شاهد بالصور…حفل تأبين مهيب للمرحوم الدكتور احمد الحوراني في جامعة عمان الاهلية
وفي كلمة لدولة عبد الكريم الكباريتي رثا بها الدكتور المرحوم احمد الحوراني , هزت مشاعر الجمع الهائل من الحضور حيث قال :
انه غال كغلاء تراب فلسطين. ولام الوجع كيف يمكنه ان يسكن في قلب رجل عظيم كالحوراني وتسأل بكل اسف والم انه كيف للوجع ان يسرق موضعا في قلبه.
كانت كلمة الكباريتي الاخ قبل المسؤول لها وقع وصدى كبير على نفس الحاضرين حيث استرسل في رثائه وذكره والدمع يترقق في عينيه حتى ساد الصمت وسط الحضور الخفير وخيم الحزن على قلوب ووجوه الحاضرين اللذين اثارتهم كلمات ليس كأي كلمات وعبارات شامخات تحمل كل معاني الصدق والوفاء لرجل بألف رجل، فكانت الكلمات قنابل مدوية تحمل معها وجع مكتوم ومكلوم قرأه دولة عبد الكريم الكباريتي بقلبه ومشاعره واحاسيسه التي نطقت ألما وامطرت وجعا ودمع.
وفيما يلي النص الكامل لكلمة “ابو عون” التي صفق لها الجميع وربما وصلت الى روح صاحبها فطيبت هذا الحوراني واينعت روحا وزهرا:
بسم الله جل جلاله في علاه …
والحمدالله على الائه وبلائه ونعمائه …
واحمد الكريم … ان يجعل لوفاء الاصادق اهلا ولاتم الناس ميثاقاً وعهداً فطوبى للحضور الكرام ولهم الشكر اجزله واوفاه … الشكر موصول للخطباء فيض مشاعرهم وصدق وفائهم وروعة خطابهم فقد كفوا ووفوا اجادوا واشادوا بما جاد احمد وشاد وما اشتمل عليه من شيم وشمائل .. وتمام المكارم والفضائل .. طاب مثواه ونعم ذكراه…
يا عظيم الشأن … سلام على روحك والشوق اليك وضاء فأن العظائم كفؤها العظماء … بذكراك نزهو … وذكرك يعلو .. وروحك في المنتهى والسدرة العصماء واقف اجلالا في هذا المقام في الجامعة التى ارسى احمد اوتادها واعلا عمادها فصارت تعرف به ويعرف بها دره انجازاته وسجل حكمته ومواقفه وقيمه … سكب فيها روحه وثورة … لتكون قبس نور ومنارة علم ومعقل حكمة ومنطلقاً للمستقبل وتمكينا للمعالي
فيا صانع المعالي يا غالي مثل تراب فلسطين … يا توام الروح توامة طولكرم لجنين بأبي انت وامي عليك السلام وقد استحلفتك ان تكتب وكنت تتاوه وتجيب .. وكيف يكتب الوجع … وكنت اعجب كيف للوجع ان يستقر في قلب كقلبك الكبير … قلب الحياة الذي يملوه الحب والحماس والاندفاع
كيف للوجع ان يسرق له موضعا عند فارس اعتلى صهوة العز والانجاز … مدارس وجامعه تلد النور وتنبت المعالي علما وخلقا ومجدا … والاحلام التى عمرت في ضميرك حققتها عمائر ومصانع وفنادق ومزارع … فماذا كنت تريد اكثر ؟؟؟!!
كنت تحب الحياة ففتحت لك الحياة اعماقها وادانتك من اسرارها … وكان الاقدام لك ركابا تقدح الصخر قدحاً( وانك كادح الى ربك كدحا )… فأثابك الصادق العظيم من اسباب الكمال وبلوغ الامال ما لم يحققها اعظم الرجال .. ولم افهم واستحلفتك ان تكتب فتتأوها وتعيد كيف يكتب الوجع … ولم افهم..
وكنت احسبك محظوظا .. على الرغم ان الحظ لم يلعب دورا في نجاحاته ولا انجازاته فقد تجلت عبقريته بأنه صنع حظه,و وتوهجت عظمته في ان الاثراء والنعم ما غيرته.. وما اغرته، بل زادته حماسا وعزما وكداحا وتواضعا ومهابة ..
يا صاحبي … صاحبتك وعايشت عنفوان حيويتك ومهابتك، وصهيال صوتك الهادر ووعيد غضبك الثائر … وكنت كالبحر كالموج كالطوفان … سخيا بالحق بخيلا في الباطل، ترضى حين الرضا وتسخط حين السخط… يتوهج وجهك ضياءا حين ترضا ونار وغضبا حين تسخط وتكره التردد والتخاذل والتكاسل … ولا تطيق الكذب والبخل … ويررد الاثير نشيدك اليومي .. ( اذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة – فان فساد الراي ان تترددا ) … فكنت مهيبا مهابا يحسبك المرئ رجلا بلا عواطف جبلا لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف .. واسألك : هل بكيت مره يا دكتور ؟ فتضحك وتقول : ربما بكيت عند ولدتي .. فبالله من اين ياتيك الوجع؟
وتأتي لحظة .. لحظة يتوقف فيها الزمان.. لحظة الشهادة التي يرافق فيها السر الاعلان.. والقلب مع العين واللسان.. وتسطع حقيقة الانسان.. يومها كان احمد يجلس الى جانبي في السيارة وفي طريقنا الى مناسبة فرح، وكان دوما يخشى قيادتي للسيارة ولا يثق بها، وعندما أوقفت السيارة فجأة ارتعب وثار غضبه وقال :”ولك مين علمك السواقة؟” قلت :”ابوي” فرد:”….. نزلني نزلني ” فضحكت وقلت له: بتعرف يا دكتور كان ابوي عندما يغضب يغنيلي .. وانت زي ابوي .. شو رأيك تغنيلي طالما احنا رايحين على فرح.. فينتفض ويرد بلكي بدك اطبلك كمان.. انكب ولك، نزلني نزلني .. وتأتي تلك اللحظة يسكت فيها قليلا.. يفكر، يهدأ ويسألني “طب شو كان يغنيلك ابوك؟” فأنشدت له ماكان ينشد والدي حقيقة عند الغضب .. اذ كان يهيجن بالبدوية: “يهودي وش لك عندنا.. تغير علينا القايله وان قدر الله نذبحك عند الحرم وديارنا والي يموت خليه يموت، خليه يزور المقبرة..”
ولا يهدأ الألم ولا يستكين.. وتقول الأم لوالده:”حرام عليك الولد مسكين” ويرد الوالد :”ماعليكي انه فطين مكين، انه ابن فلسطين.. سلام على روحك..
ويتوحد تراب فلسطين ودم وجلد وروح الفطين المكين.. وتقدر الاقدار ويخيم الذل والانكسار وتغمر الدموع والدماء هضبات فلسطين ويفرض عليه ان يهجر الارض ويرمي المنجل ويرحل..
وتتسع رقعة الفجيعة ويتعاظم الوجع.. وما عاد الفطين ولدا بل رجلا مكينا طماحا، نعم خرج من فلسطين لكنها لم تخرج أبدا من قلبه ، خالدة في ضميره خلود الحق، ومن دراسة قمح بلاده ينتقل الى دراسة توسيع افاقه فالفقر صوت يلهب ظهره الطامح فقد قرأ ان النوابغ والجبابرة وأعاظم الرجال كانوا من الذين عاشوا في الخيام والاكواخ واذاقهم الدهر لباس الجوع والفقر.. هكذا درس وتعلم..
وكان يرضى من العيش مضغة.. ومن الحطام يستنبت الكتابة والعلم والورق ورغم الالم والقلق يتقدم اكثر واكثر.. حصان جامح لا يتعثر في زحام المخذولين والمتخاذلين (ويتدكتر )احمد وينال شهادة الدكتوراة ولا تستقر روحه ابدا ويظل حالما واثقا بانتظار يوم عيد وميلاد جديد… بانتظار الرجل بانتظار البطل الذي يقودنا الى حطين ويحي صلاح الدين ويكسر الحصار ويمحي الذل والانكسار ويحقق الانتصار ويعيد فلسطين … ويقتحم الدكتور ميدان العمل في البنك المركزي ويكدح ويزاحم … ليتخذ له حيزا مميزا، مما اثار حسد الحاسدين وحفيظة الهمل موظفي الجهل والكسل من الحاقدين والواشين والاقليميين ويترك صاحب النفس الجبارة يترك العمل ويرحل .. كما ترك سابقا المنجل ويتسع الفتق والرتق ويرجع الوجع الذي يكتم ولا يكتب ..
سلام على روحك احمد .. فما استسلمت ولا حقدت ولم تهن ولم تستكن فانت الرجل الرجل .. الفطين المكين تحليت بحلي الصبر وتوحشت برداء العلم ولبست ثوب العقل واستكملت اسباب وشروط النجاح بالكد بالجهد بالكفاح … وتبدأ مسيرة جديدة .. مسيرة انجاز واعجاز … عالية في البناء حجرا .. وغرست الارض شجرا..
واضئت منارات العلم دررا … فجنيت العز والمجد والثراء ثمرا .. وانبت في المكارم رغم الوجع اثرا… ايها الحوراني … حرة روحك انت … نوارني كالبدر آنا التفت .. واي شوط عظيم في مضمار الحياة قطعته … احداث تزلزل الجبال وتقهر الرجال فلم تكسر ولم تقهر … يا كريم يا جواد
وبيتك بيت الكرام والمحامد ..
يا وهج الشهامة يا نور الكبرياء الماجد..
يا من ارتقلى العلياء … لم تعمل الخير رياء .. ولم تتركه حياء .. فتزودت من نفسك لنفسك … ومن دنياك لاخرتك ومن الحياة قبل الموت فتقدمت وقدمت لمقامك .. اوديت الى الله طاعته واتقيته بحقه فانابك بجواره وخلدك في داره … اذهب يا شقيق الروح نقي الثوب قليل العيب ارجع الى حيث لا وجع .. فقد اضناك دبيبه … ونال منك فحيحه … فاترك الوجع لنا والفجيعة بنا
فالقدس اضعناها ..
والشام حرقناها
وبغداد نحرناها
والاحداث يزداد شرها
والنفوس يسرها ما يضرها
والريات السود قابضة على خمر الاحلام تستبيح حرمات الانسان وعظمة الاسلام..
اترك الوجع لنا ، ونم قرير العين في ظل العرش العظيم .. فيا ايتها الروح المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية … وبمعراج رجوعك الى الرفيق الاعلى وانت بثوب احرامك … اكمل فريضة طوافك على اسوار القدس وضياء الاقصى … وكبر ( الله اكبر ) (الله اكبر ) .. عائدون عائدون … فوعد الله لا يخون … وانا لله وانا اليه راجعون – اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك وهم المهتدون
تحياتي ال الحوراني … اصدقائي الاصادق … الحضور الكرام … كل الاجلال والاعظام والاحترام والسلام…