ضريبة الدخل.. الحكومة لن تمضي في أي سيناريو دون حوار وطني معمق

40

حصاد نيوز – في البدء لا خلاف على أن اصلاح النظام الضريبي كجزء من الإصلاح الاقتصادي عملية مهمة لمعالجة اختلالات كثيرة أولها التعدد والتشابك سواء بالنسب أو بالاعفاءات بما في ذلك تحقيق مبدأ العدالة وهو إصلاح تعلن كل يوم دول كثيرة سيرها في هذا الاتجاه لإصلاح اقتصادياتها الغني منها قبل الفقير في ظل التغييرات التي يشهدها العالم. الثغرات التي اعترت قوانين الضريبة أتاحت مساحة واسعة ليس للتهرب فحسب بل في استغلال الاعفاءات لتقليص الضريبة المدفوعة وتحويلها إلى أرباح.

ثمة سيناريوهات عديدة على الطاولة لم يرسُ الخيار على أي منها وهي تخضع للدراسة وستأخذ وقتها الكافي في مجلس الوزراء أو عبر الحوار مع الفاعليات الإقتصادية والإجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني قبل أن تنضج لتبدأ مرحلة نقاش أوسع في مجلس الأمة وما السيناريو الذي تم الحديث عنه الا واحد منها لكنه لم يصل إلى مرحلة البحث.
معروف أن قانون ضريبة الدخل ليس قانونا ماليا صرفا يهدف فقط الى زيادة الحصيلة الضريبية بل هو جزء من إصلاح سياسي وإقتصادي وإجتماعي يهدف بالدرجة الأساس الى تحقيق العدالة الضريبية بين مختلف شرائح المجتمع ويوفر حماية للشريحتين الأقل دخلا والمتوسطة بالنظر الى ما يتضمنه من توسيع للاعفاءات الممنوحة الأفراد والتخلص من أخرى كثيرة اتسمت بالازدواجية والتشتت, عبر إيجاد اطار قانوني موحد وشفاف وشامل لكافة أنواع الضرائب بما يساعد على ازالة التعقيدات في القوانين الحالية وتبسيطها على دافعي الضريبة أو على العاملين في المجال الضريبي.
بعض الأراء تعتبر تعظيم القانون لمزايا الطبقة الوسطى, والاعتناء بها سخاء حكوميا لا لزوم له, وبعض الاراء تؤكد أن إنصاف وتقوية هذه الطبقة عملية تتم عبر قانون الضريبة مع أن تحريك وتنشيط الطبقة الوسطى بازالة الأعباء الضريبية عن كاهلها هو مصلحة اقتصادية, وقد أصبح نهجا سائدا في العالم الذي بات يعترف بدور هذه الطبقة التي واجهت تهميشا بينما كان اقتصاد السوق يبالغ في تسمين الشرائح العليا.
مثل هذه السيناريوهات من وجهة نظر البعض تنطوي على مجازفة, لكن باليد الأخرى فان الخيارات تبدو محدودة جدا, فكما يبدو أن الاعتماد المستمر على المساعدات والمنح ان كان لتمويل عجز الموازنة أو تمويل المشاريع لن يصمد طويلا أمام اتجاهات تراجع مخصصات الدول المانحة التي بدأت تشد الحزام من جانبها وتعاني من مشكلات داخلية, ومن جهة أخرى فان الاستدانة, تعني بالضرورة زيادة الضغوط على الخزينة, وبالتالي تنامي العجز بأكثر من المحتمل, والنتيجة أن ثمة حاجة أكثر من ملحة, للبدء فورا بتنفيذ خطة التحفيز الإقتصادي التي أقرت أخيراً.
هناك معادلة صحيحة وهي تقول أن الدعم في كل شيء يجب أن يوجه للمستفيدين لكن تقليل سقف الإعفاءات للأفراد لا يخدم تخفيف العبء الضريبي عن الأقل دخلا من أصحاب الدخول المرتفعة تحقيقا لمعادلة الأخذ من الغني لخدمة الفقير.
الجدل المبكر حول سيناريو تقول الحكومة أنه ضمن سيناريوهات أخرى في قانون ضريبة الدخل يدور حول تخفيض نسبة الإعفاءات, والمتضرر منها هم شريحة الموظفين في القطاع العام تحديدا وهم المستفيد الأكبر من الإعفاءات الهائلة وهم أيضا عماد الطبقة الوسطى بينما أن للحكومة مصلحة في تخفيف العبء الضريبي والتوسع في الاعفاءات للشرائح الاقل دخلا من ناحيتين الأولى أنها سترسخ مبادئ أعلنتها بأن تكون خط الدفاع الاول عن هذه الشرائح خصوصاً وأنها تعهدت بأن توفر لها الحماية من العسرات الاقتصادية والثانية فانها تبرهن على انسجام توجهاتها مع الدستور.
جوهر القانون كما فهم هو الحد من التهرب ومن الفاقد الضريبي وهو التوصيف الجديد للإختلالات التي يعاني منها القانون بنسخته الحالية والتي قدرته الحكومة بنحو 1.9 مليار دينار، منها 834 مليون دينار اعفاءات ضريبية و 370 مليون دينار متأخرات ضريبية بينما يبلغ حجم التهرب الضريبي وحده 695 مليون دينار منها 200 مليون دينار تهرب من ضريبة الدخل والارباح و 495 مليونا دينار تهرب من ضريبة المبيعات.
ما يثير الإستغراب أن تأخذ ردود الفعل ازاء سيناريو غير مؤكد منحى سلبيا دون إنتظار البدء في حوار سيطول بشأن سيناريوهات عديدة لن تقر ما لم تحظ بتوافق.
الحكومة وفقا للمسؤولين فيها ستجري حوارا وطنيا مع اصحاب الاختصاص من القطاع الخاص ومجلس الأمة قبل اجراء اي خطوة فعلية ازاء مشروع القانون بما يكفل مصلحة جميع الاطراف وعدم المساس بالطبقات المتوسطة والفقيرة في المملكة رغم الوضع الصعب الذي يمر به الاقتصاد الوطني من تفاقم العجز والمديونية ، مؤكدا ان في ذات الوقت ان اي تعديل للقانون سيوازن بين حاجة الخزينة ومصلحة الدولة بكافة مكنوناتها.
ويقول مسؤولون إن أي توجه يعرض أولاً على رئيس الوزراء الذي بدوره يوجه بعد النقاش فيما إذا كان ذلك هو الأنسب أم يجب البحث عن بدائل أخرى أكثر منطقية وقبولاً، وهذا لم يحصل في موضوع ضريبة الدخل بمعنى أنه لم يعرض ولم يتخذ فيه قرار وبقي في إطار سيناريو ضمن سيناريوهات أخرى ستخضع للنقاش والبحث.
ورغم الحاجة الملحة لتوفير مصادر دخل في ظل الدين العام الذي وصل قرابة 5ر26 مليار دينار والعجز الذي تجاوز 674 مليون دينار في الشهور السبعة الاولى من العام ، الا ان الحكومة تؤكد البحث عن بدائل لتقليص الدين والعجز لضمان عدم المساس بالطبقات الفقيرة والمتوسطة التزاماً بالتوجيهات الملكية إزاء ذلك، حسبما فسر المصدر المسؤول في تصريحه مؤكدا ان مشروع القانون المعدل لقانون ضريبة الدخل لن يمس بشريحتي الـ12 و24 الف دينار.
قد يعجبك ايضا