“عضة” تلقي بمعاق ذهنيا في السجون شهورا
حصاد نيوز – أكثر من ثلاثة أشهر أمضاها “محمد” موقوفا في أحد مراكز الإصلاح والتأهيل، فيما يمثل حاليا أمام محكمة الجنايات الكبرى بتهمة “هتك العرض”، رغم “إثبات إصابته بإعاقة عقلية شديدة”، وصدور تقرير طبي “بعدم إدراكه لمجريات المحاكمة”.
بدأت قضية محمد (24 عاما) الذي يقدر عمره العقلي بـ9 أعوام، في الرابع من كانون الأول (ديسمبر) الماضي، عندما دخل في مشاجرة مع فتاة قاصر، حيث قام حينها بعض يد الفتاة، فوجهت إليه تهمة “هتك العرض”.
وعلى الرغم من تحويل المدعي العام للشاب إلى المركز الوطني للصحة النفسية، لكن المركز “لم يستقبل الشاب لنحو شهر”، معللا ذلك “بعدم توفر الأسرة”، بحسب المحامي فارس العشا، أحد مستشاري مركز العدل للمساعدة القانونية.
ويقول العشا “طلب المدعي العام تقريرا من الطب الشرعي لتقييم الحالة العقلية لمحمد، لكن نتيجة لتأخير المركز الوطني، تم تحويل محمد إلى محكمة الجنايات، وخلال تلك الفترة بقي محمد موقوفا في أحد السجون”.
ويتابع “بعد تحويله للجنايات طلب القاضي مجددا تقريرا من المركز الوطني للصحة النفسية حول الحالة الذهنية للشاب، وفي السادس عشر من الشهر الماضي، استقبل المركز محمد وبقي فيه لمدة 3 أسابيع، ثم صدر تقرير من المركز ينص على أن “محمد مصاب بتخلف عقلي غير قابل للشفاء ولا يدرك ولا يتفهم مجريات المحاكمة، وعلى هذا الأساس نوصي بإيداعه بإحدى دور الرعاية الاجتماعية”.
بيد أن التقرير، وفقا للعشا، “لم يحدد العمر العقلي للمتهم، ما دفع بالقاضي إلى طلب الأطباء لحضور جلسة في الثامن والعشرين من الشهر الماضي لتحديد عمره العقلي، وتم إيداع محمد مجددا في السجن”.
ويقول العشا: “كان هناك تأخير كبير من المركز الوطني للصحة النفسية نتيجة لتلك المماطلة، وتم توقيف شخص فاقد الأهلية العقلية في سجن للبالغين، والسير بإجراءات محاكمة للبالغين”.
في مقابل ذلك، يبين والد الشاب محمد أن ابنه “كان يتلقى العلاج في وزارة الصحة، ولديه تقارير طبية رسمية من الوزارة تشرح حالته الصحية بالتفصيل”، مضيفا “ابني ليس عنيفا ولا يشكل خطرا لكنه لا يدرك أفعاله”.
من ناحيتها، تقول المديرة التنفيذية لمركز العدل للمساعدة القانونية هديل عبد العزيز “هناك حاجة لمراجعة شمولية لأوضاع ذوي الإعاقة في منظومة العدالة الجزائية، لضمان المحافظة على حقوقهم وتمتعهم بمحاكمة عادلة تتوافق مع قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، الذي يوجب مراعاة الظروف الصحية لهذه الشريحة من المجتمع، وتخصيص أماكن ملائمة لتوقيفهم إذا تطلب الأمر ذلك، وكذلك مراعاة المعايير والاتفاقيات الدولية في هذا المجال”.
وتابعت “ينبغي ضمان أن لا يتعرض شخص من ذوي الإعاقة، خصوصاً في مثل هذه الظروف، للتوقيف مع البالغين، من خلال إيجاد بدائل مناسبة في حال كانت طاقة المركز الوطني للطب والصحة النفسية لا تستوعب المزيد من النزلاء”.
وفي هذا السياق، يقول الخبير الحقوقي العين مهند العزة إن “قضية محمد تعكس العديد من أوجه القصور في التعامل مع ذوي الإعاقة، والأصل في هذه الحالات أن يتم إجراء تقييم وتشخيص طبي سريع للمتهم”، معتبرا أنه “من غير المنطقي أن يتأخر التشخيص لأكثر من شهرين بسبب عدم توفر أسرة، وكان الواجب أن يتم تحويله إلى جهة أخرى للتقييم كمركز تشخيص الإعاقات المبكر التابع لوزارة الصحة”.
ويضيف “الأصل كان أن يتم تحويل التشخيص إلى جهة قادرة على تقديم تقييم سريع، خصوصا أن شخصا بهذا النوع من الإعاقة يفترض أن لا يمثل أمام المحكمة”.
ويزيد “في كل الأحوال، فإن المركز الوطني للصحة النفسية ليس الجهة المختصة علميا في تشخيص الإعاقة الذهنية، كون اختصاصه ينحصر في الأمراض النفسية، أما الإعاقة الذهنية فيتم تشخيصها بالدرجة الأولى من قبل أطباء دماغ وأعصاب وتربويين متخصصين”.
ويوضح العزة “أن الخلط بين المرض النفسي والإعاقة العقلية يعد مشكلة كبيرة في هذا السياق”.
ويرى أن قضية محمد تؤكد “ضرورة إعادة البحث في مسألة ضمانات المحاكمة العادلة للأشخاص ذوي الإعاقة، من خلال توفير خبراء للتواصل مع ذوي الإعاقة كل حسب إعاقته، إلى جانب تعيين جهة فورية تعمل على تحديد مستوى الإعاقة ومدى الأهلية العقلية للشخص المعني”.
ويبين أن هذه التسهيلات يجب أن تتوفر منذ بداية التحقيق وليس فقط أثناء المثول أمام المحكمة، بدءا من التحقيق عند الشرطة، والمدعي العام، وانتهاء بالمحكمة المعنية.
كما يوضح “لا يقتصر الأمر على توفير اختصاصيين بالإعاقة الذهنية، إنما توفير اختصاصيين للتواصل في الإعاقات السمعية والبصرية، وأن تكون تلك التسهيلات متوفرة في حال كان الشخص ذو الإعاقة متهما أو مشتكيا أو شاهدا”.
وكان العام 2013 شهد قضية مشابهة لقضية “محمد”، عندما تم توجيه تهمة “الشروع بالقتل” لطفل أصم يبلغ من العمر 14 عاما، اذ اعتمدت المحكمة حينها على ترجمة الأم التي لا تتقن لغة الإشارة، لكن وبعد طلب المحامي حينها تمت إعادة أخذ الإفادة بوجود مترجم إشارة، حيث تم تعديل التهمة إلى “الإيذاء”.
وكان المركز الوطني لحقوق الإنسان أوصى في تقريره الأخير حول حالة حقوق الإنسان في الأردن، بضرورة “تهيئة جميع المحاكم الوطنية للتعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة، من حيث توفير التسهيلات البيئية لهم، بما في ذلك تأمين جلسات التقاضي بمترجمين للغة الإشارة في القضايا المنظورة أمامها، التي يكون أحد أطرافها أو أحد الشهود من ذوي الإعاقة السمعية”.