الجيش العربي .. نبض الاستقلال وقلب الوطن الغالي وسوره المنيع
حصاد نيوز – تحتفل المملكة بالعيد التاسع والستين لاستقلالها، في مناسبة هي محطة نتوقف فيها مع حجم الإنجاز الهائل الذي تحقق في وطننا الغالي على يد الهاشميين الذين نذروا أنفسهم للأردن، فكانوا رمزاً للاستقلال وعنواناً للعزة والسيادة، وبقي الجيش العربي الباسل قرة عين قائده الأعلى وسياجاً منيعاً، يحمي الاستقلال ويذود عن منجزات الوطن.
وعند الحديث عن الاستقلال نستذكر جلالة الملك المؤسس الشهيد عبدالله بن الحسين، الذي ارتبط شخصه بهذا الاستقلال، واستطاع بحنكته وذكائه، انتزاع الاستقلال انتزاعا. وقد جزم المؤرخون والمحللون في ذلك اليوم وبعد مضي أربعة وستين عاماً على استشهاد الملك المؤسس، بأنه كان يستشرف المستقبل في تفكيره وتحليله لطبيعة الظروف والأحداث آنذاك.
وقد كانت القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، ومنذ تأسيس الدولة الأردنية، أولى المؤسسات الوطنية التي وقع على كاهلها مسؤولية بناء الوطن بجميع جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
فعندما انطلقت شرارة الثورة العربية الكبرى، هب العرب لمؤازرتها، وكان لأبناء الأردن دورهم المؤثر فيها، فشاركوا في مسيرتها، على أمل الوصول للاستقلال، حلم أحرار العرب، وما أن انقضت هذه المرحلة وانتهت الحرب العالمية الأولى، حتى بدأت تلوحُ في الأفق مؤثرات عدة، ونقض عهود قطعتها بريطانيا وفرنسا للشريف الحسين بن علي، للحصول على استقلال البلاد العربية.
لم تقف مؤامرات الاستعمار عند حدود (إصدار وعد بلفور)، بل امتدت لعقد اتفاقية (سايكس بيكو) لتقسيم البلاد العربية التي تحررت من الانتداب الأجنبي، ثم محاولة إخراج الملك فيصل من أول مملكة عربية، بعد قيام ثورة العرب نتيجة الهجوم الفرنسي عليها.
وإزاء هذه الظروف والمتغيرات في سير الأحداث، أرسل الشريف الحسين، ولده سمو الأمير عبد الله، لتعزيز موقف الملك فيصل في سورية، فوصل سموه إلى معان، وكانت القوات الفرنسية قد أحكمت قبضتها على سورية، وبقي سموه في معان لثلاثة أشهر. ثم انتقل سموه بعدها إلى عمان، وبدأ بتأسيس إمارة شرق الأردن، وهو يضع نصب عينيه إبعاد هذا الوطن عن مؤامرات الاستعمار، محاولاً الحصول على استقلاله وبنائه على أسسٍ قويةٍ.
ارتقى سمو الأمير عبدالله إمارته، التي لم يكن يزيد عدد سكانها على ربع مليون نسمة، واستطاع بذكائه وحنكته وبعد نظره، تأسيس دولة فتية مستقرة، والقضاء على الاضطرابات والثورات الداخلية، ما دفع الحكومة البريطانية للاعتراف رسمياً باستقلال إمارة شرقي الأردن في 25 آذار (مارس) 1923، لكن هذا الاستقلال لم يكتمل نتيجة تنصل الحكومة البريطانية من وعودها التي قطعتها للأمير عبد الله آنذاك، وعقد سموه مع الحكومة البريطانية معاهدة 1928.
وفي 25 أيار (مايو) 1946، أنهي الانتداب البريطاني وأُعلن استقلال الإمارة، وأُستبدل اسمها باسم (المملكة الأردنية الهاشمية).
بايع الشعب وممثلوه والبلديات الأمير عبد الله، ليصبح ملكاً دستورياً على البلاد، فأعلن جلالته الاستقلال. ومنذ تأسيس الإمارة، أدرك مؤسس الأردن أن أي استقلال، يبقى هشاً ومهدداً، وعرضةً للتراجع والاهتزاز، إذا لم يكن هناك جيش يحميه، ويدافع عنه ويحافظ عليه، وقد أُسس الجيش العربي على مبادئ النهضة العربية، وأهدافها، فحرص منذ نشأته على المساهمة ببناء مؤسسات الدولة التعليمية والصحية، وتعزيز آفاق التعاون والعلاقات الاجتماعية وبناء قدرات الإنسان وتأهيله، وبناء الشخصية الوطنية الأردنية. وحتى يكتمل الاستقلال على أفضل ما يجب أن يكون، انجز الدستور الأردني في عهد جلالة الملك طلال ـ طيب الله ثراه ـ ليتم بناء مقومات الدولة ومؤسساتها على أسس دستورية.
وتؤول الراية إلى جلالة المغفور له الحسين بن طلال الذي عرب قيادة الجيش العربي عام 1956، وأناط مهمة قيادته لضباط أردنيين عرب، بدلاً من القيادة البريطانية التي كانت تقف عائقاً أمام إكمال الاستقلال، ثم أتبع جلالته تلك الخطوة العظيمة بقرار شجاع، ألغى فيه المعاهدة الأردنية البريطانية عام 1957، وبذلك أصبح الأردن يتمتع بجميع حقوقه، وأصبح الجيش الضامن الأساس لحرية واستقلالية القرار السياسي.
ثم عمد الحسين لصون الاستقلال، إلى تحديث وتطوير بناء الجيش وتزويده بأحدث الأسلحة والمعدات، وتنويع مصادر تسليحه، وخاض به معارك الشرف والرجولة للدفاع عن الثرى العربي الطهور، وعن الكرامة العربية، وأصبحت تناط به مهام حفظ السلام والأمن والاستقرار ومساعدة الشعوب بنيل حريتها واستقلالها.
وتمكن جلالته – رحمه الله – من تحقيق بنيةٍ تحتيةٍ، ما عكس الصورة الحضارية للمملكة في غضون عدة اعوام.وبعد 46 عاماً من العطاء، رحل الحسين إلى جوار ربه راضياً مرضيا، وودعه الأردنيون بمشاعر الحزن، لرحيل قائد فذ أحبوه واخلصوا له، وكان عزائهم الوحيد أنهم سيمضون بمعية جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، الذي انتقلت إليه الراية من خير سلف لخير خلف، فنهض فارساً يحمل أمانة المسؤولية بشرفٍ ورجولةٍ، يرسم خريطة المستقبل للوطن، فواصل البناء على ما سبق وكان همه الأردن وأبناءه، فدفع بعجلة الاقتصاد والتنمية والاستثمار ومكافحة الفقر والبطالة.
توالت الإنجازات في عهد جلالته، وركز على عنصر الشباب باعتبارهم فرسان المستقبل والعنصر الأهم في العملية التنموية، وبناء الوطن وأُطلقت مبادرات ملكية لإشراك أبناء الوطن بصنع المستقبل، واتخاذ القرار، ووضعت الفلسفة الخاصة بالمراحل المختلفة في عملية التنمية.
وقاد جلالته مسيرة الإصلاح التي تدعونا للبدء بإصلاح الداخل وإعادة ترتيبه، ومن هنا جاء شعار “الأردن أولا”، ليدعم أركانه، وإذا ما نظرنا لمنجزات الملك عبد الله الثاني التي تعد أساساً لصون الاستقلال، لوجدناها متعددة ومتجذرة، فقد تولى بنفسه ملف حقوق الإنسان، وأثرى العملية التربوية بحوسبتها وتطوير تقنيات تكنولوجيا التعليم، ووسع مظلة الأمان الاجتماعي والرعاية الصحية والشبابية، وأطلق الطاقات الكامنة في المرأة، واستثمارها في العملية التنموية. أما على الصعيد الخارجي، فاستحوذ جلالته على إعجاب العالم بفكره ونضوج آرائه واعتدالها.
نالت القوات المسلحة حظاً وافراً من العناية والاهتمام؛ إعداداً وتأهيلاً وتدريباً منذ آلت الراية لجلالة القائد الأعلى الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، الذي أولى القوات المسلحة كل عناية ورعاية، وبتوجيه من جلالته، تتطلع القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي مع كل مؤسسات الوطن، لأن يصبح الأردن دولة إنتاج واعتماد على الذات، وليتمكن هذا الجيش من ممارسة دوره في حماية المملكة وصون استقلالها.
أولى جلالته واستكمالاً لما بناه الآباء والأجداد، القوات المسلحة أيما اهتمام، وهي تمارس دورها الإنساني والريادي، وتدخل في مجالات المنافسة على مستوى الإقليم والعالم، سواء من خلال أدائها المميز داخلياً وخارجياً، أو من خلال احترافها العسكري، أو دخولها في مجال التصنيع والتطوير في المجالات الصناعية العسكرية، وبالتعاون مع بعض القطاعات الصناعية الدولية والعربية والوطنية عبر مركز الملك عبد الله الثاني للتصميم والتطوير KADDB الذي أنشئ بتوجيهات من جلالة الملك عبد الله الثاني العام 1999، كخطوة على طريق بناء قاعدة صناعية دفاعية مستقلة، وذلك في إطار التخطيط لأن يصبح هذا المركز مؤسسة صناعية تجارية، تسهم بتلبية احتياجات القوات المسلحة والسوق التصديرية.
وقد طور المركز شراكات استراتيجية مع عدة جهات عالمية وعربية بمشاركته في المعارض العسكرية الدولية، وعرض صناعته العسكرية المتطورة، ووقع عدة اتفاقيات مع بعض الدول لتزويدها بالآليات العسكرية التي يصنعها، ورفد القوات المسلحة بأنواع صناعات عسكرية، تلبي حاجاتها الدفاعية والتدريبية.
ويأتي تأسيس مركز الملك عبدالله الثاني لتدريب العمليات الخاصة (KASOTC ) الذي يعد مركزاً إقليمياً في منطقة الشرق الأوسط، لامكانياته التقنية والتدريبية والأسلحة والمعدات المتطورة، نواة فاعلة ومهمة في تقديم كل العناصر اللازمة لترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم. أصبح الجيش العربي قوة عصرية ديناميكية، قادرة على التعامل مع مختلف الظروف والتحديات والتخطيط للمستقبل بثقة وقدرة وكفاءة، بما يتفق مع تطلعات القيادة الهاشمية، ويحقق التميز والاحتراف.
ويملك هذا الجيش، أفضل أنواع الأسلحة والمعدات، ويتمتع بكفاءة قتالية عالية، وهو دائماً يسعى للأفضل، ويتطلع ليجعل من الاستقلال مسيرةً للخير والبناء والعطاء. -(مديرية التوجيه المعنوي – القوات المسلحة الاردنية)