خنازير “إسرائيل” تجتاح غور الأردن ومنع صيدها يضر بمصالح المزارعين

57

حصاد نيوز – بين “الأمني” و”المعيشي”، يصارع مزارعو وادي الأردن عدوا جديدا يضاف إلى سلسلة أعدائهم التي تتكاثر يوميا وتزيدهم إرهاقا، ومنها موجات الصقيع، وارتفاع أسعار كلف الإنتاج، أما العدو الجديد، وإن كان قديما بعض الشيء، لكنه أصبح أشد خطورة حاليا، ويتمثل بالخنازير البرية الإسرائيلية.

فمن جهة، ماتزال تبعات قرار الجهات الأمنية والحكومية، الذي صدر قبل عام تقريبا، بحظر صيد تلك الخنازير في المنطقة الزورية باعتبارها “منطقة عسكرية”، أو قتلها بالسموم، تشكل تهديدا حقيقيا لمزارع أردنية ملاصقة لنهر الأردن.
ومن جهة أخرى، تسبب قرارا المنع “الرسمي”، في ازدياد أعداد هذه الخنازير في تلك المناطق، علما أن أن تلك الخنازير تجتاز النهر قادمة من الأراضي المحتلة، لسببين، أولهما الهرب من النيران التي اعتادت السلطات الإسرائيلية إضرامها على الشريط الحدودي لأسباب أمنية، وثانيهما البحث عن الطعام.
وفي ظل “عجز حكومي” عن مخاطبة الجانب الإسرائيلي لإيقاف إضرام النيران، باتت المشكلة تتفاقم، دون إيجاد حلول جذرية لها، كون هذه الحيوانات تهدد مزارع أردنية، ويكاد يكون التنسيق بين الجانبين معدوما، على خلاف ما حدث إبان أزمة وباء إنفلونزا الخنازيز، قبل أعوام مضت.
ومع استمرار إضرام النيران في المنطقة الحدودية، أصبحت غالبية الحيوانات البرية في المنطقة الشرقية، تجد ملاذا طبيعيا آمنا لها في الأراضي الأردنية، خاصة وأن حواف النهر وضفافه تشكل غابة طبيعية.
ويشكو المزارعون من أن قطعان الخنازير تدمر في الهجمة الواحدة مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، خصوصا وأن أعدادها في القطيع الواحد، تتجاوز في بعض الأحيان 70 خنزيرا، حيث تلجأ هذه القطعان إلى تدمير المزروعات وتكسير الأشجار وتمزيق البلاستيك الزراعي وأنابيب الري وحفر الأرض، بحثا عن الديدان، وفق احاديث مزارعين
وفي ظل اصطدام المزارعين بقرارات منع الصيد، فقد وجدوا أنفسهم مضطرين لاتخاذ سبل مكلفة للحد من هجمات الخنازير، كبناء الأسوار أو وضع الأسلاك الشائكة، على الرغم من تكلفتها العالية، فيما لجأ بعضهم إلى “أساليب غير قانونية لحل مشكلتهم”، وفقهم.
ورصدت وسائل اعلام،بعض الأساليب التي اضطر المزارعون لاستخدامها، للحد من هجمات الخنازير، كاستخدام الأسلاك المكهربة، والتي قد تقتل أي حيوان يلمسها دون تفريق بين خنزير وغيره، ما قد يلحق أضرارا جسيمة بالحياة البرية في المنطقة.
كما رصدت استخدام بعضهم للسموم، ضاربين قرار وزارة الزراعة عرض الحائط، في حين يلجأ بعضهم إلى استخدام أسلحتهم النارية والبيضاء، معتبرين أن من حقهم الدفاع عن أنفسهم وعن مزارعهم.
ويبين أحد الصيادين الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن منع الصيد يتخذ “لأول مرة، في المناطق الزورية، من خلال الامتناع عن إعطاء تصاريح الصيد للصيادين”، مبينا أنه “ومنذ العام 1948، وأنا اصطاد الخنازير في المنطقة”، وأنه وغيري من الصيادين “مستعدون للصيد حتى ولو من باب المكافحة”.
ويؤكد الصياد ذاته أن “الأعوام الماضية كانت تشهد تعاونا كاملا بين الصيادين والمزارعين وجمعية حماية الطبيعة، للقضاء على الخنازير البرية، إذ يتم اصطيادها والاستفادة منها”، موضحا أن “تبرير الجهات الرسمية بأن الصيد غير مسموح في المنطقة لدواع أمنية، غير مقنع، لأن أعمال الصيد استمرت في المنطقة على مدى عشرات السنوات، حتى قبل اتفاقية السلام”.
رفض الحلول الحكومية
الجمعية الملكية لحماية الطبيعة بدورها ترى أن “التحفظ الرسمي في هذه المناطق وعدم السماح بالصيد، أجبر المزارع على استخدام السموم لمكافحة الخنزير آكل المحاصيل، مما عرّض جميع الحيوانات والجوارح للخطر، وقاد ذلك إلى القضاء الجماعي على الثروة الحيوانية التي يصعب تعويضها”.
أما الحكومة، ممثلة بوزارة الزراعة، فقد “وضعت العقدة في المنشار أمام المزارعين”، إذ قالت إنه “لا يوجد أي حلول ناجعة لهذه المشكلة، لأن مكافحة الخنازير في هذه المناطق ممنوعة بحكم أنها مناطق عسكرية”، بحسب مدير زراعة وادي الأردن المهندس عبدالكريم الشهاب.
وترى “الزراعة” أن الحل الوحيد يتمثل بـ”إحاطة المزارع بأسيجة لمنع دخول الخنازير، بصرف النظر عن ارتفاع تكلفتها”، رغم إقرارها بـ”وجود اعتداءات متكررة من الخنازير البرية على المحاصيل الحقلية”.
ويضيف شهاب: “أما بالنسبة إلى عملية صيد الخنازير، فيشترط أولا التنسيق مع الجهات الأمنية المعنية، خاصة في المناطق الزورية المحاذية لنهر الأردن، في حين أن استخدام السموم ممنوع، كونها تضر بالحياة البرية في المنطقة”.
وفي ظل معارضة الجمعية لحلول وزارة الزراعة، إلا أنها ما تزال “تبحث عن حلول وسطية تحقق التوازن بين مكافحة الخنازير وحماية المصادر الطبيعية، وذلك من خلال وضع آليّة مكافحة معينة”، وفق عضو مجلس إدارتها سمير بندك.
وبحسب بندك، “تكفل هذه الآلية عدم المساس بما تبقى من ثروة حيوانية وطيور في المنطقة، دون إغفال حماية المزارع وحقه في حماية محاصيله ومصدر رزقه”.
وتشدد الاتفاقيات الدولية على حظر الاقتراب من الحيوانات والطيور البرية، في المناطق الحدودية التي تلجأ إليها، ما يعرضها لخطر الانقراض، كما يشوه ذلك صورة وسمعة الأردن من حيث حماية الطبيعة على المستوى العالمي، لجهة عدم التزامه بتلك الاتفاقيات.
وعلى الرغم من إصرار المزارعين أن قرار منع الصيد اتخذ قبل عام “لأسباب أمنية” غير أن بندك يؤكد أن “صيد الخنازير ما يزال مسموحا، لكن هناك خلل يشوب عملية إعطاء تصاريح الصيد من قبل الجهات المعنية، إذ إن الجمعية اكتشفت أن الموافقة التي تعطى للصيادين لصيد الخنازير، أصبحت تستعمل لصيد الطيور أيضا، وهو ما يخالف تعليماتها”.
ويضيف أن دور الجمعية يقتصر على إعطاء موافقة للصيادين فقط، أما إصدار تصريح الصيد فيتم من قبل الأجهزة الأمنية المختصة، مشيرا إلى أن الجمعية “تشترط على طالب التصريح أن يكون لديه رخصة صيد، ورخصة سلاح، وإثبات شخصية، وبالتالي فإن جميع الصيادين معروفون لدى الجمعية”.
ويوضح بندك، باعتباره مارس الصيد في المنطقة لسنين طويلة، إن “الصيد الجائر الذي يجري تحت مظلة صيد الخنزير، أضر بالحياة البرية على الواجهة الحدودية الملاصقه لفلسطين وسورية من الشمال إلى الجنوب، والتي تعتبر ثاني أهم ممرات هجرة الطيور في العالم، بما فيها الطيور المحلقة، وبعضها مهدد بالانقراض”.
وأشار إلى أن “التصاريح الأمنية التي سمحت للصياد بالتواجد في هذه المناطق الزراعية ليل نهار، تسببت بإبادة جماعية للطيور بجميع أنواعها، ما أدى إلى تقلص هذه الثروة الوطنية”.
ويبرز بندك أهمية المنطقة الزورية للحياة البرية موضحا أن هذه المنطقة “كانت في غاية الجمال والروعة، وتضم ثروة من الحيوانات والطيور كالثعالب والذئاب والضباع والوشق والقط البري والنياص وبعض الغزلان المتسللة من الضفة الغربية، والقرطات والوبر وفأر الحقل والأفاعي والعقارب، وكذلك الخنازير بأعداد لا يستهان بها”.
ويضيف: “كما تضم المنطقة أنواعا عديدة من الطيور التي لم نعد نراها الآن، كالحجل والسفرج والسبت والحمام بجميع أنواعه، والفري والقبرة وعصفور البحر الميت، والحسون والبط والوز والكوت، والطيور المحلقة كالصقور بجميع أنواعها، والنسور والبوم بجميع أنواعه، والرهو وأبو سعد واللقلق، وعشرات الأنواع من الطيور المهاجرة التي أضفت جمالا لم نعد نراه في هذه الأيام”.
بدوره، أكد رئيس اتحاد مزارعي وادي الأردن عدنان الخدام “عدم وجود جهة حكومية تساعد المزارعين في معالجة هذه المشكلة، وإيجاد السبل الكفيلة لصد هجمات الخنازير على الحقول، التي تتسبب بخسائر جسيمة لهم”، موضحا أن “المناطق الزراعية الزورية تعتبر من أجود الأراضي في وادي الأردن، وتسهم بإنتاج أصناف من الخضار ذات الجودة العالية، ما يجعلها أكثر عرضة لهجمات الخنازير”.
وقام الاتحاد، وفق خدام، بمخاطبة كافة الجهات ذات العلاقة، لاتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من خطورة الوضع، موضحا أن “رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأردنية هو المعني بإعطاء تصاريح الصيد في هذه المنطقة، والسماح للمزارعين بالمبيت داخل مزارعهم”.
وأشار إلى عدم وجود تقديرات عن حجم الخسائر التي تلحق بالمزارعين سنويا نتيجة هذه المشكلة، لكنه قدر أنها في “ارتفاع وقد تصل إلى ملايين الدنانير”.
نتائج “كارثية “على اقتصاد المزارعين
أما المشكلة كما يراها مزارعون، فتكبدهم خسائر سنوية فادحة، دون القدرة على مكافحة الخنازير أو السماح باصطيادها، مبينين أن الضفة الغربية لنهر الأردن أغلبها مناطق جرداء بحكم وعورتها وتضاريسها، وبعضها مزارع محاطة بالأسلاك الشائكة والأسوار، فلا توجد فيها مصادر للغذاء لغالبية الحيوانات البرية.
وتسهل الطبيعة الجغرافية للمنطقة، للخنازير اجتياز النهر إلى الضفة الشرقية ذات الأراضي الخصبة التي تزرع بشتى أصناف الخضار والحمضيات والحبوب.
ويعد الربع الأول من كل سنة موسم تكاثر الخنازير التي تتناسل بأعداد كبيرة، وإذا لم يتم التعامل مع المشكلة بالسرعة الممكنة، فإن النتائج ستكون “كارثية” على اقتصاد مزارعي المناطق الزورية، وفق المزارع جمال المصالحة.
وتلد أنثى الخنزير من مرتين إلى ثلاث في العام، وتضع ما بين 6 – 10 خنازير (خنوص)، وهو الاسم الذي يطلق على صغير الخنزير، حسب مزارعين معنيين بالثروة الحيوانية.
وتستهدف الخنازير، بطبيعتها البرية، كل شيء تجده أمامها؛ غير أنها تفضل أن تتغذى على محاصيل البطاطا والبندورة والذرة والشمام والبطيخ والكوسا والباذنجان والحمضيات والنخيل، كما أنها تحفر الأرض بحثا عن الديدان، وتقوم بقضم جذور الأشجار.
ويلفت المصالحة إلى تجربة وزارة الزراعة مع ظهور مرض إنفلونزا الخنازير قبل أعوام، بالتعاون مع الجهات الرسمية، حيث قامت بتنظيم حملة مكثفة لصيد الخنازير البرية في المنطقة، للحد من انتشارها وتكاثرها، وجرى صيد أعداد كبيرة منها، متسائلا: “لماذا لا يتم تنظيم حملة لمكافحتها الآن للحد من الأضرار التي يتعرض لها المزارعون؟”
تهاجم الإنسان ونفوقها يلوث البيئة
وتتجاوز خطورة انتشار الخنازير البرية الأضرار التي تلحق بالمحاصيل، لتشكل خطورة على الإنسان نفسه، كما يذكر المزارع عبدالله عارف، موضحا أن خطورة الامر تكمن في “شراسة هذه الحيوانات ومهاجمتها حتى الإنسان، فقد هاجمتني في أحد الأيام أثناء محاولتي طردها، وكادت تتسبب بقتلي”.
ومنذ 17 عاما يعيش المزارع عبدالله المعاناة ذاتها، التي تسببها الخنازير البرية التي تجوب المزارع خلال الليل وساعات الصباح الباكر، مدمرة كل شيء أمامها.
أما سبل المكافحة، بحسب عارف، فمحدودة جدا، لأن “عمليات الصيد ممنوعة حتى للمزارع الذي كفل له الدستور الدفاع عن ممتلكاته، في حين يلحق استخدام المبيدات والسموم أضرارا قد لا تحمد عقباها بالحياة البرية في المنطقة”.
ويمنع أي مزارع في منطقة الزورية من حمل الأسلحة، بما فيها “البيضاء”، ما يجعل المزارعين “أكثر عرضة للاعتداءات، سواء من الخنازير أو من الذئاب التي أصبحت هي الأخرى مشكلة تهدد المزارعين”، وفق عارف.
ولم يخف الراعي منيزل البوشي (16 عاما) خوفه من اعتداء الذئاب على أسرته وماشيته، مشيرا إلى أنها عادة ما ترتاد المنطقة بحثا عن الطرائد، ومنها الخنازير الصغيرة.
كما يؤكد المزارع عبدالحكيم أبو شريعة، أن “الأضرار التي تخلفها الخنازير، والتي قد تصل إلى 100 % في بعض المزارع، تأتي في الوقت الذي ما زال فيه المزارعون يحاولون تجاوز نكسات الموسم المتكررة، التي بدأت بفيضان نهر الأردن، ومن ثم موجة الصقيع، وتدني أسعار بيع منتوجاتهم”.
وتتجاوز أضرار الخنازير، بحسب أبو شريعة، تعديها على المزروعات إلى تأثيرات بيئية خطرة، قائلا إنه “في حال نفوق الخنازير، فإن جثثها تتحول إلى مرتع خصب للحشرات الضارة كالذباب، كما تصبح فرائس لحيوانات القمامة، كالضباع والطيور الجارحة، إضافة إلى أن رائحتها كريهة جدا وتبقى لمدة طويلة”.
وتعتبر الخنازير البرية من الحيوانات الليليّة التي تبحث عن طعامها من الغسق حتى الفجر، وهو الوقت الذي تكون فيه أغلب المزارع فارغة من العمال أو أصحابها.
ويتفق المزارعون على ضرورة قيام الجهات المعنية بإيجاد حلول عاجلة، لوضع حد للخسائر التي يتعرضون لها خلال الموسم، نتيجة هذه الهجمات، مطالبين بالسماح لهم بحماية مزارعهم، سواء باستخدام الأسلحة أو تنظيم حملات صيد من قبل الجهات المختصة.
من جانبه، يؤكد متصرف لواء دير علا محمد الهباهبة، أن “منطقة الزور هي منطقة عسكرية، وتتمتع بخصوصية أمنية كونها منطقة حدودية”، مؤكدا أنه “يمنع دخول أي شخص إلى المنطقة إلا بعد الحصول على تصريح أمني”.
ويبين الهباهبة أن “معضلة الخنازير البرية هي ظاهرة مقلقة، كونها تشكل تحديا أمام مزارعي المنطقة”، لافتا إلى أنه “سيتم التواصل مع الجهات ذات العلاقة، لإيجاد آلية مناسبة تسمح بمكافحة هذا الحيوان، باستخدام الأساليب المناسبة، والتي يجب أن تراعي خصوصية المنطقة، وإدامة الحياة البرية فيها”.
قد يعجبك ايضا