حصاد نيوز-سؤال لم يكن في الحسبان بادر إلى طرحه رئيس الوزراء الأردني الأسبق سمير الرفاعي على أحد المواطنين المتحمسين بشدة للاعتراض على صفقة «الغاز الإسرائيلي» أثناء نقاش عام في جلسة استضافت الأول في مدينة الكرك جنوب البلاد.
المواطن بادر لهجوم كاسح على ترتيبات الغاز المشار إليها فعالجه الرفاعي باستفسار عن الأسباب التي دفعته شخصيا لتلقي العلاج في مستشفى يتبع «الاحتلال الإسرائيلي» بعدما تبين أن علاج حالته متاح فقط في «دولة الكيان».
عمليا لم يكن الموقف في غاية الإحراج أو بهدف التلاسن لكن فكرة النخبة الأردنية الرسمية التي تعبر عنها شخصية من وزن الرفاعي لها علاقة بالاضطرار الحكومي «لتجرع» صفقة الغاز ليس بسبب سيناريوهات سياسية أو تعليمات وأوامر كما قال رئيس الوزراء عبدلله النسور أمام البرلمان إنما بسبب الحاجة الملحة لتغطية أزمة الطاقة التي ترهق الميزانية الأردنية. ثمة محاججة يمكن ان تطرح في السياق على الصعيد الرسمي وسط إحجام حكومي ملموس عن الشرح والتفصيل مما أنتج بعض الضبابية في الموقف ومساحات من الغموض كما يلاحظ النائب البرلماني محمد الحجوج وآخرون زملاء له. في الغرف المغلقة تماما يقال في «تبرير» الاتجاه نحو الغاز الإسرائيلي على أساس الحاجة «وقائع» بعينها يغفلها كل من يعارضون المسألة، فالسعودية مثلا تعرف طبيعة مشكلة قطاع الطاقة الأردني ولا تندفع باتجاه حلول علاجية شافية توفر الغاز للأردنيين ولا تساعدهم في الأمر وتلك في حد ذاتها قصة يفضل المستوى الرسمي عدم الخوض فيها.
الغاز المصري «غير متاح» إطلاقا لأن مصر تستورده من الشركة الأمريكية العاملة في إسرائيل واعتذرت عن تأمينه للأردنيين ولا تستطيع حمايته في الأنبوب الناقل بسبب الهجوم المتواصل عليه من قبل المنظمات المتشددة في محيط سيناء مع ملاحظة ان تفجيرات أنابيب الغاز تطال العبوة الأردنية ولا تتحرش بالإسرائيلية من أيام الرئيس الأسبق محمد مرسي.
الغاز القطري متاح عمليا لكن في الأسواق وبالسعر الدولي والاعتماد على الغاز السائل المنقول بحرا أو برا يعني مضاعفة كلفة الإنتاج ويحتاج لمستودعات في ميناء العقبة صالحة للتخزين والوضع الحالي للميناء الأردني اليتيم لا يستوعب تخزين أكثر من 35% من الكمية اللازمة للسوق المحلية مما يعني أن الاستيراد من الخارج ليس خيارا اضطراريا خصوصا إذا ما قام شريك السلام الإسرائيلي بتوفير البديل بكلف أقل.
الغاز الجزائري غير متوفر أيضا والعراقي يحتاج حتى يصل الأردن هزيمة قوات «داعش» في منطقة الأنبار والسوري خارج السياق لأسباب مفهومة والاتفاقية التي وقعتها شركة الكهرباء الأردنية مع شركة أمريكية تعمل في إسرائيل فيها شروط «عقابية» مع حقوق بالبحث عن البدائل تجنبا لما يصفه رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري بـ «الكلفة السياسية» جراء التبعية في موضوع الطاقة للإسرائيليين. حتى النسور حرص أمام البرلمان على الإشارة لأن الاتجاه نحو غاز إسرائيل أقرب إلى تجرع السموم ويعبر عن الاضطرار والحاجة على أساس أن بلاده لا تملك خيارات الاختيار في مسألة الطاقة مع الحرص بالتوازي على وجود «رعاية أمريكية» عن بعد لكل الترتيب حتى لا تنفرد تل أبيب بمساحة تأثير مادة استراتيجية مثل الغاز ولا تحاول «تكييشها» سياسيا.
الخيارات المتاحة تقيد إسرائيل بسلسلة من الإشتراطات التي تضمن عدم خلط مسألة الغاز بالاعتبارات السياسية والاستمرار في البحث عن بدائل داخلية وخارجية ومراقبة كل ما يجري وهو ما تقترحه شخصيات بارزة عمليا.
الرأي العام وفعالياته الحراكية والمعارضة لا يعترفان بهذه الوقائع التي يسردها رموز في الدولة من خارج الحكومة في الواقع، والمسألة في رأي كثيرين حتى داخل غرفة القرار لم تدرس بعناية والجدل سببه قصور الشرح الحكومي ودخول البرلمان على خط المسألة وخطأ حسابات الحكومة التكتيكية التي أجلت منح شركة الكهرباء الإذن اللازم لاستيراد الغاز من إسرائيل حتى تحصل مناقشة البرلمان. هنا برز وخلال الساعات القليلة الماضية بأن عبور مسألة الغاز، رغم أنها اضطرارية، أصبح «مهمة صعبة للغاية» وهو أمر يشير له بعض وزراء الحكومة عمليا في الوقت الذي بدأت فيه شخصيات بارزة جدا في البرلمان بترديد كلمات بسقف مرتفع جدا على هامش مذكرة مسجلة تحت عنوان استقالة جماعية لبعض النواب في حال الموافقة على دخول الغاز الإسرائيلي.
اللافت في هذه المذكرة التي تحدثت عنها النائب رولا الحروب للإعلام المحلي انها تستخدم تعبير «العار» في وصف صفقة الغاز المشار إليها وتتبرأ منها أمام الشعب.
الموقعون على المذكرة وعددهم كان 19 نائبا حتى مساء الأربعاء أصروا على أنهم لن يتحولوا إلى «شهود زور» وأن صفقة الغاز تهدف إلى تسليم الشعب الأردني لدولة العدوان الإسرائيلي. مثل هذه التعبيرات الضخمة لم تكن ترد في العادة في قاموس نواب الأردن لكنها تبرز الآن بعد تصريحات السفير الإسرائيلي السابق المسيئة لمجلس النواب والتي وصف فيها البرلمان الأردني بأنه يبحث عن احتياجات شخصية و «غير مؤثر».
اللافت ان نخبة من رجال الدولة المعروفين وقعوا على مذكرة الاستقالة من البرلمان وبين هؤلاء بارزون جدا ومؤثرون من طراز ووزن عبدالهادي المجالي وخليل عطية وأعضاء مسيسون في البرلمان بينهم رولا الحروب وهند الفايز وسمر عويس وأمجد المجالي.
بسام البدارين