المصري: المملكة الرابعة وشرعية الإنجاز

26

98314_1_1419714185

حصاد نيوز -قامت الثورة العربية الكبرى، قبل قرابة قرن من الزمن، بقيادة الهاشميين، وبمساعدة مباشرة من بريطانيا، لتحرير العرب من الحكم العثماني، وتوحيدهم في مملكة واحدة، تحت مظلة الهاشميين. وقد نجحت الثورة فعلاً في تحرير بعض الأراضي العربية، حيث أقيم حكم عربي.

لكن الغرب خان وعوده، عندما قسم سرا، بلاد المشرق العربي الى دول صغيرة، بموجب اتفاق “سايكس-بيكو”، وفرض هذا التقسيم على الأرض. بل وأمعن الغرب في نقض وعوده، عندما أصدرت الحكومة البريطانية ما عُرف بوعد بلفور، الذي وعد اليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين. وارتفعت وتيرة التحالف والتضامن والمصالح بين الغرب وإسرائيل، حتى أصبحت ثنائية “إسرائيل والنفط” هي الاستراتيجية الأهم والأعلى عند الدول الغربية.

ومنذ ما نشأت الإمارة العام 1921، والأردن يعتبر حليفا قويا للغرب، ملتزما بهذه العلاقة، ويتلقى من دوله، لاسيما بريطانيا ثم الولايات المتحدة الأميركية، المساعدات والمعونات والهبات، كما الدعم السياسي والمعنوي، لمساعدة المملكة على تحمل عبء شح المصادر والثروات الطبيعية، والتزامات الموقع الجغرافي والديمغرافي. علماً أن خيار التحالف مع الغرب لم يكن نتيجة خالصة، لمحض رغبة أردنية، بل ساهمت فيه بدرجة مهمة، الصراعات العربية العربية، خلال فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، والتي شهدت ما سمي “الحرب العربية الباردة” بين المعسكر القومي والمعسكر المحافظ.
وكان نهج الأردن السياسي وفلسفة الحكم فيه، تسيران في مساقات وأهداف ومفاهيم الثورة العربية الكبرى. ويمكن القول إن هذه الأهداف كانت المنارة، التي تضيء طريق الحكم وشرعيته.

وإذ مرت على الأردن أوضاع وأزمات عديدة خلال القرن الماضي، إلا أنه أثبت خلالها التزامه وثباته على موقفه وعلى تحالفاته. وكانت اتفاقية وادي عربة في صلب هذه الالتزامات، والتي لم يخل بها الأردن، لا نصا ولا روحا، بالرغم من انتهاكات إسرائيل المتكررة لها.

واليوم، يعتبر الأردن الحليف القوي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، و”شريكا” فاعلا مع حلف شمال الأطلسي “الناتو”، في كثير من نشاطاته، يبرز أهمها حالياً محاربة “الإرهاب الإسلامي”. بل إن الأردن اقترب كثيرا ليصبح جزءا من المنظومة الغربية؛ الاقتصادية والدفاعية، وإلى حد ما السياسية. وهذه الروابط والمصالح بين الطرفين تزداد قوة وتلاحما.

وهنا أيضاً، لا بد من الإشارة إلى أن ما جعل الوضع الجديد بين الأردن والمنظومة الغربية أمرا ممكنا، هو حالة الفوضى والانقسامات الطائفية والإثنية، والتطرف والعنف الدينيين، وانهيار الحدود وضياع البوصلة في الإقليم.

إضافة إلى ذلك، يبدو ثمة وضع آخر متطور بين الأردن ودول مجلس التعاون الخليجي، للأسباب السابقة، ومواجهة الظروف
ذاتها، التي فرضت نفسها للتعاون الوثيق مع الغرب. وسيكون مطلوبا من الأردن التكيف مع المتطلبات الجديدة للغرب والخليج معا، حتى يبقى فاعلا ومؤثرا في الإقليم.

ومؤخرا، برز إلى السطح العامل القديم/ الجديد، المتمثل في إعلان إسرائيل نيتها إقرار قانون يهودية الدولة، الذي أرسلت مشروعه للكنيست (المنحل)، لمنحه الصفة النهائية. وسيتحمل الأردن تداعيات عديدة خطيرة، لهذا القرار المفصلي، ضمن تسلسل المشرع الصهيوني، تطال بآثارها المباشرة البلاد والعباد لسنوات طويلة، لاسيما وأن المملكة ستصبح في مرمى نار “سياسة الترانسفير” الإسرائيلية. كما أن إقرار هذا القانون سيغير الوضع في الإقليم بشكل كبير وشامل.

إذن، نحن في الأردن الآن، إزاء حالة تحول رئيسية، بشأن الدولة الأردنية ودورها. وبإمكاني القول إن “أردناً جديداً” قد بدأ يتشكل مع دور جديد أيضا، ثلاثي الأبعاد: دور متقدم مع المنظومة الغربية، بأبعاد متعددة؛ ودور بحلة جديدة مع مجلس التعاون الخليجي؛ ودور ثالث تجاه القضية الفلسطينية، في مواجهة التعنت الإسرائيلي وقرار “يهودية الدولة”.

ولا تخلو هذه الأدوار الثلاثة من تقارب في داخلها، كما تتناقض في بعض جوانبها مع عمق المصلحة الوطنية الأردنية العليا، وصفقة استيراد الغاز من إسرائيل، هي أوضح مثال على ذلك. وعدم قدرة الولايات المتحدة على تغيير السياسات الإسرائيلية تجاه الاستيطان وتهويد القدس والاعتداء على المسجد الأقصى، وحتى على استئناف المفاوضات، مثال الآخر.

هذه الأدوار الثلاثة وتفاعلنا معها، يجب ربطها ببداية حقبة المملكة الرابعة، ورُفع شعار “الأردن أولا”. وقد أخذ هذا الشعار حيزا كبيرا في أدبيات ونشاطات الجهات الحكومية والإعلام الرسمي، وبدأ الناس يلمسون خصائص المملكة الرابعة وتغييرات في أسلوب العمل، وبتغيير تدريجي في الأولويات. إذ رُفع شعار الإصلاح، وأعطي الاقتصاد اهتماما خاصا. فتم تبني سياسة الاقتصاد الحر والخصخصة، كما جرت إصلاحات دستورية عديدة. وبالفعل، فقد ظهرت أيضا ملامح الشخصية الملكية على الإدارة الأردنية، وطبع جلالة الملك عهده بما يؤمن هو به، وهذا أمر عادي وطبيعي وممارس في معاقل صنع القرار في العالم.

في تقديري، فإن القيادة السياسية تقدر أن هناك تشكيلاً جديداً للإقليم، وهي تعمل على حفظ الكيان الأردني من تبعات وتداعيات هذا التشكيل، وحفظ مكانة الأردن فيه. في ضوء ذلك وحيث إن مصالح الأردن العليا تتقاطع مع تلك الأدوار الثلاثة، فإنني أرى أن المملكة الرابعة، سوف تتكئ تدريجياً على مفهوم يمكن تسميته (شرعية الإنجاز). وهذا المفهوم يتجاوب مع مفاهيم المنظومة الغربية، ويقترب من أجواء وأهداف الشباب، الذين قادوا فعاليات وحراكات الربيع العربي. الخارج مرتاح للإنجاز الأردني، ولكن الداخل ليس كذلك.. وهنا بيت القصيد، فالداخل يئن تحت ظروف صعبة، ولم يعد ممكنا تجاهل البعثرة، والشكوك وفقدان الثقة بين المسؤول والمواطن، ولا يستطيع الداخل في هذه الحالة، أن يسند نجاحات الخارج.

قد يعجبك ايضا