الحروب تفند أسباب فشل مجلس النواب

34

129425_1_1437335853

حصادنيوز-كتبت النائب رولى الحروب

أظهر استطلاع للرأي أجراه المعهد الجمهوري الدولي (IRI) أن 88% من الاردنيين لا يثقون بمجلس النواب.

كنت أتوقع أن يدعو رئيس المجلس النواب الوازنين ورؤساء الكتل واللجان لتدارس أسباب تدني الثقة بالمجلس لتشخيص المشكلة ووضع استراتيجية تنقذ المجلس وتعدل مساره الشعبي، ولكن يبدو أن الكثيرين لا تهمهم أصوات الشعب، وهم بالتالي لا يستشعرون خطورة هذه الاستطلاعات على سمعتهم وعلى الركن الأهم للديموقراطية في الاردن: مجلس النواب.

المجلس الآن في عامه الأخير، فهل سيواصل السقوط إلى الهاوية، أم يحول الفشل إلى تحد ويحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من ثقة الأردنيين، ليس بهذا المجلس فقط، بل بالعملية الديموقراطية برمتها؟!!

صحيح أن قانون الانتخاب غير العادل هو جزء أساس من تدني الثقة بهذا المجلس والمجالس التي سبقته، خاصة وأن حسابات رياضية بسيطة تظهر أن النواب في هذا المجلس هم إفراز لذهاب ربع من يحق لهم الانتخاب الى الصناديق، وأن من فازوا في الدوائر المحلية إنما يمثلون عشر ذلك الربع في دوائرهم، وأحيانا أقل أو أكثر، باحتساب ما حصلوا عليه من الاصوات مقارنة بأصوات الدائرة. وإن استثنينا نواب القوائم الوطنية الذين تم انتخابهم من كل أنحاء المملكة والذين كانت نسبة الهدر في أصوات من انتخبوهم هي الأقل مقارنة بنواب الدوائر المحلية، والذين لا يتجاوز عددهم 27 نائبا من اصل 150، فإن نظام الدوائر المحلية وطريقة احتساب الفائزين هي عامل رئيس في أن أي مجلس يأتي لا يحظى بدعم أكثرية الناخبين، وإنما يعبر عن الأقلية، وهذا بحد ذاته الركن الأول للفشل.

ولكن، بعيدا عن الحسابات الرياضية الأولية الناجمة عن قانون الانتخابات العامة، فإن هذا المجلس مسؤول عن فشله مسؤولية مباشرة، بسبب ضعف الأداء السياسي وعجزه عن ردع الحكومة في كثير من المواقع التي طالب فيها الشعب مجلسه باتخاذ مواقف حاسمة، ولا داعي للتذكير بعشرات المواقف التي كانت الأكثرية النيابية فيها تدير ظهرها لإرادة الشعب وتفتح قلبها وعيونها لإرادة الحكومة وتحتضنها وتدافع عنها في مواجهة الأقلية التي كانت تقمع تحت القبة وتمنع من الكلام والتعبير مجرد التعبير عن إرادة الشعب ووجدانه، ولا داعي للتذكير بمواقف أخرى خطب فيها نواب الأكثرية خطبا عصماء لإدانة مواقف بحد ذاتها، ثم انقلبوا على أعقابهم في التصويت عليها، أو صوتوا لصالح توصيات ولم يتابعوا نتائج توصياتهم، وأشبعوا الحكومة نقدا وفازت بالإبل!!

علاوة على ذلك كله، فإن إدارة الجلسات تحت القبة كانت بحد ذاتها عاملا من عوامل تردي الأداء، فالتصويت الالكتروني تم تعطيله تماما في الدورتين الماضيتين من عمر المجلس بذريعة عدم توفر نصاب في الجلسات وأن التصويت الالكتروني سيكشف غياب النصاب، وهي بحد ذاتها مخالفة دستورية حين يتم التصويت على مواد وقوانين بدون نصاب دستوري، وتعمدت الادارة تغييب مواقف النواب كي لا يعرف الشعب من أيد هذا القانون أو تلك المادة ومن عارضها، لحماية النواب المؤيدين للحكومة من المساءلة الشعبية عند العودة لقواعدهم الانتخابية، والاضرار بمواقف النواب المعارضين الذين لا تتاح لهم فرصة التعبير عن آرائهم تحت القبة أحيانا بسبب النظام الداخلي واحيانا بسبب المزاجية في ادارة الجلسات، وهو ما يجعل الصالح والطالح في نفس السلة أمام الجماهير!!

الأسوأ من ذلك، هو الطريقة التي تختار بها اللجان الدائمة ورؤساؤها وينتخب بها المكتب الدائم، فهذه أبعد ما تكون عن الاعتبارات السياسية ومقومات الكفاءة وحسن الأداء، وتخضع في معظم الحالات لحسابات التجارة والمقايضات، بل إن النائب الذي يبرز في لجنة أو يقدم أداء استثنائيا فيها يعاقب أحيانا بحياكة المؤامرات لإفشاله في اللجنة القادمة، ثم وبعد أن يتناحر الكثيرون على اللجان ورئاستها، لا يظهرون في اجتماعاتها التي تعالج قضايا المواطنين أو تناقش القوانين، وتعقد الاجتماعات بوجود ثلاثة من أصل أحد عشر نائبا في كثير من الحالات، وأحيانا بوجود رئيس اللجنة وحده !!

وبعدما تم تعديل النظام الداخلي مرتين في عمر هذا المجلس، ومنع النواب من الحديث تحت القبة إلا من يقدمون مقترحات خطية للرئيس قبل الجلسة التي يشرع فيها بمناقشة القانون، وجد معظم النواب أنفسهم تحصيل حاصل، ووجدوا أن حضورهم وغيابهم سيان، خاصة وأن التصويت ماض إلى نهايته بغض النظر عن الاعداد الحقيقية للموجودين أو الاعداد الحقيقية لمؤيدي الاقتراحات أو معارضيها، وهكذا تفشت ظاهرة الغياب عن الجلسات، فالنائب لم يعد قوة صوتية، لأنه فقد قدرته على التعبير عن آرائه تحت القبة ولم يعد متاحا له أن يوصل صوت ناخبيه، ولم يعد قوة تصويتية لأن المواد تنجح كما تريدها الحكومة في معظم الأحيان بغض النظر عن عدد المصوتين!!

أما الطامة العظمى، فهي الفتوى التي استصدرتها حكومة النسور من مجلس تفسير القوانين ومنعت النائب من ممارسة دوره الرقابي ومنعته من السؤال عن الاسماء أو طلب الوثائق في سؤاله النيابي، وهكذا اكتملت حلقات التهميش، فلا رقابة ولا تشريع ولا حتى فشة غل!!

أما الدور الخدماتي الذي يتقنه معظم النواب في هذا المجلس والمجالس الماضية، فقد سلب بدوره من الغالبية العظمى بسبب الاوضاع المالية الصعبة للخزينة وبسبب قرارات رئيس الحكومة الذي حول إدارة الدولة إلى مركزية مفرطة، فلا شيء يحدث فيها دون موافقته المباشرة حتى حين يتعلق الامر بنقل موظف او انتدابه من وزارة لوزارة أو شراء أثاث لمكاتب في جامعة رسمية!!

فوق هذا وذاك، فإن معظم المقترحات التشريعية والاجتهادات التفسيرية التي تقدم تحت القبة تطالب بالعودة الى مشروع القانون كما ورد من الحكومة، أي أنها بدلا من أن تقدم وجهة نظر جديدة أو تنتصر لاجتهادات الزملاء المستقلين أو اللجنة النيابية والتي تأتي بأحكام جيدة في بعض الأحيان، تقتل دور المجلس وحقه في التعديل، وتحوله إلى مجلس آذن لا آمر، خاصة إن دافع رئيس الحكومة أو الوزير المعني عن المادة موضع الجدل، فإن رأيهما يعمل عمل الاشارة التي يتم ارسالها لنواب الاكثرية لإحباط اجتهادات زملائهم في الاقلية المعارضة أو حتى لجنتهم النيابية المنتخبة!!

أما المبادرات التشريعية التي يقدمها النواب من اقتراحات بقوانين او اقتراحات برغبة، فحدث ولا حرج، لأنها تحال إلى رئاسة المجلس ثم تنام في أدراج الرئاسة رغم توقيع الرئيس عليها بالإحالة إلى اللجنة المعنية، ولكن اللجنة المعنية لا تدرسها ولا تنظر فيها، بل ولا تعلم عنها في كثير من الحالات، وقد أدى ذلك إلى إجهاض قدرة النواب على المبادرة باقتراح القوانين والافكار التي تخدم المواطنين، وأدى إلى إحباط الكثيرين منهم فتوقفوا عن تقديمها لأن النتيجة عدمية، وهكذا جرد المجلس نفسه بنفسه من كل عوامل النجاح والقوة!!

أمام هذا كله، وبدلا من أن يتحد النواب لتغيير مسار المجلس وتحسين أدائهم أفرادا وكتلا ولجانا، فإن بعضهم يتحدون لإفشال النواب الذين يعبرون عن ضمير الشعب ومنعهم من الحديث تحت القبة ويتآمرون لمنعهم من الفوز برئاسة اللجان أو الكتل، ويتفانون في خدمة مصالحهم الشخصية والجهوية من جهة، أو خدمة الحكومة من جهة أخرى، وكأن الحكومة وحدها هي من يملك الفكر ويعمل لمصلحة المواطن، وكأنما دور النواب هو دور شكلي، وهذا السلوك بحد ذاته يكشف ضعف إيمانهم بالديموقراطية وخيارات الناخبين، ولطالما سمعت من النواب أنفسهم أن الديموقراطية لا تفرز دوما الافضل، وهو امر مثير للسخرية، لأنهم يفترض أنهم جاءوا نتيجة لتلك الديمقراطية التي لا تعجبهم!!!

المجلس الآن في عامه الأخير، وأمام رئاسته ومكتبه الدائم فرصة أخيرة لتصويب مساره، والشعب الاردني كما تظهر كل استطلاعات الرأي غير راض عن أدائه، وأغلب الظن أن أكثر النواب الحاليين لن يعودوا في المجلس القادم، إلا إن اعتمدوا على المال أو تدخل قوات الدعم والإسناد، فهل ستغير الرئاسة نهجها في إدارة الجلسات والمحاصصة في اللجان وتضع خطة مخلصة لتطوير آليات العمل النيابي بعيدا عن المصالح الشخصية والنكايات، وهل ستعيد للمجلس دوره الدستوري سلطة تشريعية ورقابية مستقلة ندا للحكومة ونظيرا لها لا قمرا يدور في فلكها، وصوتا للشعب لا صوتا عليه، أم تجبرنا على قيادة تيار يطالب بالتغيير؟!!!

قد يعجبك ايضا