هل من إجابة شافية ! ….برقبــــة مَنْ طفلُ عَمّانَ الجائعْ ؟!
( ضُبط طُفل متسولُ في عمان،تبين بعد فحصه بالمستشفى ان حالته الصحية سيئة لانه لم يشبع بطريقة كافية منذ شهرين على الاقل ).
( بالتزامن مع ضبط طفل جائع،زكمت الانوف ثلاث فضائح فساد فاضحة.تهريب اغنام،تمرير شحنة قمح،رشاوي اتفاقية تنقيب بترول .الفضائحيون المفضوحون شخصيات نافذة مفضوحة. نتسآءل ببرآءة الاطفال هل وقعت فضائحهم الفاضحة من باب الصدفة ام انها اصبحت ظاهرة مٌستحكمة ؟!.)
حصاد نيوز – بسام الياسين
طفل صغير في كامل برآءته، فوران مراهقته،لم يبلغ الثانية عشر عاما من عمره. تلوى جوعاً خلال الشهرين المنصرمين .لم يجد خلالها حلاً الا ان يركل طفولته بقدمه الصغيرة. ينزل من علياء احلامه الملونة المعلقة في السماء كقوس قزح الى شارع اسفلتي اسود ممتد امامه كثعبان مرعب،لاستجداء ثمن رغيف ليخرس وحش الجوع الذي ينهش امعاءه الجائعة. جوعُ لئيمُ يقرع اسماع الدنيا لكن لا احد يسمعه غيره. وقف على قارعة الطريق في منطقة مكتظة لعل باحثاً عن ثوابٍ يمد له يد العون . مدَّ يده مرتجفاً حياءً وبرداَ،كسير الخاطر،اصفر الوجه،باهت الملامح .مضت ساعة،كأنما هي دهرُ دونما جدوى.العابرون يمرون به سِراعاً. لا احد يلتفت الى احد.كلهم مشغول بذاته. جوعه يستفحل. بؤسه يتفاقم.يأس ينهشه من قمة نافوخه الى قاع كعبه.حزن كربلائي يفتت كبده.ريح باردة تنخر عظامة،تسكن تحت ثيابه الرقيقة. رغم نفسيته المحطمة،روحه القلقة لكنه لم ينس بفطرته الطفولية ان في الاعالي رباً سينتقم له . لا احدَ توقف عنده او نظر اليه،لكن الله معه. لا احد حاول ان يملأ كفيه حناناً،يعبأ جيوبه حلوى،يمسح على راسه عطفاً مثلما كان يفعل رسول الله مع امثاله. لاحظ الطفل بعين بصيرته، ان الخلائق كلما ارتفعت شمسها،تزداد امزجتها حدة وضراوة. تزداد خطاها عجلة .كلٌ يمضي لغايته ـ محطته ـ لاجل تزويد:”الانا” باحتياجاتها وبعدي الطوفان . ذهب الجميع و بقي الطفلُ الجائع وحده يمضغ جوعه.
طفل قلبه يخفق كعصفور في مواجهة عاصفة هوجاء. لا احد معه في هذه الفانية مع ان الحياة لعبة قصيرة .الكل مع نفسه.كل واحدٍ يكذب على ذاته بطريقته، كاصلع متعته شراء امشاط عاجية ثمينة،و اهدائها لزملائه الصلعان .دعابة سوداء تحمل في بعض معانيها تعزية لنفسه،وهُزءاً بصلعة غيره،وكالعنين دائم الحديث عن فحولته،وحين ينفرد بواحد يريق ماء وجهه لاستجداء “حبة فياجرا” من اجل رد اعتباره امام زوجته التي رفعت عليه دعوى طلاق بدعوى ” انه مش زلمة”. في استعراض حفلات الزواج، في التفاخر في مآتم العزاء،يمتد نسبنا الى حاتم الطائي مع ان مناسفنا بالشيكات وصالات افراحنا بالكمبيالات.”كبرة ولو على خازوق”…عرط بلا حدود،وخرط يتجاوز الحدود …، على مسرح الحياة نرتدي نظارات سوداء حتى لا نرى فقيراً،لا يتّعرف علينا محتاج .نعيش حياتنا، كأن لا حياة بعد هذه الحياة.شعارنا وان تعددت الشعارات،وتطايرت اليافطات:ـ اللهم نفسي .
ما قيمة الانسان مهما بلغ حسبه ونسبه،سلطته وثروته،علمه ورتبته، ان لم يُعَمِرَ حياته بفعل خير وذكرٍ حسن ؟!. ما قيمة وجوده في الدنيا ان لم تكن حياته مزرعة اعمال صالحة،لتأثيث قبره،و ملاقاة ربه بنفس راضية مرضية.لا كما يفهما الجهلة الذين ينفقون اعمارهم في تلميعَّ انفسهم،مثلما تُلمع البلديات الارصفة المُتسخة بالورنيش، والعجائز المتصابيات تجاعيد وجوههن بالاصباغ . يا لغباء الاغبياء، الحياة غير قابلة للقسمة او التعددية.”وما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون”. ما يعني مطلق الاستحالة ان يجتمع في جوف رجل واحد حب الله والمال/ حب الله والسلطة / حب الله والدنيا.اجمل ما في الحياة ان يتزود ساكنها بالتقوى من ينابيعها الكتاب والسُنة.عندها يلقى ربه في افضل حال واطهر سيرة.معنى ذلك ان لا معنى لحياة انسان بلا خطة طريق الى الله.افتقاره اليها يعني انه ضائعُ وسيُضَيّعَ من معه.ضالُ ويُضل غيره ومن حوله.
ما جدوى الحياة ان لم يملأ صاحبها اكف الاخرين حباً، يشحن حياتهم بهجةً ؟!. ما دوره على هذه الارض،ان لم يُحَصِنَ ذاته بمبدأ يقيه شر عبادة ذاته، ويمنعه من اللهاث خلف شهواته.بمثل هذا يرتقي الآدميون من فصيلة البهائم الى اعلى ذرى المراتب الانسانية.لا فائدة من انسان كائن من كان حتى لو امتلك الدنيا،لا ينتخي لمساكين اهله،لا يدافع عن ضعفاء قومه.ان فعلها، لحظتئذٍ يعيش كاولياء الله المُخْلَصين، وكعباده المكرمين،الحلقة الخاصة من خاصتة الخاصة،خاصة اننا نحن نعيش اعوام رمادة جائرة متصلة ،نشهد زمن اطفال القمامة،نلمس سطوة القساة القاسية قلوبهم كالحجارة او اشد قسوة.من سوء طالعنا اننا في عهد نخب لا تملك مهارات ابداعية،وليس لها قدرات مميزة.من مساويء قدرنا، انهم جاؤوا بقانون صدفة،وحتمية واقع مهتريء.ركبوا ظهور دبابات الواسطة ،مجنزرات المحسوبية .فاعتلوا اكتافنا عنوة،مع انهم “نخبويون”جهلة ، لم يقدموا لنا سوى مستقبلٍ اسود من قطران مُصفى.” اعرف شخصية “مهمة نافذة” كانت توبخه امراته كانه هو حرمتها،ولخلق حالة من التوازن كان بدوره يتمرجل علينا.لا تستغربوا ذلك، انا واحد من ضحاياه .اليست هذه مهزلة كبرى ؟!.
صغار تُنتهك طفولتهم بالطرقات، بكل الطرق الخبيثة.رحلة شوارع نهايتها ضياع نفسي.جوع مزمن يعقبه استغلال جنسي للصغار من لدن زعران كبار مروا بذات الاطوار و الادوار. في وقت يتهارش فيه كبراؤنا ـ والعياذ بالله منهم ـ كذئاب في نهاراتهم على صغائر الدنيا من مال وجاه.يتنازعون في الليل كقطط عمياء القيت عليهم قطعة لحمة. يتعاركون سراً كلما سنحت لهم سانحة في شقق مفروشة من يفترش” الشقفة الاحلى”.في خضم تطاحنهم على ما فوق السرة،وما تحت السُرةِ، نسوا ان هناك اسراً عفيفة،طلبه فقراء،بيوتاً بلا تدفئة،مدارس آيلة للسقوط،مراكز صحية بلا دواء،اطفالاً يهميون في شوارع باردة يقتلهم جوع كافر لولا حاوية صارت لهم ملاذاً ومرحمة .
“اكابرنا” يتراكضون وراء امجاد شخصية كاذبة،ملذات دونية عابرة،لا يعرفون في زحمة اوزارهم، ان كثيراً من الناس لا يجدون قوت يومهم.سيدي يا سيد الحكمة والبلاغة، يا عليُ كرم الله وجهه.اوجز لهم العدالة الاجتماعية في جملة واحدة :” ما شبع غني إلا بما جاع به فقير”،و الا كيف اصبح هؤلاء الحرامية بملآءة قارون،بذخ هارون، عيشة سلاطين بني عثمان،بينما كانوا حتى الامس القريب بلا احذية ولا كلاسين ؟!. ان لم يكن عندهم خاتم سليمان،فمن اين لهم هذه الملايين؟!.الجواب القاطع عند “طفل عمان الجائع”!.
كبيرةُ الكبائر إغراق الفرد في حب ذاته،إفناء عمره في جمع الاموال، تكديسها كمقتنيات متحفية.هذا هو ” الرجل النملة “، يمضي عمره في شغل مضنٍ كحمار قبرصي لا يهنأ باكله وشربه. “حمار الرحى” يقضي ايامه بلا راحةٍ ،يدور معصوب العينين حول نفسه.لا يرى من دنياه ابعد من انفه.وحينما يسقط كـ “فطيسة” يتراكض الورثة للتخلص منه بدفنه. لا اكراما له بل لاقتسام الورثة. شغله الدنيوي الشاغل كان، تلميع اسمه،رفع منزلته،ولو بسرقة الناس،ونهب وطنه. بئست حياته و مماته لانه لم يحس يوماً بوجع موجوع او يٌحسن لطفل يتضور من جوع.لم يقرع باب ارملة ليتفقد احوالها،لم يحمل ربطة خبز لاطفال يتامى.بخل بوجبة طعام وعلبة دواء لمُسنٍ على سريرموته.عظيم الشخصية ـ يا هذا ـ ان يكون حَسَنَ الظن بربه، ضمير ناسه،طاهر السريرة،نقي العلانية،صادق اللهجة في جلساته المغلقة،جريء كالقدر في مواجهة طغمة فاسدة حرمت الاطفال طفولتها،سلبت الناس حقوقها، دفعت البؤساء لاتخاذ الارصفة فنادق لها.
“طبقة محدثة النعمة والسلطة”،جاءت على حين غفلة،يقابلها كثرة كاثرة ذات فقر وخصاصة.تعيش على هامش الحياة، ليس لها ـ واللهِ ـ الا الله. دخلت موسوعة “غينيس” للارقام القياسية.حطمت الارقام بالتزاحم على بوابة المعذبين في الارض.فانقسم مجتمعنا. طبقة مترفة يقودها عتاولة شر،فحول سطو،حلفاء ليل،عتاة سلطة. مكرهم شديد،وكان مكر الشيطان ضعيفا. شريحة استأثرت بالسلطة،احتكرت الثروة،انفردت بالنفوذ.تقابلها قاعدة شعبية جائعة مكدودة منهكة،تعيش على الخبز والشاي،الخبز والبندورة،اكثرية تلسعها معاناة مُرةٌ كاوية،ما زالت منذ ان ولدت،تنتظر فرجاً من فرج الذي لن ياتي ولن ياتي ، فأخذت تتلهى بـ “طبخة حصى”، لعلها تنضج يوماً ما بمعجزة، رغم ان زمن المعجزات ولى من غير رجعة.
عصابة نخبوية تعبد الله على حرف،تمارس طقوس عبادتها بطرق ميكانيكية،لا عن معرفة يقينية.لو كان عندها ذرة معرفة بالله وقرأت حديثاً من احاديث رسوله لم تفعل ما فعلت.،لحفرت في وجدانها ما قاله محمد بن عبد الله سيد البشرية وقدوتها ( : “…… و أيما اهلُ عَرَصةٍ ( حي/ جبل/ شارع/ زقاق) بات فيهم امرؤُ جائعُ،فقد برئت منهم ذمة الله”). لنقشت على بوابة قلبها قصة الرجل الذي سقا بخفه كلباً في فلاةٍ،فغفر له الله ما تقدم من ذنبه وما تاخر . لدمغت على جبينها ما رواه ابن عمر عن نبي الله 🙁 ” عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت،فدخلت فيها النار، فلا هي اطعمتها و لا سقتها ). إلهي ما اعدلك: رجل يدخل الجنة بشربة ماء سقاها لكلب.امرأة تدخل جهنم بتعذيب قطة. فمن يتحمل وزر طفل عمان يــــــا اللـــــــــــــــــــــــــــــه ؟!.
مشكلة الجوع تتنامى بمأساوية فجائعية،تُشكّل إحباطاً متمادياً مطرداً دون ما امل في حلٍ على المدى القريب او المنظور.مشكلة ولدّت ردة منفلتة على الدولة.تمظهرت في إحتلال اصحاب البسطات معظم ارصفة الشوارع،حتى غدا ما فعلوه “ثورة جوع سلمية “.وفرضت واقعاً غير قابل للتغيير،لا تقوى قوة على ازالته. لوقوف جيش من فقراء أُميين محرومين كالمدماك المسلح خلفه للدفاع عنه ،بعد ان اصبحت البسطات للجياع ،كسفينة نوح للغرقى، من لم يركبها فانه لا محالة سيموت.سؤالنا الموجع: كيف تنجو البقية الباقية ممن لا تجد لها مساحة “بسطة ” في الحياة؟!.