المحكمة اعتمدت على ترجمة والدته …طفل أصم مهدد بالإدانة على جريمة لم يقترفها
كاد التباس في ترجمة لغة الإشارة أن يتسبب بإدانة طفل أصم (12 عاما)، بجناية الشروع بالقتل، بعد أن اعتمدت المحكمة ترجمة والدة الطفل غير الدقيقة عوضا عن تعيين مترجم معتمد، ما يطرح لدى حقوقيين وقانونيين، معضلة عدم توفر سبل التواصل والترجمة للصم أمام القضاء.
وتعود قضية سالم (اسم مستعار) إلى شهر رمضان 2012، عندما طلب منه والده شراء الخبز، حيث اعترض طريقه شابان (23 و18 عاما) قاما باستفزازه وضربه، مستغلين إعاقته وعدم قدرته على الكلام، فما كان منه سوى الدفاع عن نفسه، حيث ضرب أحدهم بقطعة زجاج متسببا له بجرح في يده.
يقول والد سالم، الذي التقته “اثر الحادثة تم توقيف نجله في مركز تأهيل الأحداث لمدة 8 أيام وتحويله إلى محكمة الصلح بتهمة الإيذاء”.ويتابع بحرقة: “كانت تلك الايام الثمانية من أسوأ الايام التي مرت على أسرتي وابني”، مشيرا إلى حالة الخوف والرهاب التي تملكت نجله وبكائه الدائم طيلة مدة توقيفه، خصوصا مع حاجز اللغة بينه وبين العاملين والأطفال المقيمين في دار الأحداث.
ويزيد الأب: “مثُل ابني أمام محكمة الصلح، وفي أثناء مثوله لم توفر المحكمة له مترجما معتمدا، بل اعتمدوا على ترجمة والدته، التي لا تتقن لغة الإشارة، لكنها تستطيع أن تفهم بعض المصطلحات البسيطة”.ويضيف: “عندما سأل القاضي ابني “هل أنت مذنب” قامت الأم بترجمة السؤال “هل قمت بالضرب”، فكانت إجابة سالم بالإيجاب، أي أنه ثبت على نفسه الجرم بالاعتراف بأنه مذنب”.
ويوضح: “ما زاد الطين بلة تقرير الطب الشرعي، الذي نص على وجود ضرر بالغ، الأمر الذي تسبب بتحويل القضية من ايذاء أمام محكمة الصلح إلى شروع بالقتل أمام محكمة الجنايات”.ويقول الأب: “بعد أن سارت الأمور على نحو غير متوقع، خصوصا أن ابني كان يدافع عن نفسه، تم نصحنا بالتوجه إلى مركز العدل للمساعدة القانونية، خصوصا في ظل عدم قدرتنا على دفع مبلغ 4 آلاف دينار طلبها الطرف الآخر للتنازل عن القضية”.
من جهته، يوضح المحامي صلاح جبر من مركز العدل، والذي ترافع عن القضية أنه “بعد دراسة القضية تبين وجود عدة أخطاء في الإجراءات، أبرزها اعتماد ترجمة الأم وهي ترجمة غير معتمدة، خصوصا أن الأم لا تجيد لغة الإشارة، كما أنها شبه أمية، ما يجعل اعتماد ترجمتها باطلا قانونا”.
ويلفت جبر إلى أن “الخلل الآخر يكمن في اعتماد المحكمة اعتراف الطفل أمام محكمة الصلح، لكن ولكون القضية نقلت من محكمة الصلح إلى الجنايات الصغرى، فإن ذلك يبطل الاعتراف الأول للطفل ويوجب اعترافا ومحاكمة جديدة”.
ويتابع “بالفعل قامت محكمة الجنايات بتكليف مترجم معتمد للغة الإشارة في إجراءات المحاكمة، بما يضمن إيصال الفكرة بشكل واضح للطفل وترجمة اعترافه بدقة كذلك”.
من ناحيته يبين الناشط في حقوق الإنسان، عضو الائتلاف الوطني لرصد اتفاقية تطبيق حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة المحامي مهند العزة، أن “ما تعرض له الطفل سالم أمر تعرض له سابقا، وقد يتعرض له آخرون من ذوي الاعاقة السمعية، نتيجة للبس في الترجمة، بسبب عدم وجود مترجمين معتمدين، إلى جانب افتقار لغة الإشارة إلى بعض المصطلحات القانونية”.
ويوضح العزة: “عمليا توجد مشكلتان في التعامل مع الصم في القضاء، الأولى تكمن في أن لغة الإشارة تفتقر للعديد من المصطلحات والكلمات، خصوصا المتعلقة بالقانون والادعاء”.أما الإشكالية الأخرى، وفقا للعزة، فهي “عدم وجود مترجمي إشارة متخصصين في لغة القانون والقضاء”، موضحا أن “المطلوب ليس فقط وجود مترجمين معتمدين إنما وجود متخصصين على دراية وفهم بالمصطلحات القانونية”.
ويبين: “حاليا هناك مبادرة من المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين بتدريب مترجمي إشارة واعتمادهم من قبل وزارة العدل، لكن ليس هناك من نص قانوني يلزم المحكمة باعتماد أو تعيين مترجم معتمد، وبالتالي هناك حاجة لوجود نص قانوني واضح وصريح في هذا الصدد”.
ويدعو العزة كذلك إلى ضرورة إثراء قاموس لغة الإشارة ليتضمن مصطلحات قانونية وقضائية تضمن حق ذوي الإعاقة السمعية عند إجراءات التقاضي، سواء كان الشخص الأصم مدعى عليه أو مُدعيا أو شاهدا.
وعلى الرغم من التطمينات التي حصل عليها والد سالم من فريق المحامين، ومراقب سلوك الأحداث حول مجريات القضية، لكن الهواجس لا تفارق باله خصوصا وأنه قلق على مستقبل نجله، المتفوق في دراسته، ويخشى أن ينقطع عن الدراسة في حال صدر بحقه حكم بالادانة، كما أنه يخشى على نجله من الاقامة في دار الأحداث، حيث لا يوجد من يستطيع التفاهم معه بلغة الإشارة.
ويتساءل الأب: “كيف من الممكن أن يكون ابني الطفل الملتزم والهادئ مدعى عليه، بينما المُدعي وهو صاحب أسبقيات، واعتاد على إيذاء ابني وضربه لمجرد الرغبة في استفزاز طفل ذي إعاقة سمعية وغير قادر على الكلام!!”.