطلبة بشكل عام، وكذلك على نموهم العقلي والاجتماعي والانفعالي.
وكان مجلس التربية والتعليم قرر مؤخرا تشكيل، لجنة مؤلفة من مدير إدارة المناهج وعدد من أعضاء إدارتها ومعلمين من ذوي الخبرة والكفاءة في الوزارة، إضافة إلى أساتذة جامعات مختصين، لوضع تصور أولي قابل للتنفيذ لحل مشكلة عدم القدرة على القراءة والحساب لدى نسبة من طلبة الصفوف الثلاثة الأولى، على أن ترفع توصياتها للمجلس بالسرعة الممكنة، بهدف اتخاذ القرارات اللازمة لمعالجة هذا الخلل، بحسب وزير التربية والتعليم محمد الذنيبات.
ويعتقد وزير التربية والتعليم الأسبق الدكتور إبراهيم بدران، فإن هنالك أسبابا رئيسية لهذه المشكلة، في مقدمتها قلة عدد مدرسي الرياضيات، فضلا عن أن المدرسين لا يتلقون التأهيل اللازم قبل الالتحاق بعملية التدريس، ولا يدخلون دورات تأهيل مهني للتعامل مع الطلبة بطرق سليمة.
تأسيسا على ذلك، فإن الدكتور بدران يؤكد أن من شأن ذلك أن يغيب الخبرة التربوية، لاسيما في تخصص الرياضيات، مبينا أن التأهيل التربوي يتألف من جزأين، عام وتخصصي، فإذا لم يكن المعلم مؤهلا تربويا، وفق هذين الجزأين، فإن قدراته على تطوير إمكانات الطلبة في الرياضيات والحساب ستكون ضئيلة، وبالتالي يلجأ المعلم إلى تلقين الطلبة بدون أن يحرك عقولهم باتجاه التفاعل مع الرياضيات بمختلف مفرداتها.
ويشير بدران إلى أن الترفيع التلقائي في الصفوف الثلاثة الأولى يسبب تراخي الطلبة وذويهم في الاجتهاد، لكون الترفيع مضمونا، وبالتالي لا يبذل الطلبة الجهد الكافي لتعلم الرياضيات والمواد الأخرى، بخاصة أن ذويهم لا يشعرون بأهمية دعمهم في هذه المرحلة، موضحا أنه كثيرا ما ينظر الى رياضيات الصفوف الثلاثة الأولى على أنها “بسيطة” لا تحتاج إلى فهم عميق من جانب المعلم وتفهم من قبل الطالب، وبالتالي يغيب مجال التفاعل بين الطرفين.
ويوضح أن المطلوب من المعلم في الصفوف الثلاثة الأولى أن ينجح في وضع جذور للتفكير الرياضي في عقول الطلبة، وإذا لم يتحقق ذلك سيستمر الضعف إلى السنوات التالية، لذلك نلمس الآن وجود ضعف في الرياضيات والفيزياء كون التأسيس في السنوات الأولى كان ضعيفا.
كما يلفت بدران إلى ضرورة وجود حوافز خاصة للمعلمين الذين يعملون في مدارس المناطق النائية، حتى لا يعتبروا وجودهم في تلك المدارس مؤقتا، وبالتالي يكون ارتباطهم بالمدرسة والطلبة ضعيفا، الأمر الذي ينعكس سلبا على تحصيل الطلبة.
من جانبه، يؤكد أمين عام وزارة التربية والتعليم الأسبق فواز جرادات، أن ضعف الصفوف الثلاثة الأولى يؤثر على أداء الطلبة في الصفوف العليا، مبينا أن عملية التعليم والتعلم تعتمد على القراءة والكتابة، فإذا لم يحسن الطالب القراءة فإن من شأن ذلك أن يؤثر سلبا على الفهم والكتابة والمهارات اللغوية الأخرى.
ويقول جرادات إن الرياضيات والعلوم مبنيتان على أساس القراءة والكتابة، وإن إتقانهما يساعد الطلبة في التقدم في الصفوف اللاحقة، لافتا إلى أن الضعف سيستمر إن ما لم تتم المعالجة في وقت مبكر.
ويضيف أن عدم إتقان الكتابة والقراءة يؤثر على اكتساب الطلبة مهارات جديدة موجودة في مصادر تعليمية أخرى غير متوفرة في المناهج الدراسية، كما يؤثر سلبا على تواصل الطالب مع الآخرين، لكونه لا يمتلك مخزونا من المفردات اللغوية التي تمكنه من تعبر عن نفسه واحتياجاته.
كما يؤثر عدم إتقان القراءة والكتابة عند الطلبة على نموهم العقلي، فكلما زادت المفردات اللغوية عند الطفل زاد نموه العقلي والاجتماعي والانفعالي، وفق جرادات.
أما تجاوز الضعف في الصفوف الثلاثة الأولى، بحسب جرادات، فإنه يتم من خلال إيجاد برامج وقائية وعلاجية للطلاب، ولا بد لتلك البرامج أن تنمي القدرات اللغوية والحسابية عند الطلبة، مشيرا إلى أن بوسعها تقويم التدريس بحيث يكون مبنيا على الاحتياجات الفعلية للأطفال.
ويلفت جرادات إلى أن الوزارة قامت في وقت سابق بتجربة البرامج العلاجية في إحدى مديريات التربية والتعليم، وثبت نجاحها، وكانت لها آثار إيجابية، مبينا أن تقييم التدريس مختلف، لأنه مبني على الاحتياجات، الأمر الذي يتطلب إثارة الدافعية عند الطلبة، من خلال جذب انتباهم بوسائل تعليمية مستخدمة، بعيدا عن الطرق التقليدية في التدريس.
ويشدد على ضرورة اهتمام الوزارة بمعلمي الصفوف الثلاثة الأولى، من خلال إخضاعهم لتدريب مكثف بغية إعدادهم بشكل جيد ليكونوا مؤهلين لهذه المرحلة، كما يجب أن يلبي البرنامج التدريبي احتياجات المعلمات، نظرا لأن معظم الصفوف الثلاثة الأولى تدرسها معلمات، ويجب أن يكون البرنامج مستمرا طوال العام الدراسي وغير متقطع للتأكد من أن المعلمة أتقنت مهماتها الرئيسية.
ويلفت إلى أن الأطفال في هذه السن، يكون تفكيرهم محسوسا، وبالتالي يجب أن يتم الإكثار من الوسائل التعليمية الملموسة لدى الأطفال واستخدامها في القراءة والكتابة والرياضيات والعلوم الأخرى، بالإضافة إلى تخفيض عدد الطلاب داخل الشعبة الواحدة، بحيث تستطيع المعلمة أن تقسم جهودها على الطلبة بعدالة، فضلا عن تخفيض الحصص الخاصة بمعلمات الصفوف الثالثة الأولى، بجعلها 28 حصة في الأسبوع بدلا من 30، حتى تستطيع المعلمة استخدام الوسائل التعليمة والتركيز على الطلبة.
كما يلفت جرادات إلى ضرورة تفعيل الحصص الرياضية والفنية والموسيقية حتى تكون المدرسة محببة لدى الأطفال، وتعويد الطلبة على الكتابة في النشاطات اللامنهجية، من خلال التنويع في أساليب التدريس، واللعب، والتمثيل، والرسم.
وينبه إلى خطورة الضعف في الكتابة والحساب، مؤكدا أن من شأن ذلك أن يؤثر بشكل سلبي، كونه سيوجد جيلا شبه أمي.
من جهته، يرى وزير التربية والتعليم الأسبق فايز السعودي، أن هناك ضعفا كبيرا في مهارات القراءة والكتابة لدى الطلبة، وأن مؤشراته واضحة، فالعديد منهم يخطئون في الإملاء والكتابة، معتبرا أن القضاء على هذه المشكلة يتم من خلال إعادة النظر في مناهج اللغة العربية والرياضيات، بحيث تكون مواكبة لمتطلباتهم وتساعدهم في اكتساب مهارات أخرى.
ويؤكد السعودي ضرورة إعادة النظر في أساليب التدريس المستخدمة، مبينا أن على الوزارة أن تشكل فريقا من أساتذة الجامعات ومجمع اللغة العربية، بالإضافة إلى الجهات المعنية الأخرى، لإيجاد آلية لتعليم العربية، بحيث تبنى على أساس منطقي ووظيفي.
من ناحيته، يؤكد الناطق الإعلامي لنقابة المعلمين أيمن العكور، أن الطلبة يعانون بشكل واضح من ضعف المهارات الأساسية كالقراءة والكتابة والحساب وأساسيات العلوم، ودليل ذلك الاختبارات الدولية التي تظهر تراجع مستوى أداء الطلبة الأردنيين.
ويشير العكور إلى أن النقابة دقت ناقوس الخطر منذ اليوم الأول لتأسيسها، وقدمت تصورا كاملا للوزارة حول تطوير التربية والتعليم، لاسيما في الصفوف الثلاثة الأولى.
وقال إن التصور ركز على عدة مسائل منها اللغة العربية (القراءة والكتابة) وأساسيات الحساب والعلوم، مضيفا: “نعتقد بوجود إشكالية حقيقية عند الطلبة نتيجة لعدة اسباب، منها أن مناهج الصفوف الثلاثة الأولى لا تخدم فكرة التركيز على مهارات، بل تعمل على تشتت الطلبة، كونها تركز على مواضيع متقدمة على سن الطالب، الأمر الذي يفقد الطلبة امتلاك المهارات الأساسية”.
ولفت العكور إلى أن مشكلة اكتظاظ الغرف الصفية ساهمت بظهور هذا الضعف، كون المعلم أصبح غير قادر على إعطاء الحق الكافي لكل طالب من الاهتمام والتعليم، مشيرا إلى ضرورة تخفيف أنصبة المعلمين للصفوف الثلاثة الأولى.
ويقول إن عدم امتلاك المعلمين مهارات التعليم والتدريس، لاسيما في الصفوف الثلاثة الأولى، يسهم في وجود هذا الضعف، وعلى الوزارة إعداد وتأهيل المعلمين بشكل كاف ليخدم الأهداف ويمكّن الطلبة من امتلاك المهارات الأساسية، مضيفا أن تلك الاقتراحات قدمتها النقابة للوزارة للإسهام في رفع مستوى مهارات الطلاب في تلك الصفوف، غير أن “غياب المؤسسية في الوزارة ساهم في تأخير تنفيذ هذه البرامج”.