ما هي حقيقة حدوث عواصف شمسية بعام 2018 ستكون مدمرة لكوكب الأرض؟
حصاد نيوز – قلل خبراء وأكاديمون فلكيون، من قوة تأثير العاصفة الشمسية الضخمة التي ستتجه نحو الأرض بعد غدٍ الثلاثاء، حسب ما ذكرته الصحف العالمية من معلومات صادرة عن وكالة الفضاء الاميركية ‘ناسا’.
ويرى نائب رئيس الجمعية الفلكية الأردنية الدكتور حنّا صابات أن المعلومات الواردة التي يتم تداولها على الشبكة العنكبوتية حول مدى تأثير العاصفة الشمسية المتوقعة، على الأقمار الصناعية وربما قطع إمدادات الطاقة، لا تشكل خطراً على كوكبنا بقوتها المتوقعة، وهي ليست المرة الأولى التي تنتشر بها أخبار مشابهة حول العواصف الشمسية.
ويمكن القول وبشكل قاطع حسب الدكتور صابات أن التنبؤ بخطر هذه العواصف الشمسية عبارة عن تكهنات لا تستند إلى حقائق علمية واضحة، بل وصلت إلى حدّ المبالغة والتهويل، من خلال التفسيرات العلمية لحدوث تلك العواصف التي قد تنتج عن إنفجار هائل في الغلاف الجوي للشمس يُعرف’ بالوهج الشمسي’، لافتاً أن ثمة مغالطات علمية فادحة على هذا النحو.
وأشار إلى أن الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي ‘نوا’ NOAA في الولايات المتحدة، قالت: كان من المتوقع حدوث عاصفة جيومغناطيسية ضعيفة جداً يومي 14 و 15 آذار (مارس) الحالي، من المستوى G1 الذي هو أضعف أنواع هذه العواصف (أقواها يكون من المستوى G5). بحيث يكون تأثيرها ضعيف جداً سواءًا على الاتصالات أو على الأقمار الصناعية أو على شبكات توليد الطاقة الكهربائية وتوزيعها.
وحول التفسير العلمي للظاهرة، أكد الدكتور صابات أن المتخصصون في الفيزياء الشمسية يرون بأن الشمس تمر في فترات نشاط وخمول دوريين، وأن متوسط الدورة الواحدة – من ذروة النشاط الشمسي إلى ذروته التالية – تستغرق نحو 11 عاماً.
ومن مظاهر ازدياد النشاط الشمسي هو زيادة عدد البقع المرصودة على سطح الشمس (ما يعرف أيضاً بالكلف الشمسي sunspots)، وهي مناطق من سطح الشمس تكون أبرد نسبياً من المناطق المحيطة بها. وعند بلوغ الشمس ذروة نشاطها، يكون عدد البقع الشمسية قد وصل إلى ذروته أيضاً.
وأضاف: لكن الأمر لا يقتصر على البقع الشمسية؛ فهناك أيضاً ما يدعى ‘بالرياح الشمسية’ solar wind ، التي هي تدفقات للجسيمات الخارجة من سطح الشمس (بروتونات وإلكترونات بشكل رئيسي). وتكون هذه الرياح الشمسية بطيئة الحركة نسبياً وقليلة الشدة عند حضيض النشاط الشمسي.
ومع ازدياد النشاط الشمسي تزداد سرعة هذه الرياح وشدتها، تماماً كما تزداد وتيرة وشدة الكثير من الظواهر الجوية الشمسية الأخرى، ومنها الاندلاعات الشمسية solar flares والانبعاثات الكتلية الإكليليةcoronal mass ejections . ويترافق مع ذلك كله ازدياد في شدة الإشعاع الحراري للشمس بنسبة تصل إلى نحو واحد بالألف، وكذلك ازدياد في شدة الإشعاعات الشمسية قصيرة الطول الموجي (في نطاقات الأشعة فوق البنفسجية والسينية).
وأما عن تأثير ذلك على الكرة الأرضية؛ بين الدكتور صابات أن الرياح الشمسية تتحرك في كافة الاتجاهات، ولدى اقتراب جسيمات هذه الرياح (وهي مشحونة كهربائياً) من الأرض، فإن المجال المغناطيسي الأرضي يحرفها باتجاه القطبين المغناطيسيين الشمالي والجنوبي للأرض، فتتفاعل هذه الجسيمات مع ذرات الهواء في الطبقات العليا للغلاف الجوي الأرضي، مشكلة ما يعرف بالشفق القطبي aurora.
أما عند ذروة النشاط الشمسي ولدى خروج اندلاعات قوية وسريعة بالإضافة إلى الانبعاثات الكتلية الإكليلية من الشمس، تحتاج هذه المادة الشمسية من 18 إلى 36 ساعة للوصول إلى الأرض (إذا تصادف خروج هذه الانبعاثات باتجاه الأرض).
كما وتتأثر الجسيمات المشحونة التي تحملها هذه الاندلاعات بالغلاف المغناطيسي الأرضي فتتجمع بالنهاية عند المناطق القطبية من الغلاف الجوي الأرضي. ولو كانت الاندلاعات قويةً جداً، فإن الجسيمات المشحونة قد تصل إلى خطوط عرض دنيا (المناطق المعتدلة من الأرض)، وهذا ما يدعى بالعاصفة الجيومغناطيسية geomagnetic storm.
تشير الدراسات الأولية إلى وجود تأثيرات ضئيلة لمثل هذه النشاطات على الكائنات الحية والإنسان بفضل الحماية التي يوفرها الغلافين المغناطيسي والجوي للأرض. أما الخطر الأكبر فيكون على رواد الفضاء الموجودين في مدار حول الأرض.
أما الخطورة الحقيقية بالنسبة لنا (قاطني الأرض)، فتكمن في التأثيرات السلبية للعواصف الجيومغناطيسية على الأنظمة التكنولوجية. ومع أن العاصفة الواحدة قد تستغرق بين يومين إلى أربعة أيام – بحسب شدتها، فإن عمليات إصلاح الأضرار الناتجة عن هذه التأثيرات قد تحتاج بين عدة أسابيع إلى عدة أشهر (مرة أخرى بحسب شدة العاصفة ومدى شموليتها لمناطق الكرة الأرضية).
وأشار الدكتور صابات إلى أن أهم هذه التأثيرات هو:أنظمة الاتصالات، على انعكاس الأمواج الراديوية عن طبقة الأيونوسفير (الطبقة المتأينة؛ وأنظمة الملاحة الفضائية: بسبب التغيرات الحاصلة في طبقة الأيونوسفير الأرضية خلال العاصفة الشمسية؛ والأقمار الصناعية: تؤثر العواصف الجيومغناطيسية وكذلك الزيادة في شدة الأشعة فوق البنفسجية الشمسية على الغلاف الجوي الأرضي، وذلك من خلال تسخين هواء الغلاف الجوي وجعله يتمدد، مما يزيد من مقاومة الهواء لحركة الأقمار الصناعية ذات المدارات المنخفضة، مما يجعلها تبطئ من سرعتها لدرجة قد تسقطها تدريجياً باتجاه الأرض وتحترق في الغلاف الجوي. وأنظمة توليد الطاقة الكهربائية ونقلها: إن التغيرات في المغناطيسية الأرضية خلال العاصفة الجيومغناطيسية تولد تيارات كهربائية مستمرة في أسلاك (كوابل) نقل الطاقة الكهربائية – بخاصة تلك الأسلاك التي تعبر مسافات طويلة، مما قد يسبب أضراراً لها وكذلك للمولدات والمحولات الكهربائية.
إذاً؛ هل ستحدث سيناريوهات مشابهة لما ذكرنا أعلاه خلال ذروة النشاط الشمسي المقبلة؟ ينبغي التأكيد أننا لا نملك إجابة يقينية عن هذا التساؤل- طبقاً لمعارفنا العلمية الحالية. فهناك عوامل كثيرة ينبغي أن تجتمع معاً حتى تحدث عاصفة جيومغناطيسية قوية ذات تأثير مدمر—ولا بد من وجود عوامل أخرى ما زلنا نجهلها. فهذا الفرع من علوم الفضاء المسمى بطقس الفضاء space weather هو علم حديث نسبياً (أحدث بكثير من علم الأحوال الجوية meteorology التقليدي). ولأجل المقارنة، نعرف أن احتمال حدوث العواصف الرعدية وتساقط الأمطار يزداد خلال فصل الشتاء، إلا أن أحداً لا يستطيع مسبقاً التنبؤ بدقة بزمان ومكان حدوث العاصفة الرعدية وبشدتها (لا يمكننا فعل ذلك قبل 7 إلى 10 أيام كحد أقصى). كذلك، كل ما يمكن قوله حالياً أن احتمال حدوث عاصفة جيومغناطيسية يزداد خلال فترة ذروة النشاط الشمسي. إلا أن أحداً لا يستطيع التنبؤ مسبقاً وبدقة بإمكانية حدوث مثل هذه العواصف وبمدى تأثيرها على الأرض.
وحسب خبراء فإنه لا ينبغي الاستهانة بالعواصف الجيومغناطيسية أو التقليل من خطورتها في حال حدثت؛ فحدوث عاصفة جيومغناطيسية شاملة تدمر أنظمة الاتصالات والأقمار الصناعية وأنظمة توليد الطاقة الكهربائية وتوزيعها- قد يعيد البشرية إلى العصر الحجري – يبقى احتمال وارد يوماً ما! أما من ناحية الكلفة البشرية والاقتصادية لذلك فلا تقدر بثمن (تخيلوا عالمنا المعاصر بلا كهرباء أو اتصالات … بلا أنظمة بنكية أو مستشفيات … بلا متاجر أو مصانع !!).
إنه سيناريو مرعب أقرب ما يكون إلى الخيال العلمي، إلا أنه مع الأسف ممكن الحدوث. لذا، فقد بدأت بعض الدول – خاصة الكبرى منها – باتخاذ التدابير والإجراءات للوقاية من التأثيرات السلبية لحدوث عاصفة جيومغناطيسية شاملة على الأرض من خلال إنشاء أنظمة إنذار مبكر. وشكلت لهذه الغاية لجان خاصة وعقدت ندوات ومؤتمرات. فأين الدول العربية من هذا كله؟ متى ستتنبه حكومات هذه الدول – وصناع القرار فيها- إلى أهمية علوم الفضاء والفلك؟ فهذه العلوم ليست – ولم تكن يوماً – نوعاً من ‘الترف العلمي’؟!