أبناء وزراء ينضمون لـ «السلفي الجهادي»
اندهش أحد المواطنين مؤخرا عندما علم أن ابنه، الذي تخرج طبيب أسنان، باع عيادته وكل ما لديه وتوجه إلى سورية، قاصدا ما أسماه ‘الجهاد’، بعد أن أصبح ‘سلفيا جهاديا’ في ليلة وضحاها.
وتكرر هذا الأمر، أيضا، مع أحد النواب الذي كان طلب من ابنه، الذي يدرس الهندسة في إحدى الجامعات العربية، الحضور إلى الأردن للمشاركة في الانتخابات النيابية والوقوف الى جانبه، ليفاجأ أن ابنه يرفض الحضور، تحت ذريعة ‘تحريم’ المشاركة بالانتخابات، استنادا إلى مرجعيته ‘الجهادية’.
ويشهد أفراد من المجتمع الأردني حالة تحول مستغربة، لم يستطع أحد تفسيرها، في ظل سرية مغلقة يكتنفها غموض الفكر السلفي حول الطرق المتبعة لجذب نخب في المجتمع ومن مختلف الفئات العمرية.
وعن تجربة انضمامه للتيار السلفي الجهادي، قال مصدر من التيار لـ’الغد’، إن هذا التيار هو الذي قد ‘يعيدنا إلى عصر الخلافة الاسلامية ويحفظ كرامة المسلمين وينصرهم، ولهذا رغبت بالانضمام إلى هذا الفكر’.
وأضاف المصدر: ‘إن انضمامي الى التيار كان بعد عملية 11 أيلول (سبتمبر) التي استهدفت برجي التجارة العالميين في الولايات المتحدة الأميركية’، لافتا الى أن هذا الفكر، ‘هو الوحيد بين الجماعات الاسلامية الاخرى الذي يتصدى فعليا لأعداء الامة الاسلامية في ظل هوان الدول العربية’.
واضاف، مفضلا عدم ذكر اسمه، إن هناك العديد من الشباب، وتحديدا المتدينين، ممن يتصفحون المواقع الجهادية على الانترنت، وهكذا ينجذبون نحو هذا الفكر ثم يطلبون ‘الجهاد في سبيل الله نصرة للمسلمين’، مشيرا الى أن ‘كل المنتمين للفكر السلفي هم مجاهدون، او لديهم مبادرة الجهاد دفاعا عن الاسلام والمسلمين’.
ويقول سلفي آخر: ‘هناك معياران لمن ينوي الجهاد، أولا أن يصلي الفجر حاضرا، وثانيا أن يكون على درجة رفيعة من الخلق’، مشيرا إلى أن هناك أشخاصا يذهبون إلى سورية بقصد ‘الجهاد’ بلا تنسيق مع الفكر.
وحدث مرة أن بوغت صاحب شركات إسكان بابنه الذي يسميه ‘ذراعه اليمنى في العمل’، يغادر منزله بداعي الذهاب الى الديار المقدسة بقصد العمرة، لكنه اكتشف بعد ايام ان ابنه موجود في سورية بغية ‘الجهاد ونصرة للسنة الذين يواجهون حربا طائفية’، وفق ما أبلغ الابن والده في اتصال هاتفي، لكن الأب مارس كل الادوار الانسانية والعاطفية حتى تمكن من اجبار ابنه على العودة إلى الاردن، بعد مرور أربعة اشهر على تواجده في مدينة درعا السورية.
وتتعدد قصص الانضمام الى السلفية الجهادية، بحسب القيادي في التيار محمد الشلبي، الملقب بـ(ابو سياف)، والذي قال إن هناك عدة وسائل يلجأ لها التيار لنشر دعوته، منها السجون كما في السابق، كما ينشط التيار بدعوة الراغبين بالانضمام اليه من خلال تنظيم زيارات الى منازلهم او اماكن عملهم، ومنهم من ينتمي لجماعات اسلامية أخرى ويرغب بالانضمام إلى هذا الفكر.
وتقدر اعداد منتسبي التيار السلفي ‘الجهادي’ في الاردن بنحو خمسة آلاف، بحسب رموز التيار ذاته، فيما يقدرهم باحثون ومختصون بنحو ثلاثة آلاف شخص تقريبا.
وعن انضمام النخب للتيار، اوضح ابو سياف ان رغبة هؤلاء ترجع إلى أن ‘تيارنا يدعو الى الاسلام بشموليته، ففيه السياسة والجهاد والدعوة، وفي المقابل هناك تيارات اسلامية تدعو الى الاسلام كدعوة اسلامية، ومنهم من يفصل الدين عن السياسة، وبالتالي بدأت طبقة متعلمة ونخبوية في المجتمع بالانضمام الى التيار السلفي الجهادي’.
وأوضح ابو سياف في حديثه لـ’الغد’، أنه ‘في اثناء مرحلة الربيع العربي وعندما زال الخوف، اصبح الناس يجهرون بحبهم لهذا التيار وينضمون اليه، خصوصا بعد أن ثبت لديهم انه التيار ‘الوحيد’ الذي يطبق ما يقول وتحديدا في مسألة الجهاد، وأكبر دليل على ذلك ان هذا التيار هو العدو الاكبر للصهاينة والأمريكان’.
وقال إن هناك طبقة متعلمة ونخبوية دخلت التيار، لكن معظمها فعل ذلك، أثناء مرحلة الربيع العربي، مؤكدا أن الاعتقالات التي كان يتعرض لها ابناء التيار، ووجودهم داخل السجون، جعل مؤيديهم يبتعدون عنهم خشية تعرضهم للمساءلة.
وكان أحد الاطباء في وزارة الصحة ممن يحملون ميولا جهادية، توجه الى سورية وعمل في المشافي الميدانية لمعالجة المصابين والجرحى من كوادر الثورة السورية.
ويرى هذا الطبيب أن ‘التيار السلفي هو الافضل من بين التيارات الاخرى، وهو قدم مصداقية عالية في رفع المظلمة عن المسلمين والدعوة الإسلامية’، مشيرا الى انه ‘يقف على مسافة واحدة من باقي الجماعات الاسلامية’ على حد رأيه.
واضاف أنه ذهب قبل سورية الى جنين، مع مستشفى ميداني مشترك بين القوات المسلحة والنقابات، وقدم خدماته الانسانية للجرحى، مشيرا الى ان سبب عودته من سورية هو ‘تعرضه لإصابة خلال وجوده في مستشفى ميداني، داخل أحد المساجد في مدينة درعا’.
وعبر الطبيب عن فخره بانتمائه الى التيار السلفي، مشيرا إلى أنه ‘قريب’ كذلك من كل التيارات الاسلامية.
وتشير تقديرات إلى أن نحو 600 من اعضاء التيار السلفي ‘الجهادي’ الاردني دخلوا الى سورية، ويقاتلون الى جانب تنظيم النصرة السلفي، المقرب من القاعدة، فيما قتل منهم هناك نحو 40 عضوا خلال عامين.
بدوره، اكد الباحث في الجماعات الاسلامية حسن ابو هنية، أن هذا التحول الذي شهدته السلفية الجهادية تم مؤخرا، من خلال الجيل الثالث للسلفية، لان الجيلين الاول والثاني كانا في معظمهما من الطبقات الدنيا الفقيرة المهمشة، وغلب عليهما الطابع ‘الأمّي وغير المتعلم’.
وأضاف أبو هنية: ‘لكن شاهدنا في الجيل الثالث قيادات واعضاء ينضمون للتيار من الطبقة الوسطى والوسطى العليا، وبالتالي صار هناك اطباء ومهندسون ينضمون الى السلفية الجهادية، ومنهم (سعد الحنيطي، والدكتور اياد القنيبي، والدكتور صلاح العناني) وآخرون’.
وبدأ هذا التحول منذ العام 2009، وفقا لأبو هنية، الذي قال: ‘شاهدنا العديد ممن ينضمون الى تنظيم القاعدة، ومنهم الدكتور انور العولقي، والذي كان والده وزيرا في اليمن، وكذلك عمر فاروق، ووالده كان وزيرا في نيجيريا، وفي الاردن الدكتور همام البلوي، منفذ عملية خوست العام 2009، وبالتالي من الواضح ان الربيع العربي كان قناة لدخول الطبقة النخبوية الى التيار، لانه قبل هذه الفترة كان هناك انسداد في الأفق السياسي وانغلاق في الحياة الاجتماعية بالنسبة لتلك الطبقات، وبالتالي كانت تبحث عن وسيلة للتغيير إلا انها جاءت مع الربيع العربي’.
وأكد أن السلفية الجهادية ‘تقدم منظورا مختلفا عن الجماعات الاسلامية الاخرى، نحو التغيير وقطع مسارات بعسكرة الثورات، كما حدث في سورية، التي دفعت العديد من الشباب إلى الانضمام لهذا التيار، وبالتالي شاهدنا التحاق عدد من شباب الكفاءات العلمية بهذا التيار’.
ويتفق مع رأي هنية أيضا أحد منظري التيار في مدينة السلط مصطفى الصوريفي، معتبرا ان الفكر السلفي ‘أثبت مصداقيته من بين الجماعات الاسلامية، وجديته في محاربة الطغيان الذي يمس الأمة الاسلامية وبلادها، كذلك فإن الربيع العربي أتاح لمن كان يؤيد التيار سرا أن ينضم إليه في العلن’.