زواج القاصرات: فتيات تركن الدمى في سبيل أمومة إجبارية!

33

حصاد نيوز – “تجلس في زاوية بعيدة، تبكي، تشهق، تمسح دموعها، تتحسس وجهها، تتأمل فستانها، تحاول النهوض، تخونها قدماها، وتعود للبكاء بحرقة”.

قبل هذا المشهد بقليل فقط، كانت دعاء (15 عاما)، وهو اسم مستعار، ترقص، تضحك، تغني، تمسك بيد عريسها، تنظر إلى أمها، تسمع زغاريد أخواتها وخالاتها، تفكر في مستقبلها، في وقت تتضمن اتفاقية “القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة”، (سيداو) في المادة (16) الحق في الحماية من تزويج القاصرات، بحيث “لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي أثر قانوني، وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية، بما في ذلك التشريعي منها، لتحديد سن أدنى للزواج ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي أمراً إلزامياً”.
انتهت حفلة الزفاف، وعادت دعاء مع زوجها وهو ابن عمها البالغ (20 عاما)، والذي خطبها “لأنه أولى بها من غيره”، كما تقول أمها، فبعد شهرين من الخطبة أغلق عليهما باب بيت واحد، “هنا شعرت بالخوف الحقيقي في فستاني الأبيض، وعرفت أنها ليست لعبة بعد سماع صوت والدته وخالته، اللتين ستبقيان أمام باب غرفة النوم حتى يباركن إتمام مراسم الزواج”.
تقول “كان عمري 15 عاما، والقصة كانت مرعبة، والأكثر رعبا كان أن هناك سيدتين عليهما أن تتابعا ما يجري في ليلتي الأولى مع ابن عمي الذي لعبت معه كثيرا أثناء طفولتي، ولم أره إلا رفيقي في اللعب، ولم أتقبل فكرة الزواج والعلاقة الزوجية في تلك الليلة”.
ووفقا لتوصية اتفاقية سيداو رقم 21، “للجنة القضاء على التمييز ضد المرأة” التي أوردت بأن “الحد الأدنى للزواج ينبغي أن يكون 18 عاما للرجل والمرأة”، وهو الحد لسن الزواج الذي يتمشى مع تعريف الطفل المنصوص عليه في اتفاقية حقوق الطفل.
لم تمض ليلة دعاء الأولى بخير؛ إذ تبدلت لعبة الزواج، إلى غضب من والدته وخالته، “لم أتجاوب مع الأمر، جسدي ارتجف، ولم أعرف ما علي فعله، عندما وجدت زوجة عمي وأختها تدخلان إلى غرفة النوم، ولم تفلحا بإقناعي أن كل شيء سيكون بخير، بكيت، أحرجت، طالبت بالعودة إلى البيت وبحضن أمي، اشطاتتا غضبا”.
زاد الخوف، أكثر، تصلب جسدي، فقدت الوعي، ووجدت نفسي مطلقة بعد أسبوع من الزواج، متهمة بأني لم أفرح بهذا الزواج وأني أسأت لرجولته.
قصة دعاء بدأت من عائلة تعتبر أن من تكمل عشرين عاما من دون زواج فهي متأخرة؛ إذ تزوجت أخواتها وبنات عمها منذ سن البلوغ، فهن جاهزات للذهاب إلى بيت الزوجية.
ما حدث مع دعاء يصفه اختصاصي علم الاجتماع د. محمد جريبيع، أنه “زواج الأطفال”، والغريب أن بعض العائلات في المناطق الشعبية والمحافظات تعتبره الطريقة الصحيحة للحفاظ على العادات والتقاليد، وإبعاد شبح العنوسة.
الخبير في مواجهة العنف لدى مؤسسات الأمم المتحدة، ومستشار أول الطب الشرعي د. هاني جهشان، يعتبر الزواج المبكر انتهاكا للمبادئ الأساسية للصحة الإنجابية، والمقصود توفر علاقة جنسية متكافئة بين الزوجين، والقدرة الجسدية على الحمل الطبيعي والولادة الطبيعية، والقدرة على اتخاذ القرار بتحمل مسؤولية رعاية الطفل من الناحيتين النفسية والاجتماعية، وباعتماد تعريف منظمة الصحة العالمية بأن “الصحة هي اكتمال المعافاة الجسدية والنفسية والاجتماعية وليس مجرد انتفاء المرض”.
الانتهاك الذي حصل مع دعاء، بدأ منذ بلغت الـ13 من عمرها؛ إذ أصبحت تظهر لا إراديا في حفلات الزفاف، بعد أن قررت والدتها أنها فتاة كبيرة ولا بد أن يأتيها “طلاب اليد”، وعليه غيرت طريقة لباسها لتصبح أكبر سنا، وبات الكعب العالي رفيقها في كل مكان باستثناء المدرسة.
كان عليها أيضا أن تسدل شعرها، “شعرت أني كبرت أكثر من عشرة أعوام، كنت أعتقد أني ألعب، فالكل يراني فتاة جميلة، وأجد والدتي تتحدث بسرية لمجموعة من النساء، ينظرن إلي ويتبادلن نظرات الإعجاب والضحك، وأشعر بالخجل من دون أن أعلم السبب”.
وبعدها عرفت أنها طريقة لنشر خبر بلوغها، كما تعرضت للموقف ذاته بنات عمها من قبلها، وهنا يقول جريبيع “البنت ما لها إلا بيت الزوجية” من الأمثلة الرائجة عند هذه العائلات، التي تتجاهل حملات التوعية، وما يزال هذا الزواج موجودا، والقانون غير منصف لعمر الزواج، ففي حالات معينة يراها القاضي من الممكن أن يتم الزواج.
وتظهر الأرقام الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة تسجيل 10434 حالة زواج لفتيات دون سن الـ18 خلال العام 2017 مسجلة انخفاضا طفيفا بـ500 حالة مقارنة بالعام 2016.
وعلى الرغم من وجود تشريعات في الأردن تحظر زواج من عمره أقل من 18 سنة، إلا أن كثيرا من حالات زواج الأطفال تخضع للقواعد العرفية أو الدينية باستثناء يوافق عليه القاضي الشرعي، فقد نصت المادة (10) من قانون الأحوال الشخصية الأردني على أن “أ- يشترط في أهلية الزواج أن يكون الخاطب والمخطوبة عاقلين وأن يتم كل منهما ثمانية عشرة سنة شمسية من عمره. ب- على الرغم مما ورد في الفقرة (أ) من هذه المادة يجوز للقاضي وبموافقة قاضي القضاة أن يأذن في حالات خاصة بزواج من أكمل الخامسة عشرة سنة شمسية من عمره وفقاً لتعليمات يصدرها لهذه الغاية إذا كان في زواجه ضرورة تقتضيها المصلحة ويكتسب من تزوج وفق ذلك أهلية كاملة في كل ما له علاقة بالزواج والفرقة وآثارهما.
وقرر مجلس النواب، مؤخرا، رفع سن الزواج إلى من أتم 16 عاما، فيما يعتبر جهشان أن زواج طفلة أو يافعة قبل أن تصل لعمر 22 عاما لا يتصف بأي حال من الأحوال بالمعافاة الجسدية والنفسية والاجتماعية، ولا يحقق مبادئ الصحة الإنجابية الأساسية، باعتبار أن هذا الزواج لا يتوقع أن تكون العلاقة الجنسية به متكافئة، إضافة إلى غياب الاستعدادين النفسي والاجتماعي في هذا العمر المبكر للتعامل مع الأطفال.
ويشدد على أن الزواج المبكر يشكل انتهاكا صارخا لقيم إنسانية لها علاقة بالطبيعة البشرية، وهي القرار الناضج بمفهوم ممارسة الجنس والقرار الواعي بالإنجاب، فالفتيات اللواتي يتزوجن بعمر مبكر لا يكن قادرات على استخدام وسائل تنظيم الأسرة إن كان ذلك بسبب عدم المعرفة بوسائل التنظيم أو بسبب إرغامهن على حمل قسري وبالعادة تكون ولادة أول طفل لهن في العام الأول لزواجهن.
ويؤكد جريبيع وجود عواقب اجتماعية متعلقة بالزواج المبكر والقسري؛ إذ تمنع الفتاة من العيش حياة كريمة تتمتع بكامل حقوقها، خصوصا حقها في اللعب والعلم واكتمال الصحة والجسد، مشيرا إلى أن زيادة معدلات الطلاق مرتبطة بزواج القاصرات، في ظل المسؤوليات التي تلقى على طفلات.
وتبين مديرة مركز تمكين للدعم والمساندة ليندا كلش، أن أي زواج قسري هو اتجار بالبشر، بينما ليس كل زواج لقاصر هو كذلك، بسبب فكرة الإجبار على الزواج لأجل العمل أو المال.
وعلى الرغم من التعليمات الصادرة من دائرة قاضي القضاة بموجب الفقرة (ب) من المادة 10 من قانون الأحوال الشخصية المؤقت رقم 36 للعام 2010 التي تنص على شروط منح الأذن على ألا يتجاوز فارق السن بين الطرفين خمسة عشر عاما، بينما تنص المادة 11 على أنه: “يمنع إجراء العقد على امرأة إذا كان خاطبها يكبرها بأكثر من عشرين سنة إلا بعد أن يتحقق القاضي من رضاها واختيارها”، أظهر تقرير الزواج للعام 2017 أن 9 عقود كان الفارق فيها 50 عاما.
أما العواقب النفسية، فيؤكد اختصاصي علم النفس د. موسى مطارنة، أن الزواج القسري أو الزواج المبكر يشكل اضطرابا حقيقيا في شخصية الفتاة أو حتى الذكر إن كان صغيرا في بعض المجتمعات، بالبعد عن الأهل والقرب من عائلة أخرى وزوج وحتى العلاقة الجنسية في عمر مبكر تؤدي إلى حالة نفسية صعبة.
ومن الممكن أن تؤدي إلى الاكتئاب والقلق والتوتر وعدم الاستقرار العاطفي، خصوصا إذا ترافق مع حمل مبكر.
ويؤكد أن هذا الزواج يعني القضاء على جيل كامل وجيل لاحق، فهذه الطفلة التي هي عروس ستكون أما لطفل بعد أقل من عام في العادة، فطفلة تحمل بطفل، أمر صعب بكل تفاصيله.
فالزواج حالة اجتماعية لها الكثير من الالتزامات كتحمل الفكرة والتأكد من قدرة الطرفين عليها، والعائلات في الطرفين والظروف الاجتماعية والخبرات المتراكمة التي تساعد على أن تجعل من الزواج أمرا ناجحا، جميعها أمور تجعل من زواج القاصرات أمرا مستحيلا لا يقبله العقل أو المنطق.

هذه المخاطر الطبية المباشرة تمتد إلى فترة ما بعد الحمل والولادة إلى مضاعفة احتمالية وفاة الطفل الرضيع في السنة الأولى من عمره، بما يعرف بوفاة المهد، وكذلك تمتد إلى صحة الأم المستقبلية بزيادة احتمال تعرضها للأمراض المزمنة الشائعة كارتفاع الضغط والسكري، وزيادة عدد أحمالها وما يتبع ذلك من عواقب ومضاعفات قد تهدد حياتها.

وينص قانون الأحوال الشخصية الأردني: إذا بينت الفتاة للقاضي أو للمأذون قبل حصول العقد عدم موافقتها على الزواج فإنه لن يمضي بإجراءات الزواج ولن يكون هناك ارتباط، إما إذا وافقت الفتاة على أن تتزوج على مضد، أو أنها مضت في الإجراءات فإن الزواج لا يعد غير قانوني لأن القاضي لن يعرف عن رفضها الزواج إلا إذا عبرت على ذلك صراحة.
وورد في البند الثاني من المادة 16 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة على أن “1- تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في الأمور كافة المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية، وبوجه خاص تضمن، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة: (ب) نفس الحق في حرية اختيار الزوج، وفى عدم عقد الزواج إلا برضاها الحر الكامل. 2- لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي أثر قانوني، وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية، بما في ذلك التشريعي منها، لتحديد سن أدنى للزواج ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي أمرا إلزاميا.
وطالبت المادة 24 من اتفاقية حقوق الطفل الدول باتخاذ الإجراءات التي من شأنا وضع حد للممارسات التقليدية الضارة بما في ذلك على سبيل المثال الزواج القسري والزواج المبكر.
وأوصت اللجنة العام 1994 على أن يكون الحد الأدنى لسن زواج الفتيان والفتيات على السواء 18 عاما.
وتتعدد دوافع الزواج المبكر والزواج بالإكراه، بحسب جهشان، ومنها العادات والتقاليد والثقافة السائدة في المجتمع، وتخفيف العبء الاجتماعي عن الأسرة والخلاص من وصمة العنوسة، إضافة إلى تزويج الفتاة التي تجاوزت الثامنة عشرة لتخفيف العبء الاقتصادي على الأسرة، وتأمين مستقبل الفتاة بزواجها من غني ميسور الحال.
ويلفت جهشان إلى دور الطب الشرعي في إثبات العنف الجسدي الواقع على الزوجة من زوجها، إلا أن قانون العقوبات الأردني كمعظم قوانين العقوبات في دول العالم لم يجرم هذا الفعل، ولا يعتبرها جريمة تستحق العقاب، فتعبير الاغتصاب الزواجي غير وارد بالقانون الأردني.
ويتفق جهشان وجريبيع على ضرورة الحد من هذه المشكلة، وذلك يكون من خلال التوعية للمراهقات بحقوقهن في رفض هذا الزواج ومخاطرة وكذلك توعية الأهالي بعواقبه الجسدية والنفسية على ابنتهم، وهذا يحتاج إلى جهود كبيرة جدا في زيادة الوعي والعمل عليه بشكل منظم وموسع.
وفي دراسة أجراها مركز تمكين للدعم والمساندة وربط الزواج القسري بالاتجار بالبشر، فعرفت الدراسة “تزويج القاصرات” بأنه الزواج الذي يكون فيه أحد الطرفين على الأقل طفلا، ووفقا لاتفاقية حقوق الطفل، فإن الطفل هو “كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه”، أما الزواج القسري فهو أي زواج يحدث من دون موافقة أحد الطرفين أو الطرفين معا موافقة تامة وحرة و/أو حين لا تكون لدى أحد الطرفين أو الطرفين معا القدرة على إنهاء الزواج أو الانفصال، لأسباب منها الإكراه أو الضغط الاجتماعي أو الأسري الشديد.
وأشارت لجنة حقوق الطفل إلى أنه ينبغي اعتبار عدد من أحكام اتفاقية حقوق الطفل أحكاما تنطبق على مسألة تزويج الأطفال، بما في ذلك الفقرة 3 من المادة 24، التي تنص على أنه ينبغي للدول الأطراف أن “تتخذ جميع التدابير الفعالة والملائمة بغية إلغاء الممارسات التقليدية التي تضر بصحة الأطفال”، وعرفت اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة ولجنة مناهضة التعذيب أيضا، تزويج الأطفال بأنه ممارسة ضارة تؤدي إلى إلحاق الضرر البدني أو العقلي أو الجنسي أو المعاناة، والتهديد بهذه الأفعال.
أما بخصوص الزواج القسري، فتبين الدراسة أن الاتفاقية التكميلية تلزم بإبطال الرق وتجارة الرقيق والأعراف والممارسات الشبيهة بالرق (الاتفاقية التكميلية) الدول بأن تتخذ جميع “التدابير التشريعية وغير التشريعية القابلة للتنفيذ العملي والضرورية” لإبطال أو هجر الأعراف والممارسات المختلفة التي ترقى إلى حد الزواج القسري، ومنها مثلا الوعد بتزويج امرأة أو تزويجها، من دون أن تملك حق الرفض، بعد دفع مال لوالديها أو للأوصياء عليها أو لأسرتها أو لشخص آخر أو لمجموعة أشخاص آخرين.
وتؤكد منظمة اليونيسيف أن الحق في الموافقة الحرة والكاملة في الزواج هو حق معترف به في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مع الإشارة إلى أن هذه الموافقة لا يمكن أن تكون حرة أو كاملة عند أحد أطراف الزواج عندما يكون ذلك الطرف ليس ناضجا بما فيه الكفاية لاتخاذ أي قرار مستنير بشأن شريك حياته.
ويقع كل من الفتيان والفتيات ضحية لمثل هذا النوع من التزويج، إلا أن غالبية الضحايا من الإناث، وإن الآثار الصحية الناشئة عن مثل هذا النوع من التزويج تصيب الفتيات بشكل أكبر، خاصة الآثار الإنجابية.
قد يعجبك ايضا