النواب يختبرون الحكومة بخمسة سيناريوهات

28

99685_1_1420498205

حصاد نيوز – للمرة الخامسة تدخل الحكومة في مواجهة مفتوحة مع النواب انتصرت في المواجهات الاربع السابقات، وليس من المرجح ان تمنى بهزيمة في المواجهة التي ستجري اليوم الثلاثاء عندما يذهب النواب الى التصويت على خمس توصيات كانت خلاصة جلسة نيابية عاصفة شهدتها قبة المجلس مساء امس الاول الاحد بدت الحكومة اثناءها في اضعف حالاتها.

وبالرغم من ضعف الحكومة في جلسة امس الاول الاحد التي غاب عنها رئيس الوزراء د. عبد الله النسور ونائبه ووزراء آخرون، فقد بدا رد وزير الطاقة د. محمد حامد وكأنه يدفع بالنواب دفعا للمزيد من التأزيم مع الحكومة عندما رد في نهاية مداخلات نحو 82 نائبا بانه ليس امام الحكومة من خيارات بديلة غير رفع اسعار الكهرباء.

ويذهب النواب صباح اليوم للتصويت على المقترحات الخمسة المتمثلة بتجميد قرار رفع اسعار الكهرباء الى مطلع العام المقبل 2016 ، او دعوة الحكومة للاجتماع مع لجنة الطاقة النيابية والنواب للبحث في القرار الحكومي والبدائل المتاحة، او التوصية للجنة المالية النيابية بعدم المصادقة على الموازنة الخاصة بشركة الكهرباء الا بعد ان تؤجل الحكومة إنفاذ قرار رفع اسعارها، او تشكيل لجنة تحقيق نيابية في ملف الطاقة، او حجب الثقة عن الحكومة.

السيناريوهات والمعطيات
وامام هذه الخيارات يبدو المشهد البرلماني الحكومي ذاهبا للتصعيد، في الوقت الذي يتمتع مجلس النواب فيه بدعم ربما يكون استثنائيا من جهات خارج المجلس ترى في مصلحة الاردن هذا الاوان تاجيل قرار رفع اسعار الكهرباء لسنة اخرى اضافية في ظل انخفاض اسعار النفط عالميا، ولتخفيض مستوى الدعم البرلماني والشعبي للحكومة الذي بدا واضحا انها لن تجد الوقت الكافي للتمتع باستمرار البقاء في الدوار الرابع الى نهاية الدورة العادية الحالية لمجلس الامة التي تنتهي دستوريا مطلع شهر حزيران المقبل.

السيناريو الاول: تجميد القرار
بدا واضحا ان رد وزير الطاقة محمد حامد على مداخلات النواب الداعية لتجميد القرار ان الحكومة لا تحبذ الذهاب الى اتخاذ هذا القرار، مما يبقي خيار الحكومة الوحيد الذي يتمثل بالتمسك بقرار رفع اسعار الكهرباء ــ مهما كان الثمن ــ وهو بالتاكيد خيار يبدو صعب التحقق لكون النواب الذين انتقدوا الحكومة بشدة غير مسبوقة امس الاول الاحد يتحركون تحت ضغط الفشل والخسائر المتتالية التي تعرضوا لها في كامل مواجهاتهم السابقة مع الحكومة، وهو ما عبر عشرات النواب في خطاباتهم عندما حملوا مسؤولية رفع القرار لمجلس النواب نفسه، ووضعوا المجلس امام خيارين لا ثالث لهما، فاما تحقيق انتصار على الحكومة واما دفع الثمن.

وتحت هذا الضغط تحدث نواب عن فشلهم المتكرر والمتواصل مع الحكومة مما جعلهم في وضع حرج مع ناخبيهم وامام الشعب.

هذا الضغط ثنائي الابعاد هو الذي دفع النواب لرفع منسوب الخطاب الانتقادي للحكومة التي لم يتوان عشرات النواب عن وصفها بحكومة خلق الازمات، وصناعتها، وافقار المواطن والارتهان لوصفات صندوق النقد..الخ من التوصيفات التي احتشدت خلف بعضها بعضا تحت القبة امام مدائح قليلة جدا ومتواضعة كالها نواب للحكومة التي وصفوها بانها انقذت الاقتصاد الوطني الاردني وحافظت على سعر صرف الدينار، بل ان نائبا وحيدا اعلن عن ندمه الشديد لكونه حجب الثقة عن الحكومة.

المشهد في اطار هذا السيناريو يبدو وكأنه الهدف الاساسي الذي يسعى لتحقيقه غالبية النواب، الا ان هذا السيناريو بدا وكأنه يتمتع بدعم من شخصيات سياسية ومتنفذة داخل مؤسسة صناعة القرار، ووجدت في مجلس النواب الوسيلة الاكثر مباشرة وتأثيرا للضغط على الحكومة لاتخاذ القرار باعتباره الحل الانسب والاسلم لها، في الوقت الذي سيتحقق بذلك القرار اخفاقا للحكومة في كيفية ادارة ازمتها مع النواب مما سيحرجها ويظهرها في اسوأ حالات ضعفها.

ولا تبدو النتائج في هذا السياق تتوقف عند هذه الحدود، فكأنما يذهب السيناريو الاشمل بالدفع بمجلس النواب بكامل ألوانه واطيافه لمواجهة الحكومة تحت عنوان “رفع اسعار الكهرباء”.

ومن المؤكد ان سيناريو تراجع الحكومة عن قرارها وتاجيله الى مطلع العام المقبل سيكون حاضرا تماما امام الحكومة صباح اليوم، وسيكون تحت “الاختبار بالتهديد بحجب الثقة”، الا ان المعطيات تشير في نفس الوقت الى ان نجاح هذا السيناريو سيبقى رهنا بمدى التزام الجهات العليا الاخرى بقضية تاجيل القرار عاما آخر، مما سيدفع بالحكومة للبقاء بين فكي كماشة كلاهما يتأهب للانقضاض عليها تحت اهداف ومسوغات شتى.

السيناريو الثاني.. اجتماع مغلق لترحيل الازمة
لقد ظهر الاقتراح الذي قدمه النائب جميل النمري وحظي بدعم عدد من النواب بعقد اجتماع مع لجنة الطاقة والنواب خارج القبة للبحث في قرار رفع اسعار الكهرباء وكأنه يريد تنفيس الغضب البرلماني وتاجيل المواجهة بين السلطتين لمنح الحكومة فترة امان تبحث فيها عن طرق ووسائل اخرى لادارة ازمتها بهدف تمرير قرارها بدون ضجة وبدون اختبارها تحت التهديد.
ولا يبدو ان هذا السيناريو سيكون خارج اهتمام النواب اثناء التصويت اليوم، الا ان نجاحه مرتبط تماما بمدى التراخي الذي قد يؤثر في السيناريو الاول، في الوقت الذي تشير المعطيات فيه الى احتمال ان يتم الجمع بين هذا السيناريو وسيناريو اخر مرتبط باللجنة المالية.

ومن المؤكد ان هذا المقترح سيكون احد المقترحات التي ستسعى الحكومة للجوء اليها والدفع بالنواب لاعتماده والتصويت عليه، لكونه احد اكثر المقترحات العملية لاحتواء غضبة النواب وتفريغها خارج القبة وبالتالي منح الحكومة فرصة زمانية اوسع للمناورة ولاستمالة النواب باتجاه انفاذ قرار رفع اسعار الكهرباء بذريعة ان حجم خسارة الكهرباء البالغة نحو مليار و 200 مليون لا تحتمل التأجيل بالرغم من انخفاض اسعار النفط عالميا.

السيناريو الثالث.. التهديد بالموازنة
هذا السيناريو اقترحه رئيس اللجنة القانونية النائب د. مصطفى العماوي وحظي بدعم نيابي يتمتع برغبة نيابية لتبنيه. ويتمثل هذا السيناريو بالتوصية للجنة المالية النيابية بعدم المصادقة على الموازنة وتحديدا موازنة شركة الكهرباء الا بعد تراجع الحكومة عن قرارها وتاجيله الى مطلع العام المقبل.

واثار المقترح رغبة العديد من النواب لدعمه وتبنيه وسيكون احد ابرز المقترحات التي قد تدفع بالنواب لتبنيها خاصة وان الحكومة بنت تقديرات الموازنة العامة للدولة للسنة المالية الحالية 2015 على اعتبار ان سعر برميل النفط 100 دولار.

وامام هذا السيناريو عدة محاذير من ابرزها ان الفارق الزمني بين جلسة امس الاول وجلسة التصويت على الموازنة المرجح ان تنعقد في نهايات شهر كانون الثاني الجاري سيسمح للحكومة بالعمل مع النواب من اجل التاثير في قناعاتهم ومواقفهم فضلا عن ان الغالبية النيابية لا تحبذ مقايضة المصادقة على الموازنة بتاجيل رفع اسعار الكهرباء خاصة وان عشرات النواب يتحرجون من اخضاع الموازنة للعبة السياسية لكونها موازنة دولة وهو ما تم طرحه اثناء مناقشات موازنة الدولة للسنة الماضية.

ومن المحاذير الاخرى المحيطة بهذا السيناريو عدم توفر اية ضمانات نيابية تكفل استمرار غضب النواب على الحكومة في حال تراخت وتراجعت رغبات الجهات العليا بتجميد قرار رفع اسعار الكهرباء وهو احتمال لا يزال بعيدا حتى الان الا انه يجب ابقاؤه حاضرا بكامل تاثيراته اللاحقة.

السنياريو الرابع.. لجنة تحقيق في ملف الطاقة
لا يبدو هذا المقترح الذي طرحه النائب محمد السعودي جزءا رئيسيا من تفاصيل الصراع النيابي الحكومي على رفع اسعار الكهرباء، وليست له اية تاثيرات على سيرة الازمة وسيناريوهاتها الا ان من المرجح ان يحظى هذا السيناريو بدعم نيابي مقابل موقف نيابي اخر رافض لتشكيل لجنة التحقيق التي دعا النائب السعودي لتشكيلها للتحقيق في ملف الطاقة في المملكة.
ومن التوقعات المحتملة لهذا المقترح ان يتم التصويت عليه باعتباره جزءا مكملا وليس خيارا رئيسيا وقد يكون رديفا لأية توصية اخرى سيصادق المجلس عليها صباح اليوم باستنثاء التصويت على حجب الثقة.

السيناريو الخامس ..حجب الثقة
ياخذ هذا السيناريو اهميته من كونه يمثل مطالب ومقترحات عشرات النواب التي قيلت امس الاول تحت القبة فضلا عن توقيع 25 نائبا على مذكرة دعوا فيها لطرح الثقة بالحكومة التي لم تطلب التأجيل.

وكان لزاما على مجلس النواب مساء امس الاول التصويت مباشرة على طرح الثقة بالحكومة والتوصيات الاخرى لولا اعلان رئيس المجلس المهندس عاطف الطراونة عن فقدان النصاب القانوني مما اسقط في يد النواب ومنعهم من التمتع بالوصول الى لحظة التمتع بتكرار تجربة التصويت للمرة الثالثة على الحكومة بعد ان نجحت مرتين بالحصول على ثقة النواب اخرها الثقة المجانية التي منحها النواب لها عقب تقديم مذكرتين نيابيتين لحجب الثقة عنها بسبب مقتل القاضي رائد زعيتر في شهر اذار من العام الماضي.

وليس من المستبعد ان يصل المجلس الى خيار طرح الثقة بالحكومة فهذا المقترح هو المقترح الابعد وبالتالي يتوجب على رئيس المجلس طرحه في مقدمة المقترحات وفي حال فشل هذا المقترح يذهب المجلس للتصويت على مقترح تاجيل قرار رفع الاسعار وفي حال فشل هذا المقترح يذهب الى الاقتراحات الاخرى التي ياتي في مقدمتها التوصية للجنة المالية بعدم المصادقة على موازنة شركة الكهرباء..

ان تخوفات العديد من النواب تذهب الى عدم احتمالهم لخسارة اخرى جديدة في حال ذهبوا الى التصويت على طرح الثقة بالحكومة، فليس بين يدي النواب اية ضمانات لالتزام النواب الغاضبين بحجب الثقة عن الحكومة، مما يقلل من مصادر الثقة الداخلية بين النواب انفسهم وهو ما سيضعف احتمال حماس النواب لهذ االخيار الذي يبدو اكثر من ثقيل عليهم.

وبالرغم من ان الموقعين على مذكرة حجب الثقة”25 نائبا” لا يشكلون اية مخاطر تصويتية حقيقية على الحكومة فان على الحكومة نفسها التنبه الى ان المزاج النيابي اصبح اكثر استعدادا لتهديد الحكومة مما كان عليه حالهم في شهر اذار من العام الماضي عندما نجحت الحكومة بالحصول على ثقة ثانية حول قضية القاضي الشهيد رائد زعيتر وحصلت الحكومة فيهاعلى ثقة 81 نائبا وحجبها عنها 30 نائبا.

وليس من المتوقع ان ينجح المجلس بحجب الثقة عن الحكومة صباح اليوم الثلاثاء لانه ليس المطلوب اسقاط الحكومة برلمانيا لتقوية المجلس، بقدر ارسال رسالة للحكومة بتدني شعبيتها البرلمانية مما يفتح باب التهكن الى ان الحكومة قد تحصل على نسبة حجب عالية قد تلامس حاجز الستين صوتا لكنها لن تسقط تحت القبة الا ان الرسالة التي ستتضمنها هذه المعطيات ستكون اكثر من قاسية على الحكومة نفسها.

“الائتلاف النيابي”.. يرسم خلاصة المشهد
لا تبدو السيناريوهات والمعطيات في هذا الاتجاه جامدة ولا تتمتع بالمرونة، فرهانات العديد من النواب على التحالف الوطني الذي يضم 82 نائبا برزت واضحة في جلسة المجلس مساء امس الاول، وهو التحالف الذي يشكل في باطنه حديقة خلفية للحكومة تتمتع بسببه بالدعم النيابي الذي ترغب في الحصول عليه.

وبالرغم من ان العديد من النواب داخل هذا الائتلاف ضمن كتلهم النيابية الخمس التي يتشكل الائتلاف منها طالبوا برحيل الحكومة وحجب الثقة عنها فان اية ضمانات لبقاء التزامهم بخطاباتهم غير متوفرة مما يبقي “الائتلاف النيابي” العامل الاكثر قوة للتاثير في مجريات التصويت تحت القبة سواء لجهة حجب الثقة عن الحكومة او لجهة تبني التوصيات الاخرى.

وفي حال لم يستطع الائتلاف النيابي الظهور تحت القبة بمظهر الائتلاف الموحد فانه سيخسر الكثير من اعضائه وسيتعرض لهزة داخلية عنيفة ليس فقط فيما يتعلق بسيناريو حجب الثقة وانما لصالح السيناريوهات والمقترحات الاخرى. وايا تكن السيناريوهات الاكثر حضورا وتاثيرا في جلسة المجلس صباح اليوم فان التفاصيل نفسها تبدو مثل قاعدة العرض والطلب،
ومن المؤكد ان ثمة تغيرات في المشهد البرلماني الحكومي الحالي قد تحرف بعض هذه السيناريوهات عن مساراتها المرجحة، اما لمصلحة الحكومة واما لمصلحة مجلس النواب نفسه الذي يبدو انه لا يرغب بالدخول في خسارة جديدة امام الحكومة وسيكتفي فقط بمجرد حفظ ماء الوجه والخروج من تلك الازمة باقل الخسائر.

هذه القاعدة هي التي جعلت من الحكومة مستمعا جيدا مساء امس الاول بالرغم من تغيب رئيس الوزراء د. عبد الله النسور الذي قد يفاجئ النواب صباح اليوم ويعلن عن تاجيل رفع اسعار الكهرباء لمدة ستة اشهر مقبلة ــ على الابعد ـ ـريثما تتضح خريطة اسعار النفط العالمية، وفي حال عادت اسعاره للارتفاع فان الحكومة ستلجأ لتفعيل قرارها.

وفي حال وافق المجلس على هذا الحل فانه ومن حيث لا يشعر سيكون قد اعطى الحكومة قرارا مفتوحا تماما برفع اسعار الكهرباء في اللحظة التي تعود فيها اسعار النفط للارتفاع وهو ما يعزز من موقف الحكومة ويمنحها فرصة ذهبية لاحتواء غضب النواب ومن ثم قطع الطريق على من يرغب في اهتزاز صورتها والتعجيل برحيلها.

ان هذا السيناريو قد يكون الاسلم امام الحكومة في حال لم تستطع تحقيق انتصار في ادارتها لهذه الأزمة الاكثر شعبية من باقي الازمات الاخرى التي وجدت الحكومة نفسها فيها في مواجهة مباشرة مع النواب الذين اظهروا غضبا متراكما افصحوا عنه بلغة بدت اكثر من حادة واكثر من شامتة واكثر من موقنة بانها تستطيع تحقيق نصر على الحكومة بالرغم من ضعف الاداوت ومراكز القوى الناشطة تحت القبة.

وبالنتيجة فان الحكومة خسرت الكثير من شعبيتها البرلمانية وهي الشعبية التي بقيت تستند اليها طيلة العامين الماضيين، وهي خسارة تكفي تماما لدفع الحكومة لتقديم تنازلات للنواب لضمان استمرارها وبقائها ــ اذا رغبت هي في ذلك ــ.

قد يعجبك ايضا