تقرير : استمرار الاحتجاجات العمالية عند مستويات أقل مما كانت عليه
حصاد نيوز – خلص التقرير السنوي السابع حول الاحتجاجات العمالية لعام 2016 الى أن الاحتجاجات العمالية التي جرت في الأردن العام الماضي ازدادت بمقدار 22 % عن ما كانت عليه في عام 2015، حيث بلغ عددها 288 احتجاجا عماليا، مقارنة مع 236 احتجاجا في عام 2015.
واشار التقرير الذي اصدره مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية بالتعاون مع مؤسسة فريدريش ايبرت الألمانية أمس السبت، أنه بالرغم من استمرار الاحتجاجات العمالية عند مستويات أقل من ما كانت عليه في أعوام 2011-2013 ، الا أن اعدادها ما زالت ملفتة، وتعكس اختلالات جوهرية في علاقات العمل وتعكس توترات في سوق العمل الأردني.
واشار التقرير أن كثافة الاحتجاجات العمالية تعكس عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها الأردن، حيث استمرار تراجع مؤشرات العمل اللائق، واستمرار انخفاض مستويات الأجور وتفاوتها، واتساع رقعة التهرب التأميني، وارتفاع العبء الضريبي على المجتمع.
ويرى التقرير أن سوق العمل في الأردن ما زال يعاني من فجوات كبيرة في تطبيق معايير العمل اللائق والمبادىء والحقوق الأساسية في العمل بمختلف أبعادها ومؤشراتها، من حيث التشريعات والسياسات والممارسات، سواء من حيث توفير فرص العمل الكافية واللائقة، وتوفير كافة أشكال الحماية الاجتماعية للعاملين وتمكين كافة العاملين من ممارسة حقهم في التنظيم النقابي واتلمفاوضة الجماعية وتعزيز الحوار الاجتماعي حول كافة السياسات التي تمس مصالح مختلف اطراف الانتاج، والقضاء على كافة أشكال العمل الجبري المنتشر بشكل كبير في العديد من قطاعات العمل، والقضاء على التمييز في الاستخدام والمهنة وفق مختلف المعايير، وحماية كافة الفئات المهمشة في سوق العمل من أطفال ونساء وأشخاص ذوي اعاقة.
ويرى التقرير أن من شأن استمرار حالة الانكار والاهمال للفجوات الحقيقية التي يعاني منها سوق العمل في الأردن أن يعمق الاختلالات الاجتماعية، والتي ستؤدي بالضرورة الى عدم استقرار على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسة، مما يؤثر سلبا على استقرار الأردن بشكل عام.
وأفصح التقرير عن أن المشهد الاحتجاجي في عام 2016 شهد استمرار الحكومة واصحاب الأعمال في التعامل السلبي مع الاحتجاجات العمالية سواء في عدم الاستجابة لمطالب المحتجين، أو منع بعض العاملين من الاحتجاج، أو ايقاع العقوبات الادارية بحق النشطاء النقابيين، أو في توقيفهم من قبل الحكام الاداريين، الى جانب وقف بعض الاحتجاجات العمالية بالقوة. حيث اعتقال ثمانية من المعتصمين العاملين وممثلي العمال في سلطة منطقة العقبة الاقتصادية بسبب اعتصامهم، وجرت محاولات لفض الاحتجاج بالقوة أكثر من مرة. وجرى كذلك إغلاق ساحة اعتصام سائقي العمومي على دوار المشاغل في منطقة طبربور لمنعهم من الاحتجاج، كذلك تم فض أكثر من اعتصام للمتعطلين عن العمل في محافظة مأدبا الذي جاء للمطالبة بتوفير فرص عمل. وتم فض اعتصام سائقي سرافيس في محافظة اربد، وتم كذلك فض اعتصام سائقي خط سفريات عمّان السعودية الذي جرى تنفيذه بسبب منع السلطات السعودية للسيارات الأردنيّة العاملة على الخط، دون سنة صنع 2010 من دخول أراضيها. وتم منع قوات الامن العاملين في شركة الأبيض للأسمدة والكيماويات من تنفيذ اعتصامهم أمام مجلس النواب. كذلك تم فض احتجاج بحارة الرمثا من قبل قوات الامن، وجاء الاحتجاج بسبب معارضة البحارة لتعامل بعض موظفي الجمارك معهم حيث وصفوه بالسيء، ومنع حملة شهادة الدكتوراة من ذوي الاعاقة الحركية من إقامة اعتصامهم أمام السفارة السويدية.
التوزيع القطاعي للاحتجاجات
بلغ عدد الاحتجاجات التي نفذها العاملون في القطاع الخاص ما مجموعه 185 احتجاجا عماليا وبنسة (64%) من مجموع الاحتجاجات، فيما نفذ العاملون في القطاع العام ما نسبته (23%) وبواقع 67 احتجاجاً عمالياً، فيما نفذ المتعطلون عن العمل 36 احتجاجاً وبنسبة (13%) من مجموع الاحتجاجات العمالية. وأشار التقرير الى التراجع الملموس للاحتجاجات العمالية في القطاع العام، حيث بلغت في عام 2011 ما نسبته (58.5%).
وفي تفسيره لتراجع هذه النسبة، أشار أحمد عوض مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية الى هنالك عدة أسباب أدت الى تراجع الاحتجاجات العمالية فياقطاع العام مقارنة مع القطاع الخاص، وتمثلت في تراجع زخم الأحتجاجات العمالية بشكل عام، والتغييرات الهيكلة التي جرت على رواتب وموظفي القطاع العام والتي أدت الى زيادة أجور قطاعات واسعة منهم، هذا الى جانب ايقاع العديد من العقوبات بحق العديد من النشطاء النقابيين العاملين في القطاع العام وتشديد عمليات التضييق عليهم.
وأشار التقرير الى زيادة نسبة الاحتجاجات العمالية في القطاع الخاص مقارنة مع القطاع العام، والتي يمكن تفسيرها باستمرار تراجع شروط العمل المختلفة، خاصة في جانب الأجور واستمرار بقائها عند مستويات منخفضة. أما المتعطلون عن العمل فقد استمر ارتفاع نسبة الاحتجاجات لديهم والذي يعود في جانب كبير منه الى ارتفاع معدلات البطالة خلال السنوات الاخيرة، حيث سجلت في الربع الرابع من عام 2016 (15.8%)، وهي نسبة غير مسبوقة من ما يقارب عشر سنوات.
انواع الاحتجاجات
واشار التقرير الى أن عدد الاعتصامات العمالية بلغ 162، بنسبة (56.0%)، أما الإضرابات العمالية فكان عددها 71، بنسبة (25.0%)، وبلغ عدد التهديدات بإجراءات احتجاجية 41 تهديداً، بنسبة (14.0%)، أما التهديد بإيذاء النفس او ايذائها (الانتحار) فقد بلغ عددها 14 احتجاجا بنسبة (5.0%). كذلك أفاد التقرير أنه وبالرغم من أن فريق المرصد العمالي الأردني رصد 14 حالة تتعلق بالعمل بشكل مباشر، إلا أن الأردن وخلال عام 2016 شهد 117 حالة انتحار، جزء غير قليل منها كان لأسباب اقتصادية، مرتبطة بشكل غير مباشر بالعمل.
أسباب الاحتجاجات
وأفصح التقرير عن تعدد الأسباب التي نفذت لأجلها الاحتجاجات العمالية لتشمل المطالبة بزيادة الأجور والعلاوات، وتحسين المنافع والحوافز للعاملين، والاعتراض على الفصل من العمل، والمطالبة بالتثبيت في أماكن العمل، إلى جانب أسباب أخرى. وتشير الأرقام أن أولويات العاملين بأجر في الأردن تركزت في المطالب العمالية متعددة الأهداف اذ احتلت المرتبة الاولى لأول مرة منذ ست سنوات، بواقع 86 احتجاجا، بما نسبته 30% من مجمل الاحتجاجات. تلا ذلك الاحتجاجات على تطبيق تعليمات وأنظمة جديدة سببت أضراراً للعاملين بواقع 73 احتجاجا مشكّلة ما نسبته 25% من مجمل الاحتجاجات، فيما احتلت المطالبات بتوفير فرص عمل المرتبه الثالث بواقع 36 احتجاجا وبنسبة 13% من مجمل الاحتجاجات، فيما تراجعت نسبة الاحتجاجات التي تهدف إلى زيادة الأجور الى المرتبة الرابعة بواقع 32 احتجاجا وبنسبة 11%. تلى ذلك الاحتجاجات على عمليات الفصل الجماعي من العمل، حيث تم تنفيذ 29 احتجاجا، وبنسبة 10% من مجمل الاحتجاجات، ونتيجة لغياب الاستقرار والأمن الوظيفي للعاملين في مواقع عملهم، فيما تم تنفيذ 3 احتجاجات وبنسبة 1% للمطالبة بالتثبيت في أماكن العمل، أما الاحتجاجات التي طالبت بتوفير الصحة والسلامة المهنية في أماكن العمل، والاحتجاج على اعتقال عدد من العاملين، وتوفير التأمين الصحي، إلى جانب المطالبة بالإجازات فبلغت نسبتها 10% بواقع 29 احتجاجا عمالياً.
منفذو الاحتجاجات العمالية
نُفذت غالبية الاحتجاجات العمالية من قبل فئات عمالية لا يتوفر لديها إطارا نقابيا ينظمها، حيث بلغت نسبة الاحتجاجات التي نفذها العاملون خارج إطار تنظيماتهم العمالية 60% بواقع 174 احتجاجا، فيما نفذت النقابات العمالية ولجانها (الرسمية، المستقلة) 62 احتجاجا بنسبة 22%، أما النقابات المهنية فقد نفذت ما نسبته 5% من الاحتجاجات بواقع 16 احتجاجا، أما المتعطلون عن العمل فقد نفذو ما نسبته 13% بواقع 36 احتجاجا من مجموع الاحتجاجات. الأمر الذي يعزوه مدير مركز الفينيق أحمد عوض الى ضعف وغالبا غياب قنوات الحوار والتفاوض بين العاملين بمختلف فئاتهم من جهة، والادارات وأصحاب الأعمال من جهة أخرى، مما ينعكس على زيادة أعداد الاحتجاجات.
توزيع الاحتجاجات
على القطاعات الاقتصادية
وأشار التقرير الى أن الاحتجاجات العمالية توزعت على عدد من القطاعات الاقتصادية وبدرجات متفاوتة، إذ شكلت احتجاجات العاملين في قطاع النقل ما نسبته 18% بواقع 53 احتجاجا، تلاه قطاع الخدمات بنسبته 15% بواقع 44 احتجاجا، أما قطاع الغزل والنسيج فقد نفذ العاملون فيه ما نسبته 14.5% من مجمل الاحتجاجات بواقع 42 احتجاجا، أما المتعطلون عن العمل فقد نفذوا ما نسبته 12.5% بواقع 36 احتجاجا، تلاه قطاع الصناعة والزراعة والتجارة والتعليم والصحة والكهرباء والبلديات والمياه والانشاءات.
التوزيع الجغرافي للاحتجاجات
وأفاد التقرير الى أن احتلت العاصمة عمان المرتبة الأولى في عدد الاحتجاجات العمالية التي تم تنفيذها خلال عام 2016، بواقع 105 احتجاجات وبنسبة 35%، تلاها اربد بالمرتبة الثانية بواقع 64 احتجاجا بنسبة 22%، وحلت معان ثالثا إذ نفذ فيها 26 احتجاجا وبنسبة 9%. وهذه التوزيعات لا تختلف كثيرا عن توزيعات الاحتجاجات العمالية خلال عام 2015، حيث يتركز قطاع الأعمال في العاصمة عمان.
المدد الزمنية للاحتجاجات العمالية
كذلك بأشار التقرير الى تفاوتت مدد الاحتجاجات العمالية وفقا للقائمين عليها ومطالبهم وآلية التعامل معها، وتراوحت أيام الاحتجاجات العمالية ما بين يوم واحد و 20 يوما، جرى تعليق غالبيتها التي استمرت ليوم واحد لإعطاء فرصة لأصحاب القرار والجهات ذات العلاقة لإعادة النظر بمطالبهم وايجاد آلية لتلبيتها. حيث بلغت نسبة الاحتجاجات العمالية التي استمرت ليوم واحد 71% من مجمل الاحتجاجات بواقع 205 احتجاجات، تلاه وبنسبة 9% الاحتجاجات التي استمرت يومان.
وأوصى التقرير بضرورة تطبيق مبادئ ومعايير العمل اللائق والمبادىء والحقوق الأساسية في العمل بمختلف عناصرها على جميع العاملين بأجر في الأردن، الى جانب إعادة النظر في سياسات الأجور في القطاعين والعام والخاص باتجاه زيادتها لأن مستوياتها منخفضة جدا ولا تتلائم مع مستويات الأسعار التي يشهدها الأردن، والتي تعتبر الأعلى في المنطقة العربية، وفق العديد من التقارير الدولية المتخصصة. بالاضافة الى وضع حد أعلى للأجور.
وأوصى التقرير بضرورة تعديل نص المادة 31 من قانون العمل الأردني والمتعلقة بإعادة هيكلة المؤسسات والتي تسمح بعمليات الفصل الجماعي من العمل، وتعديل نصوص قانون العمل المتعلقة بتشكيل النقابات العمالية والسماح لجميع العاملين بأجر في الأردن بتشكيل نقاباتهم بحرية، والغاء احتكار تمثيل العمال من النقابات العمالية القائمة التي تفتقر لأبسط قواعد العمل الديمقراطي، ولا تسمح بتجديد قياداتها، ولتصبح نصوص القانون متوائمة مع التعديلات الدستورية التي جرت مؤخراً، ولتنسجم عملية تأسيس النقابات العمالية مع نصوص العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي صادق عليه الأردن ونشره في الجريدة الرسمية، مع ضرورة الاسراع بالمصادقة على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 المتعلقة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم، فالقيود المفروضة على العاملين في الأردن بحرمانهم من تشكيل نقابات عمالية لم تمنعهم من تشكيل هذه النقابات والمطلوب اجراء تعديلات على القانون تعترف بالأمر الواقع.
كذلك طالب التقرير بضرورة تعديل نصوص نظام الخدمة المدنية ليسمح للعاملين في القطاع العام من تأسيس نقاباتهم بحرية وبما يضمن حقوقهم المنصوص عليها في التعديلات الدستورية التي جرت في عام 2011 وقرار المحكمة الدستورية التفسير رقم 6 لعام 2013، والذي ضمن للعاملين في القطاع العام حق تشكيل نقابات خاصة بهم، ولتنسجم مع نصوص العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي صادق عليه الأردن ونشره في الجريدة الرسمية. وبما يسمح بوجود مفاوضة جماعية بين الادارات الحكومية والعاملين. الى جانب تعديل نصوص قانون العمل المتعلقة بمفهوم النزاع العمالي وآليات تسوية النزاعات العمالية، والتي أثبتت فشلها الذريع في إيجاد حلول عادلة للنزاعات العمالية المتفاقمة، وبات مطلوباً استخدام آليات وتقنيات جديدة لتسوية النزاعات العمالية، وبما ينسجم مع نصوص اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 98 المتعلقة بحق التنظيم والمفاوضة الجماعية. وضرورة الغاء المادة (58) من قانون العمل والتي تشرعن العمل الجبري، حيث تسمح باستثناء العاملين في الوظائف الاشرافية ومن تقضي مهامهم التنقل والسفر من الأجر بدل الاضافي. وزيادة فاعلية عمليات التفتيش التي تقوم بها وزارة العمل على سوق العمل لضمان تطبيق نصوص قانون العمل، وهذا يتطلب زيادة مخصصات وزارة العمل في الموازنة العامة، ليتسنى للوزارة زيادة أعداد المفتشين وتطوير قدراتهم التفتيشية.