د . محمد المسفر : لا امن ولا آمان لخليجنا العربي إلا من خلال الأردن
د.محمد صالح المسفر
كلما اردت ان اشيح بقلمي عن تناول اوضاع الدول انفة الذكر تجدّ حالات تدفعني رغما عن ارادتي للحديث في موضوع هذه الكتلة العريقة في تاريخ امتنا العربية. دول مجلس التعاون الخليجي منطقة استقطاب عمالة من كل فج عميق بحثا عن مصادر الرزق، والمنطقة بحاجة الى تلك الكتل البشرية لتعمل في ميادين التنمية المعمارية والبنية التحتية وغير ذلك من الاعمال.
دول مجلس التعاون تؤكد انه يوجد بها 17 مليون عامل في كل حقول العمل منهم في دولة واحدة فقط اثنين مليون عامل من الهند بعد ان رحلت تلك الدولة ما يقارب 200 الف عامل اقاماتهم لم تكن مشروعة لسبب او اخر ناهيك عن مجموع الدول الخليجية الاخرى.
تذكر وسائل الاعلام الخليجية انه يوجد في دولة خليجية واحدة فقط 544802 هندي، 184648 من الفلبين، 340679 من نيبال، 137245 من بانقلادش، اي ما مجموعه 1070511 (العرب القطرية 21/ 10 ) كلهم اسيويون وهذا العدد يزيد عن تعداد المواطنين بنسبة عالية جدا، وتؤكد ذات المصادر ان هذه العمالة وغيرها بلغت تحويلاتهم النقدية عبر شركات الصرافة في هذا العام ما قيمته 80 مليار ريال (قيمة الدولار = 3.65 ريال) ناهيك عن ما تم تحويله عن طريق البنوك او النقل مع المسافر (الشرق القطرية 18 / نوفمبر).
( 2 )
تؤكد معلومات الامانة العامة لمجلس التعاون الخليجي ان تحويلات العمالة الاجنبية (الغير عربية) بلغت في سنة واحدة ما يقدر بـ 40 مليار دولار وهذا مبلغ ضخم، اي ان هناك استنزاف لاموال هذه المنطقة من العالم وتؤكد الدراسات الموثقة بان بعض الدول الخليجية نسبة المواطنين فيها لا تزيد عن 10 بالمئة وهذه ارقام مخيفة في ظروف الهجمة المتعددة الاطراف على هذه المنطقة من العالم العربي على وجه العموم. كما ان الدراسات تشير الى انه يوجد في العالم العربي ما يقدر بـ 20 مليون عاطل عن العمل بينما تحتضن منطقة الخليج العربي 17 مليون عامل اجنبي على اقل تقدير. المعلومات الصحافية تشير الى انتشار العمالة المنزلية من جنوب شرق اسيا في كل من الاردن ولبنان وكذلك مصر وهذا عمل غير صالح.
( 3 )
تعود اسباب انتشار العمالة الاسيوية في دول مجلس التعاون كما يشير اهل الخليج الى رخص اليد العاملة والطاعة وتنفيذ الواجبات دون (وجع دماغ) وسهولة التعامل، وهذه ذرائع كانت في الماضي صحيحة ولا غبار عليها. الدول الاسيوية اخذت على عاتقها حماية مواطنيها العاملين في الشرق الاوسط فرفعت مرتبات العمالة بكل انواعها ووقعت عقود عمل تكاد لا تتناسب وثقافة المنطقة المحافظة وهناك اشتراطات من قبل دول تلك اعمالة يجب على الدول والافراد المستوردين لتلك العمالة تحقيقها والا فانها ستحرم من تلك العمالة. منظمات حقوق الانسان ومنظمات العمل الدولي تلاحق دول الخليج وتشن عليها حملة في معظمها ظالمة بسبب العمالة الوافدة فهل من سبيل الى اعادة التفكير في استبدال هذه العمالة بعمالة عربية اكثر امنا وبلا (وجع دماغ) وملاحقات منظمات العمل الدولية ونقابات العمال. في تلك الدول.
( 4 )
ما دفعني لكتابة هذا الموضوع هو ما تناقلته وسائلا الاعلام السعودية بان وزارة الداخلية بدأت في تنفيذ امرها بترحيل كل من ليست اقامته بطريقة قانونية، وهذا امر لا اعتراض علية. لكن الرأي عندي ان هذه القضايا تُحل حالة بحالة، ولا بد من تقديم الشكر للحكومة السعودية التي استثنت الجالية السورية او المقيمين السوريين من كل قوانين الهجرة نظرا لظروف بلادهم وامرت بتجديد اقاماتهم دون عناء ونأمل ان تحذو بقية دول مجلس التعاون الخليجي ذلك السبيل.
اذا كانت السعودية اخذت في اعتبارها الحالة السورية وسهلت امور المواطن السوري فان الامر لا ينطبق على اخواننا اليمنيين الذين تعيش بلادهم في حالة حرب متنقلة في كل الجهات على امتداد الساحة اليمنية، اذ تشير وسائل الاعلام السعودية الى ان وزارة الداخلية رحلت ما يقدر بـ 25 الف عامل يمني كدفعة اولى نظرا لانهم لم يتمكنون من اصلاح او ضاعهم نظرا لعدم وجود الكفيل المناسب.
الرأي عندي ان هذا القرار لم يكن صائبا وليس لصالح الامن الوطني السعودي هذه الجحافل من اليمنيين الذين رحّلوا قسرا عن المملكة سيواجهون ضنك العيش في اليمن نظرا لظروف ذلك القطر التعيسة، هؤلاء المرحلون والذين بلا عمل ولديهم اسر يعولونهم اين سيذهبون وما ذا سيفعلون؟ يقول المثل العربي “اقطع راسي ولا تقطع رزقي ورزق من اعول”.
لا جدال بان القوى الاخرى الفاعلة في اضطرابات الوطن اليمني مثل تنظيم القاعدة والسلفيين والحوثيين وعصابات التهريب ستنشط في اليمن لتجنيد هؤلاء العاطلين عن العمل وغيرهم لتنفيذ اعمال ارهابية باجر ثمين الامر الذي يعود بالضرر الامني على المملكة السعودية ودول الخليج العربي عامة.
( 5 )
ان الحل الامثل للقضاء على الارهاب ومنظماته هو معالجة حاجة الناس في اليمن وفتح المجال لهم في دول الخليج واستقطابهم وتحسين معيشتهم بدلا من ترحيلهم ومطاردتهم والعمل على ايجاد فرص عمل في اليمن عن طريق الاستثمارات المنتجة والسريعة العائد مثل السياحة التي تستقطب اعداد كبيرة من العمالة العاطلة . ان اليمن يشكل مخزون عمالة متنوعة تتناسب ومجتمع الخليج لانهم من نسيج اجتماعي واحد . ان دول مجلس التعاون عليها الدور الاكبر في هذا المجال .ان حل مشكلة اللاجئين السوريين في الاردن ولبنان ضرورة قومية اسلامية عربية تكمن في استعاب العمالة الماهرة منهم مصحوبين باسرهم.
( 6 )
من اجل التخلص من العمالة الاسيوية تدريجيا في مجال الادارة والمؤسسات المالية وشركات التامين والحاسوب الالي فان الاردن مخزون خبرات عربية مؤهلة ومجربة في كل مناحي الاعمال، في التعليم العام في كل مراحلة، والتعليم الجامعي وفي مجال البنوك والمؤسسات المصرفية والقانون والطب والتمريض والحق ان الاردن مخزون خبرات عربية رفيعة المستوى.
ان بعض المؤسسات الخاصة او الشركات الكبري العاملة في الخليج العربي والتي اخذت تنقل عصبها الاداري ومخزن ذاكرتها الى الهند يشكل خطورة امنية على المعلومات المصرفية ووسائل الاتصالات الاخرى مثل شركات الطيران والحاسوب اوما في حكمهم بهدف توفير المصاريف المالية لتلك المؤسسات وتعظيم ارباحها ولو على حساب الامن الاقتصادي لدول المنطقة. ان ذلك العمل يشكل خطورة امنية اقتصادية كبرى لا يمكن معالجة اثارها. اني ادعوا الى نقل هذه المراكز الى الاردن اذا كان ولا بد من نقلها خارج حدود دول مجلس التعاون ففي الاردن تتوفر كل المطالب التي تطلبها الشركات بضمان الحكومة الاردنية. اني انبه كل مهتم بامن امتنا وخليجنا العربي الى خطورة نقل ملفاتنا وحواسيبنا وكل المعلومات عن اقتصادياتنا الى خارج الحدود وخاصة الى الدول التي تشكل خطورة مستقبلية علينا في هذا الجزء من العالم.
اخر القول: لا امن ولا امان لخليجنا العربي الا بتحقيق الامن القومي العربي على الرغم من الانكسارات الراهنة فكلها زبد ستزول بعون الله وقدرته.