الملقي يرفض الرد على اتصالات الطراونة قبل حادثة الكرك

19

حصادنيوز-ثمة ازمة بين رأسي السلطتين التشريعية والتنفيذية بدأت قبل أقل من أسبوعين عندما احتج رئيس السلطة التشريعية المهندس عاطف الطراونة على ردود الوزراء على اسئلة النواب في اول جلسة رقابية يعقدها المجلس آنذاك وقبل ان يضرب الإرهاب الداعشي الدموي جنوب المملكة وتحديدا في مدينة الكرك اهم المدن التاريخية في المشرق العربي ، وإحدى اهم حواضر مواجهة الإرهاب الصليبي في العصور الوسطى.

الرئيس الطراونة لم يتحدث بالمطلق عن الأزمة وملامحها وكذلك الرئيس د. هاني الملقي الذي رفض متعمدا الرد على ثلاثة اتصالات هاتفية بفوارق زمنية بينها اجراها الرئيس الطراونة مع الملقي دون ان يرد الأخير عليه وهو يعلم تماما ان الذي يهاتفه على الخط الآخر هو الرئيس الطراونة بلحمه وشحمه.
الرئيس الطراونة وفي اصالاته الثلاثة التي لم يتلق عليها اية اجابة من الرئيس الملقي لم يتحدث عنها نهائيا بينما اكتفى الرئيس الملقي بتلقي نصائح من أصدقاء بضرورة الرد على الطراونة ولا يجوز للملقي تجاهل اتصالات رئيس مجلس النواب، ولا يجوز للرئيس الملقي ان يعتمد مثل هذه السياسة مع المجلس.

ظلت القطيعة بين الرئيسين قائمة فلم يعاود الرئيس الطراونة الاتصال بالملقي، فثلاثة اتصالات تكفيه ليعرف حجم الضيق والاحتجاج الذي يحمله الملقي للطراونة، وكان من الواضح تماما ان جلسة يوم الأحد الماضي التي ضرب فيها الإرهاب الداعشي الكرك لم تكن كافية ليلتقي الرئيسان في الكرك او حتى في دار المجلس وتحت قبته، بالرغم من ألم المصاب وحجم الجريمة والفجيعة، في الوقت الذي أبدى فيه الرئيس الطراونة ايجابية تامة وهو يمنح الرئيس الملقي الدور ليلقي بيانه المقتضب امام النواب انسجاما اولا مع النظام الداخلي للمجلس، ولحرصه ثانيا على إخفاء حجم القطيعة بينهما. في الجلسة التالية كان الملجس يبدي حرصا واضحا على الحكومة وبألأغلبية لتحويل الجلسة من علنية الى سرية، ليفاجأ النواب بان الحكومة نفسها ظلت مصرة على تقديم روايات منقوصة عن حادثة الكرك، ثم تدافع النواب لتوقيع مذكرة يدعون فيها لطرح الثقة بوزير الداخلية، وبرضى بدا تاما من رئيس المجلس الطراونة نفسه.

في ثنايا هذه التفاصيل تنقطع روايات المقربين من الرئيسين، الطراونة من جهته لم يقل إن كانت ثمة اتصالات جرت بينه وبين الرئيس الملقي، والمقربون من الأخير لم ينقلوا عنه أنه اتصل بالرئيس الطراونة ولو من باب التشاور فيما جرى في مدينة الكرك، او حتى لمجرد مناقشة موقف المجلس من طرح الثقة بوزير الداخلية الذي لا يرغب الرئيس الملقي أصلا ببقائه في حكومته.
الرئيس الملقي قال لمصادر مقربة منه التقاها قبيل حادثة الكرك الإرهابية انه يرغب باجراء تعديل موسع على حكومته وسيكون وزير الداخلية اول الخارجين منها لكنه كان مترددا في قبول نصيحة بان يجري تعديله الحكومي قبل موعد استضافة الأردن للقمة العربية وعليه ان يجري تعديله مباشرة وبعد مناقشة المجلس للموازنة العامة للدولة، إلا ان الملقي ظل حتى تلك اللحطة متمسكا باجراء التعديل بعد انتهاء القمة العربية.

وليس من الواضح وفقا للتطورات التي شهدتها المملكة بسبب الحادثة الإرهابية ان تكون العلاقة بين الرئيسين قد عادت لمستوياتها الطبيعية، وإن كان الرئيس الملقي يبدي ارتياحا مشوبا بالحذر من تمسك المجلس بطرح الثقة بوزير الداخلية سلامة حماد، ومصدر قلقه ان يفشل المجلس في مسعاه ما سيصعب مهمته التالية باخراجه لاحقا من فريقه الوزاري في تعديله المرتقب، لكون الوزير حماد سيخرج من فشل النواب بطرح الثقة به حاملا ثقة جديدة سيجد الرئيس الملقي نفسه في حرج واضح إذا ما أقدم على إخراج الوزير حماد في اول تعديلاته على حكومته الثانية.

وقضية مطالبة النواب بالتوقيع على مذكرة لطرح الثقة بوزير الداخلية ليست المرة الأولى التي يقدم المجلس عليها ففي كل مجالس النواب السابقة كان النواب يقدمون على توقيع مثل هذه المذكرات لكنها كانت تنتهي في معظمها قبل عرضها على المجلس، لكن في مرات معدودة جدا كان الوزراء موضوع طرح الثقة يخرجون من قبة المجلس بثقة جديدة تعزز من مكانتهم الوزارية بينما ينبري المجلس على نفسه باعتباره الخاسر الوحيد من مثل تلك المواجهات.
في المجلس السابع عشر جرب المجلس في حينه طرح الثقة بحكومة د. عبد الله النسور كاملة وعندما اصر النواب على التصويت خرجت حكومة د. النسور منتصرة حاملة ثقة ثانية مجانية منحت الحكومة في حينه سلطة إطلاق يديها في رفع الأسعار وفي تحجيم المجلس ومحاصرة دوره والعمل صراحة على إضعافه امام الجمهور.

من هنا فالمذكرة التي وقعها 47 نائبا للمطالبة بطرح الثقة بوزير الداخلية وبنسبة ( 36,15 %) من مجموع اعضاء المجلس، وقام الرئيس الطراونة بطرحها على جدول اعمال جلسة يوم غد الثلاثاء لا تبدو انها تثير الارتياح تجاه احتمالات نجاح المجلس بتحقيق سابقة تاريخية بحجب الثقة عن الوزير حماد فهناك لوبي نيابي مستعد للدفاع عن الوزير حماد او عن اي وزير اخر في الحكومة دون النظر لمخاطر خسارة المجلس في هذه المواجهة، وحجم الإخفاق الذي سيعيشه المجلس لاحقا، سواء في مواجهة الحكومة او في مواجهة الناخبين او في مواجهة الإعلام.

إن الخشية من فشل المجلس في طرح الثقة بوزير الداخلية قائمة وبشدة، وعلى المجلس قياس أثر فشله المتوقع عليه لاحقا، وهو خطر يتوجب عليه التوقف عنده مطولا قبل ان يدخل الجلسة يوم غد الثلاثاء او في الجلسة التي تليها اذا تم تاجيل طرح المذكرة للتصويت بسبب ازدحام جدول الأعمال.
كان اعلان رئيس المجلس الطراونة عن إدراج المذكرة على ملحق جدول اعمال جلسة الثلاثاء المقبل فيه نبرة ثقة يمكن إحساسها بوضوح، وقد تكون تلك النبرة موجهة بالدرجة الأولى للرئيس الملقي الذي نقل عنه انه اشتكى الطراونة لجلالة الملك في اجتماع مجلس السياسات بممارسته ضغوطا عليه سكتت المصادر تماما عن توضيحها، في الوقت الذي لم يتم التاكد فيه من مصادر محايدة من مصداقية مثل تلك الشكوى.

وفي التفاصيل الأخرى فان شعور الملقي بدخوله في مواجهة سريعة مع مجلس النواب بطرح الثقة باحد وزرائه الذي يتعرض للاتهام بالتقصير في حادثة الكرك الإرهابية يجعل يد الملقي مغلولة تماما بحرية التصرف فيمن سيبقى في حكومته ومن سيرحل لحظة اتخاذه قراره بالتعديل بعد مباركة جلالة الملك، وهو يخشى في الوقت نفسه من ان يخرج الوزير حماد من مجلس النواب بثقة ثانية تخصه منفردا هذه المرة، كما يخشى من ان تبقى حكومته تحت سلطة الحق الدستوري للنواب بطرح الثقة بحكومته او بوزراء اخرين في حكومته قد يكون وزير الإعلام من بينهم، مما سيجعل كامل حكومته تحت الضغط النيابي مما سيضيق الخناق عليه وسيقلص فرص المناورة امامه وسيظل الحلقة الأضعف تحت القبة وخارجها.

والسيناريوهات التي يمسك بعضها البعض في قضية طرح الثقة بالوزير حماد لا يمكن فصلها عن التجارب السابقة المماثلة، إلا أن امام المجلس فرصة كافية لتسجيل منجز تاريخي بطرح الثقة، ولكن هذا لن يتاتى إلا من خلال قرار عالي المستوى بانجاز ذلك تحت القبة ورفع الدعم عنه.
ومن المرجح ان مثل هذا السيناريو سيمنح المجلس قوة مبكرة على الصعيدين السياسي والشعبي، وهو منجز ـ إن حصل ــ يمنح المجلس قوة مضافة افتقدتها المجالس النيابية السابقة، فضلا عن منح المجلس صفة الاستجابة لرغبات قطاعات عريضة من المواطنين باقالة وزير الداخلية بسبب احداث الكرك ألإرهابية، وقد يكون نجاح المجلس بطرح الثقة بالوزير حماد تاجيلا غير محدود للتعديل الحكومي، كونه سيحرر رئيس الوزراء د. الملقي من وعود قطعها على نفسه لكتل نيابية التقاها في مشاوراته معها بان مناقشة الثقة بحكومته الشهر الماضي اكد فيها لتلك الكتل التزامه باقالة وزير الداخلية في اول تعديل على حكومته وكان ذلك قبل احداث الكرك، بعني ان نسة الضغط الشعبي بإقالة وزير الداخلية كانت شبه معدومة، وإن كانت محصورة في بعض القوى النيابية وليس كلها.
مجلس النواب أمام اختبار في غاية الصعوبة والخطورة، وإذا لم يكن المجلس قد حصل على الضوء الأخضر بطرح الثقة بوزير الداخلية وتحت القبة وامام المواطنين في حالة غير مسبوقة، فإن على المجلس التريث تماما حتى وإن وصل الأمر به الى إلغاء المذكرة رغم تاثيراتها السلبية إلا ان هذه التأثيرات تبقى اقل خطرا من ان يذهب المجلس للتصويت ويحرد وزير الداخلية سلامة حماد المنتصر الوحيد بينما سيكون الرئيس هاني الملقي احد الخاسرين الرئيسيين، إلا ان مجلس النواب سيكون هو الخاسر الأكبر.الانباط

 

قد يعجبك ايضا