الاردن .. العشرينية سناء .. رواية حكاية “انتهاك” جسمها والتحرش بها
حصاد نيوز – “جسدي سبب في الحالة النفسية السيئة، التي أعيشها منذ عام تقريباً”، بهذه العبارة، بدأت العشرينية سناء (اسم مستعار)، رواية حكاية “انتهاك” جسمها، والتحرش بها.
تعود القصة، وفق سناء، إلى عام مضى، عندما قررت حضور إحدى الحفلات، التي أقيمت ضمن مهرجان محلي كبير، برفقة صديقاتها، حيث كانت المرة الأولى، التي تتوجه فيها لمكان فيه حشود كبيرة.
سناء، الموظفة في إحدى الشركات الخاصة، قدمت للمهرجان مبكرا، لتحجز مكانا مناسبا لها، غير أن “المأساة”، حسب وصفها، بدأت عندما انتهى الحفل، وخرجت، لتتفاجأ بمجموعة من الشباب، يزاحمونها، وكلما حاولت أن تبعد يد أحدهم، عن لمسها، يسارع آخر للمس جزء من جسمها، وكأنه يطارد “فريسة”، وفق وصفها.
تقول سناء “بقيت أرتجف وأبكي، حتى أنني لم أر صديقاتي”، حيث عمت الفوضى المكان، والتدافع كان كبيرا”، متابعة “ظل جسمي يرتعد حتى وصلت الى السيارة، وركبت فيها وأنا منهارة مما حدث”.
سناء، لم تجرؤ على إخبار أهلها بما حدث لها، كونهم سيلقون اللوم عليها، لأنها ذهبت لمهرجان، يضم أعدادا كبيرة، واصنافا مختلفة من الناس، فضلا عن انها ترددت في إخبار احد، بما حدث معها، لأن ذلك ربما يسيء لسمعتها، وفق قولها.
اليوم، وبعد عام من الحادثة، تقول سناء “أشعر بخوف حتى الآن.. وبت أكره جسدي، كلما تذكرت لمسات الشباب وتدافعهم علي، أصاب بحالة هستيرية من البكاء”، مستدركة “صرت أخشى التواجد في أماكن عامة، وأفضل العزلة والانطواء”.
صمت على “الجريمة”
تجربة سناء، تواجه مثلها يوميا فتيات ونساء عديدات، يتعرضن لشتى أشكال التحرش الجنسي، وهو ما يؤكده حقوقيون وناشطون وعاملون اجتماعيون، ممن استطلع آراءهم، بل ويكادون يجمعون على “ازدياد هذه الظاهرة”، غير أن “صمت الفتيات خوفا من وصمة العار، او الإساءة لسمعتهن، والخشية من الأهل”، فضلا عن “ضعف التشريع القانوني، الذي يعاقب المتحرش”، يحول دون رصد دقيق ورسمي لانتشار هذه الظاهرة.
وكان تقرير، صادر عن منظمة العمل الدولية مؤخرا، حول “ظاهرة التحرش”، بين أن الأردن “وصل لمستويات غير مسبوقة في هذا الجانب، خصوصا مع انخراط المرأة في سوق العمل”، مستعرضا “ضعف المنظمات، التي تعنى بحقوق المرأة، والدفاع عنها، والتي تعمل غالبا، وفقا لرغبات الحكومة وتفتقر للدعم الشعبي”.
وحذر التقرير من “الصمت” على ما يجري، على صعيد هذه الظاهرة، في الأردن، ويؤكد وجوب اتخاذ السلطات لاجراءات، لتلافي الوقوع في أزمة مصر، فيما يتعلق بتفشي الظاهرة”.
وتعرف منظمات حقوق الإنسان التحرش الجنسي، بأنه القيام بتوجيه أي نوع، من الكلمات غير المرحب بها، أو الإقدام على أفعال لها طبيعة، أو إيحاء جنسي مباشر، أو غير مباشر، تنتهك السمع أو البصر أو الجسد تجاه المرأة.
وتتوزع أنواع واشكال التحرش الجنسي، بين التحرش باللمس، او بالنداءات او الإيحاءات، والتحرش بالعين، وبالملاحقة والتتبع. هذه السلوكيات تنتهك، وفق منظمات حقوق الإنسان، خصوصية فرد أو مشاعره، وتجعله لايشعر بالارتياح، أو عدم الإحساس بالأمان والخوف.
سيكولوجية الفأر !
اختصاصي الطب النفسي د. محمد الحباشنة يفسر فعل التحرش بما يسمى “سيكولوجية الفأر، الذي يقضم ويهرب”، إذ يعتبر أن الموضوع له علاقة بـ”تدني القدرات العامة لدى المتحرش، كونه شخصا يعتقد أنه يمارس السلطة والرجولة، على أنثى، ويثبت وجوده كشخص مرغوب فيه”.
ويرى الحباشنة أن التحرش “علة غير أخلاقية، أكثر من كونها نفسية، بالنسبة للذكر”، الى جانب أن العقل الجمعي “لا يستنكر قصة التحرش، سواء من قبل الشخص نفسه، أو ممن حوله، إذ لا وجود لاستنكار أسري، بصوت قوي”، كما ان الاستنكار القانوني “غير مثبت، فهي جريمة صامتة”.
اجتماعيا، يرى الاختصاصي الاجتماعي د. حسين محادين ان “الميل الجنسي نحو الآخر، هو فطرة إنسانية في الأساس”، وان “الثقافات تختلف في تغليف هذه الغريزة، من حيث العادات والتقاليد، والحرية الفردية، وحدودها، وملكية الجسد وأحقية التصرف فيه”.
ويعتبر محادين أن أنماط التنشئة الاجتماعية لدينا “تعزز الموقف السلبي من الأنثى، حيث ينشأ الذكور تنشئة أقرب الى مفهوم الفروسية، منها الى التشاركية، في مثل هذه النظرة والعلاقات اللاحقة”.
ويوضح محادين أن النظرة في مجتمعاتنا الى الأنثى، تعتبرها “صيدا أو غنيمة، وذلك جراء التربية، التي يتلقاها الشباب والإناث،
فتقوم المعادلة المختلة، في النظرة الى الجنس، الذي تمثل فيه المرأة ثقافياً ووجدانياً مركزاً للشرف، كما هو متداول”.
ومن هنا، فان فكرة الشرف أحيطت بالمعنى النمطي، في هذه الحالة، التي أعادت تقييد وأسر المرأة الأنثى، لأنها باتت دائماً مستهدفة، ورغم وعيها وشهادتها، وحتى قدراتها الأخرى، فانها تبقى مستهدفة من هذه الناحية النمطية، وبالتالي فان مفهوم التحرش لا يتصدر معايير الحكم الاجتماعي السائد، وفق محادين.
ولذلك يرى محادين أن الأنثى “تضطر للصمت، والتغاضي عن موضوعات الجنس والتحرش، كونها نشأت كفتاة، على أنها جزء من متعة الرجل” على حد رايه.
التلهوني: توجه لتعديل “العقوبات”
أكثر من قضية تحرش، اخذت ابعادا واسعة في الرأي العام الأردني خلال السنة الاخيرة، كان ابرزها حالة “هياج جماعي شبابي” جرت في إربد قبل أشهر، كانت ضحيته طالبتين جامعيتين، ما دفع الى إعلان الحكومة ووزارة العدل حينها عن توجه لتعديل قانون العقوبات، وتشديد العقوبات بحق مرتكبي فعل التحرش. وأعلن يومها ان من ضمن العقوبات لمن يضبط بفعل التحرش، وثبت بحقه الجريمة، نشر صورته في الصحف، كاسلوب رادع له ولغيره.
ويقول وزير العدل بسام التلهوني أن اللجنة القانونية، المكلفة بمراجعة قانون العقوبات، في هذا الاتجاه، ما تزال تعكف على اعداد تعديلات بنصوص في القانون، تمهيداً لاحالته، بعد الانتهاء منه، الى مجلس الوزراء، للسير باجراءات اقراره دستوريا.
ولفت التلهوني إلى أن اللجنة تعمل بشكل متواصل، ومستمر مع كافة المختصين والمعنيين في هذا الشأن، بمن فيهم اللجنة القانونية في مجلس النواب، والخبراء المختصون في مجال القانون والعقوبات.
لوم الضحية.. وافلات الجاني!
هند (اسم مستعار)، طالبة جامعية، لاذت بالصمت، عندما تحرش بها، شاب في حافلة، استقلتها للذهاب لجامعتها.
تقول هند بألم “استقل يوميا حافلة لجامعتي في إربد، اضطررت في أحد الأيام، حتى لا أتأخر على المحاضرة، أن أصعد لحافلة امتلأت بالركاب، ولم أجد سوى كرسي فارغ واحد في المقعد الخلفي”.
وتتابع “جلست والتصقت بطرف النافذة، ووضعت حقيبتي بيني وبين الشاب بجانبي، ولم تمض دقائق على تحرك الحافلة، حتى بدأ الشاب بتمرير يده على رجلي”.
الصدمة والارتباك غلبتا على هند، التي لم تجد امامها سوى النظر بـ”اشمئزاز” للشاب، هامسة بأن يبعد يده، والا يعيد تصرفه الخادش للحياء، غير أنه عاد بعد دقائق، ليعدل جلسته، ولتلامس يده جزءا آخر من جسدها!
طوال الطريق، انهك التفكير المصحوب بالمقت عقل هند، متسائلة بينها وبين نفسها: “هل تنزل من الحافلة لتجد نفسها، في شارع يخلو من المارة، خاصة وانها في منتصف الطريق بين عمان وإربد، وربما تتقطع بها السبل؟!” أم تصرخ في الشاب، وتستنجد بالركاب والسائق، وتتسبب بـ”الفضيحة” لنفسها، وخصوصا أن بعض الركاب، هم طلبة، قد ينقلون القصة لمسرح الجامعة، وبذلك تكون أساءت لنفسها بفضح أمر التحرش بها!
ولأن المجتمع “يلوم الضحية ويترك الجاني”، وفق هند، فإنها آثرت أن تبتلع قهرها، وتصمت على انتهاك جسدها!
يشير الدكتور الحباشنة إلى أن الأنثى، “دائما تأخذ دور الشخص الملام، عندما يتم التحرش بها”، كما أنها تتهم بان “مظهرها وتصرفاتها هي السبب وراء ذلك”، مبيناً أن هذه الأسباب، التي تلقي باللوم على الفتاة، “غير أخلاقية وغير حضارية، وهي اتهامات تجعل الفتاة تتغاضى عما حدث معها، ما يجعل الظاهرة تنتشر أكثر”.
وعن الآثار المترتبة على تفشي ظاهرة التحرش بأشكاله المختلفة، يرى الحباشنة أن “استمرار هذه المسلكيات، وعدم وجود قوانين رادعة، سيشكل مقدمات لرهاب وقلق اجتماعي لدى الفتاة الضحية، وانخفاض للثقة في النفس، وانعدام الأمان، واضطرابات زوجية، فضلا عن العزلة والغموض، كونه أمر كفيل بصنع كل الأمراض النفسية للفتاة، فهذه سيكولوجية أنثى، ستصبح أما وزوجة وأختا”.
الظاهرة في ازدياد
الدكتورة رولى قواس، فصلت قبل ثلاثة أعوام، من منصب عميدة كلية الآداب في الجامعة الأردنية، على خلفية انتاج طالباتها، فيلما قصيرا، ينتقد ظاهرة التحرش الجنسي اللفظي في الجامعات، حيث هوجم الفيلم، ولم يتم الاعتراف به، واعتبرت ادارة الجامعة ان القواس قامت بـ”تشويه سمعة الجامعة، قبل ان تقيلها من منصب العميد”.
تؤكد قواس، في حديثها، أن التحرش الجنسي “في ازدياد وتفش في المجتمع الأردني، كما هو في مجتمعات أخرى”، متابعة “إلا أن ما يميز باقي المجتمعات عن الأردن، هو أن العالم كله اعترف بوجوده، وبدأ في البحث عن حلول للتخلص منه، بينما هناك خوف كبير من التحدث فيه في مجتمعنا”.
من جهتها، تذهب المديرة التنفيذية لمركز العدل للمساعدة القانونية، هديل عبد العزيز، الى أن التحرش حتى الآن “لا يعتبر جريمة”، كما أن القوانين “عاجزة وغير كافية وغير رادعة، على الإطلاق، ولا تجرم المتحرش”، مبينةً أن الأسوأ من الوضع التشريعي، هو الوضع التطبيقي على ارض الواقع، فبمجرد أن تفكر المرأة الضحية، بأن تشتكي، فلن تجد آليات سهلة تمكنها من ذلك، فضلا عن أن المسؤولين عن الأمر أنفسهم لا يشجعونها على ذلك!
وترى عبدالعزيز ان سبب زيادة حالات التحرش، وعدم وجود أرقام رسمية حولها، هي النظرة المجتمعية، التي تلوم الضحية، أكثر من الجاني.
التحرش في العمل!
التحرش بالفتاة لا يقتصر على الشوارع والأماكن العامة، وفي المواصلات، فهناك حالات، حدثت في اماكن العمل والدراسة، غير أن خوف الفتاة من النظرة المجتمعية، وتحميلها مسؤولية التحرش بها، تقفان ايضا وراء عدم وجود أرقام دقيقة عن قضايا التحرش في هذا السياق، ما يسهم في تزايدها.
فالثلاثينية ريم (اسم مستعار)، تعمل في إحدى الشركات التجارية، وتضم عددا كبيرا من الموظفين، تروي قصة التحرش بها في العمل، حيث تقول انها استدعيت يوما لمقابلة المدير المسؤول، رغم عدم وجود تعامل مباشر بينها وبين المدير.
وتتابع “احسن الرجل استضافتي، واشاد بكفاءتي، واخبرني أنني احتاج لتطوير نفسي في العمل، وأنه سيساعدني في ذلك”.
ريم، وفق قولها، بدأت تشعر بنبرات صوته، وقد اختلفت، وبنظراته وقد اقتحمت جسدها!، حاولت أن تواصل حديثها، متذرعة بـ”حسن نيته”، وفق قولها، لكنها تفاجأت به يقف، ويقترب منها ويحتضنها، لكنها صرخت بوجهه، وأبعدته عنها مباشرة.
ردة فعل ريم، جعلت المدير يهددها، حيث قال لها: “لو علم أي أحد من الموظفين بما حصل سأدمر مستقبلك المهني”! كما تقول.
وتضيف: “خرجت من مكتبه، وأنا في حالة مزرية، ولا أعرف كيف أتصرف، وعندما عدت للمنزل، جلست مع نفسي، وفكرت ملياً، وتوصلت الى أنني لا أستطيع أن أخبر أحدا، بالأمر، كونه سيكون محرجا بالنسبة لي من جهة، وقد يتهمني البعض بأنني من شجعه على ذلك، إلى جانب أنني لا أريد أن أخسر عملي، الذي تعبت جداً حتى عثرت عليه، ولا يوجد ما يضمن لي حقي من جهة ثانية”.
بعد تفكير قررت ريم أن تقبل الأمر الواقع، وتنسى ما حدث، “ذهبت الى العمل في اليوم التالي، وكأن شيئاً لم يكن، وبت أحاول تجنبه بشتى الوسائل، الا أن الجميع لاحظ معاملته السيئة لي، وتحميلي مسؤولية أخطاء ليس لي فيها ذنب، فضلا عن محاولة إعاقة أي أمر أرغب في القيام به في العمل”.
قانون غير رادع
وتشير عبد العزيز إلى ان قانون العمل لا يردع التحرش الجنسي على الإطلاق، حيث ان القانون “يكتفي بقبول استقالة العاملة التي تتعرض للتحرش وأخذ حقوقها، ومعاملتها على أنها فصل تعسفي”، متغاضيا عن العقوبة الجزائية للمتحرش، مشددة على ضرورة “وجود حماية أكبر بتعريف أوسع، والتأكد من أن الاجراءات وآليات التنفيذ فاعلة”.
وزارة العمل، من جهتها، اوضحت، حول القوانين المتبعة فيما يخص التحرش، بان “قانون العمل، وفي باب الإساءة الجنسية والتمييز، شهد تعديلا مهما، حيث تم النص صراحة على فعل التحرش الجنسي، في مكان العمل، حيث نصت المادة 29 /6 من قانون العمل المعدل لسنة 2008 بأن للعامل، ذكرا أم أنثى، في حال وقوع فعل الاعتداء عليه، ترك العمل، والمطالبة ببدل التعويض عن الفصل التعسفي، والذي يتراوح بين راتب ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر، اضافة إلى بدل شهر الاشعار”.
وزادت الوزارة، في تصريح رسمي، ان المشرع “ربط هذا الحق للعامل، بأن يكون الفعل قد صدر عن رب العامل، أو من يمثله، ولم يعالج الحال، فيما اذا صدر الفعل عن أحد الموظفين، فلا يوجد آلية معينة في القانون تعاقب الفاعل، اذا كان من غير أصحاب العمل، أو من يمثله، فلا يوجد في القانون اجراءات معينة، يتم اتخاذها بالتحقيق، وبالتالي فان الفاعل يفر بفعله، الا اذا لجأ المجني عليه إلى تقديم الشكوى، استناداً إلى أحكام قانون العقوبات”.
وفي الجزء المتعلق بصاحب العمل، بينت الوزارة أنه إذا ثبت وجود تحرش جنسي، فيحق للعامل ترك العمل فورا، مع المطالبة بالتعويضات، “ولكن حسب أحكام القانون، وبالذات ما ورد بالمادة (25) منه، وبحدها الأدنى، شهرا تعويض بخلاف شهر الإشعار، وترتفع المطالبة، بمقدار نصف شهر، كلما زادت خدمة العامل”.
اما اذا كان المتحرش عاملا، فان قانون العقوبات هو المختص بمثل هذا النوع، من الجرائم، ولكن بالرجوع إلى قانون العمل، نجد وبالذات، ما ورد بالمادة (28)، الفقرة (ز)، والتي منحت صاحب العمل الحق بفصله فورا، ودون إشعار، وأية تعويضات، وذلك بخلاف القضية الجزائية” بحسب الوزارة.
تشديد العقوبة
يوضح مستشار الطب الشرعي، الخبير لدى مؤسسات الأمم المتحدة في مواجهة العنف د. هاني جهشان، أن التكييف القانوني لجريمة التحرش، يستند الى “جريمة الفعل المنافي للحياء، المنصوص عليها بالمادة 305 عقوبات، وهي جريمة التحرش الجنسي بالمداعبة، التي لا تصل بالفحش لجريمة هتك العرض، وجريمة الفعل المنافي للحياء المنصوص عليها بالمادة 306 عقوبات، وهي جريمة التحرش الجنسي بواسطة الكلام”.
ونوه إلى أنه، للأسف، “ما يزال العقاب على ارتكابهما، يتمثل بالغرامة المالية، أو السجن لفترة بضعة أشهر، قد تستبدل بغرامة”، مؤكدا ضرورة تشديد العقوبة على هذه الجرائم، دون استخدام عقوبة الغرامة، لردع تكرارها، من قبل الآخرين، ولايصال رسالة واضحة بأن التشريعات تتعامل مع العنف الجنسي بجدية مطلقة”.
مدير العيادات القانونية في مركز العدل للمساعدة القانونية، والناشط في حقوق المرأة، المحامي عاكف المعايطة، يقول إنه ومن تعامله المستمر مع الحالات، التي تم التحرش بها، يجد أن المشكلة الكبيرة، هي “في الفتاة، التي ترفض الافصاح والابلاغ عن هذه الجريمة”.
الأمر الذي يجعل الشخص المتحرش، يتمادى في هذا السلوك، وفق المعايطة، الذي يبين أن التحرش “لم يعد في الشوارع وفي الأماكن العامة فقط، بل بات منتشرا جداً في العمل والجامعات”.
وينوه المعايطة إلى أن الفتاة “من حقها العمل، وأحيانا كثيرة، فان رفضها الإفصاح عن المتحرش، يكون من رغبتها بعدم ترك وظيفتها، وخوفا من ردة فعل أهلها، لذلك تصبح جريمة مسكوتا عنها”.
لا علاقة للباس الفتاة بالجريمة!
هند تتساءل: “ما الذي يستفيده شاب من لمس جسد فتاة محجبة لم تبرز مفاتنها”؟!، مؤكدة أنها، وبحكم التنقل في المواصلات العامة، تحرص على ارتداء اللباس الفضفاض، لأنها محجبة، لكنها مع ذلك لم تسلم من التحرش، وفق قولها!
هذا التساؤل يجيب عليه مختصون وخبراء، بالتأكيد ان المشكلة لا علاقة لها بلباس الفتاة، وسواء اكانت محجبة أو غير محجبة، فالمشكلة هنا “هي لدى الشخص المتحرش، لا المتحرش بها”.
المعايطة يؤكد، في هذا السياق، ان “صمت الفتاة لخشيتها اللوم، والإساءة لسمعتها، أو تحميل جمالها أو لباسها، وزر تحرش الآخرين بها، هو وراء عدم وجود أرقام حقيقية تعكس “الواقع المخيف” لهذه الظاهرة. وينوه إلى أن الأمر “لا يتعلق باللباس، فالتحرش يمارس ضد الجميع، ولا يفرق بين فتاة واخرى ، وبين لباس وآخر، فالأمر متعلق “بعقلية المتحرش وبيئته”.
ورغم أهمية تعديل القوانين المتعلقة بالتحرش وتفعيلها، بحسب المعايطة، إلا أنه يرى أن الحل، يتمثل في “تغيير نظرة الشاب للمرأة عموما، من جهة، كما أن على الفتاة ألا تصمت على انتهاك جسدها، وهدر كرامتها من جهة أخرى”.
تغيير النظرة للجسد
فيما ترى قواس أن الحل للحد من هذه الظاهرة يكمن في “رفع الوعي عند المرأة، وعدم خوفها من العيب أو العار، وضرورة مقاضاة المتحرش، كونه مرض يتفاقم ويتفشى”، فضلا عن ضرورة “تغيير نظرة الرجل العربي للمرأة”، مستدركة “فليس من حقه النظر الى المرأة بهذه الطريقة، التي تنتهك كرامتها، وتهدر حياءها”. وتشدد قواس على أهمية حل الموضوع من جذوره، وذلك “بتربية الرجل على احترام المرأة، وتدريس الثقافة الجنسية، باعتبارها علما، وعدم النظر للمرأة على انها مجرد جسد”.
ويتفق محادين مع قواس، بضرورة إعادة “بث الوعي حول طبيعة أجسادنا، وماهية التغيرات “النفسنمائية”، التي يعيشها كل فرد”، خصوصاً وأن أعدادا كبيرة من الشباب “لا يتلقون التوعية عن الجنس الآخر، وماهيته، من مصادر موثوقة”، وانما يميل أغلبهم إلى “تقليد الشلة والأقران، في ممارسة التحرش بأشكاله المختلفة، بالإضافة الى متابعة وسائل الإعلام البصري، وما تمثله من انفتاح ومشاهد تغري المتحرشين”.