21

حصاد نيوز -ابراهيم عبدالمجيد القيسي

السؤال يصلح ليكون على قائمة مساءلة النواب من قبل قواعدهم الشعبية «إن وجدت مثل هذه القواعد»، لكنه هنا ليس كذلك، ولم أكن أود الكتابة اليوم الا بعد أن أعرف ما ستتمخض عنه جلسة مجلس النواب التي يوجد على جدول أعمالها قضية طرح الثقة بوزير الداخلية أو منحها له من جديد، لكن الأخبار التي تم تناقلها اليوم الثلاثاء، حول قيام احد النواب باقتحام مكتب فواز رشيدات وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء، هي التي دفعتني كي أورد السؤال أعلاه.

حقا؛ ما الذي يريد أن يقوله لنا هذا النائب المحترم، حين قام باقتحام مكتب الوزير، بل وجلس مكانه لساعتين كما يقول لوسائل الإعلام؟!

شو السيرة؟ هل تحول عمل النائب إلى فتوة مثلا؟ يقوم بالدخول إلى مكاتب المسؤولين عنوة، ثم يحتلها!..ماذا فعلت أثناء جلوسك لساعتين في مكتب الوزير الذي تركك وغادر؟ هل أصبح دور النائب هو الوقوف على أبواب المسؤولين ودفعهم لتسيير معاملات دون قوانين وتعليمات؟ ..والله إنها شغلة سهلة بصراحة، أعني أن «يسري» كل نائب، فيسبق الوزير ويحتل مكتبه، ويمشي معاملاته بإيده !..

هل قمت يا سعادة النائب بالتوقيع عن الوزير مثلا؟ هل انتحلت صفته أعني؟.. لا يمكن أن تفعل فهذا اسمه تزوير في وثائق رسمية ولن تفعله بالتأكيد، ولا يمكنك أن تفعل شيئا على الإطلاق، بل إن القانون والدستور يمنعانك من التدخل في عمل أي مسؤول خارج سياقهما، فدورك تقوم به هناك، أعني تحت القبة، ويمكنك سؤال الحكومات، ومراقبة أدائها، ويمكنك أن تقدم مشروع قانون للتأمين الصحي مثلا، ليشمل كل الناس، وتتم معالجتهم في أهم مستشفيات الدنيا، هو دورك وواجبك الدستوري، ويمكنك أن تلزم الأردن به وليس فقط الحكومات أو الوزراء .

مع كل الاحترام لك، فهو تصرف لم أفهمه بصراحة، وأستغرب أن تتحدث عنه وكأنك فعلت شيئا وطنيا وقانونيا ورسميا صحيحا!..

في التصرف الذي قام به عضو من مجلس النواب إساءة إلى دور النائب بل إلينا جميعا، فدولة القانون والمؤسسات أبعد ما تكون عن مثل هذه الممارسات، التي تسيء إلى أي نائب ووزير ومواطن، وهي تتضمن دعوة صريحة للانفلات وعدم التقيد لا بتعليمات ولا بقوانين ولا حتى بأخلاقيات العمل العام، فما الذي نتوقعه لو قام كل نائب أو مسؤول أو متنفذ بفرض طلباته وطلبات محاسيبه وناخبيه على الوزراء؟ هل هذه عدالة أم هي ديمقراطية، أم ماذا تسمونها؟

حث الناس على الالتزام بالقانون، والرفق بالناس والوطن هي أهم الأعمال المطلوبة من الذين يعتبرون أنفسهم يؤثرون في الرأي العام، أو يتصدرون عملا عاما بموجب شرعية شعبية، ولا أعتقد أن ما قام به النائب ينسجم مع هذه البديهية الوطنية الديمقراطية، فالناس سواسية ولا يمكن لنا أن نسعى «لتزريق» معاملة بحجة أنها حالة إنسانية، فثمة عشرات الآلاف مثلها في الأردن، ولا يحق لنا التجاوز عليها من أجل أن مواطنا قدم له صوت انتخابي أو تمكن من معرفتنا باعتبارنا نوابا للشعب وعنه.

أنا لا أعرف الوزير ارشيدات ولا علاقة شخصية تربطني به، ولا أدافع عنه هنا، بل إنني أسجل استهجاني لما قام به عضو مجلس النواب، ثم تحدثت به بعض وسائل إعلام لا تتمتع بمهنية ولا بغيرها، ويبدو أن مهمتها المقدسة هي السعي للتوتير والتثوير حين تناقلت الموضوع بقولها «ولعت»، وهو نداء وليس عنوان !..وأعتقد بأنها ولعت في ضمائر ميتة ونفوس لا تتخذ من الوطن قبلتها، فهذه دعوة صريحة لعدم الالتزام بالقوانين والعدالة.. وعدم التزام بدور النائب وواجبه الشعبي والوطني، وهي تصرفات يمكن تجييرها في حساب الفوضى والانفلات الذي نحاربه كما نحارب الارهاب والفساد، فلا يحق لنا أن نتولى عملا عاما، ثم نرتكب أخطاء نسوغها للناس ليمكن فهمها من قبلهم بأنها أعمال وطنية وبطولية.. فكل الناس يستطيعون اقتحام مكاتب المسؤولين، وهذه فوضى لا يمكن أن يتصف بها مجتمع، خصوصا حين يكون مجتمعا حريصا على التقدم ببلده إلى الأمام، وليس إعادته إلى عصر ما قبل القانون والمدنية والتحضر.

أكتبها ولا أتصيد هفوات النواب والناس، ولست أريد التوبيخ ولا التعريض باحد، لكنه تصرف يصعب فهمه، ولا أعتقد بأنه يندرج تحت أي بند من بنود الدستور أو حتى النظام الداخلي لمجلس النواب..فالدستور الدستور أيها النائب المحترم، وخطأ منك يعد ب100 ألف خطأ يسقط فيه المواطن المكروب أو صاحب الحاجة.

فترفق بالناس والوطن وبمجلس نواب .

قد يعجبك ايضا