ما هي قصة الديون التي سددها الملك الحسين عن “وصفي التل” بعد استشهاده ؟

35

download

حصاد نيوزالشهيد وصفي التل شخصية وطنية وفكرية على مر الزمان يجتمع عليه الاردنيون من أقصى الجنوب الى أقصى الشمال وما زال في ذاكرتهم ويتبعون نهجه في الدفاع عن قضايا الوطن ومحاربة الفساد وتماسك الجبهة الداخلية في مواجهة التحديات.

ليعانق عطر الشهادة

وايمانا بالوفاء والعرفان لهذه الشخصية الوطنية تداعى ناشطون لاحياء ذكرى استشهاده التي تصادف الجمعة المقبلة في دارة الشهيد بعد صلاة الجمعة في منطقة الكمالية .

و تصادف الجمعة الذكرى الثالثة والأربعون لاستشهاد وصفي التل الذي غادرنا أخضر يانعا قبل الاوان، مؤديا ضريبة الشرف والموقف التي دفعها بدمه الارجوان، عندما نالت منه الرصاصات «الموسادية» الغادرة في القاهرة يوم 28 تشرين الثاني 1971، ليعانق عطر الشهادة وقد أزهر دمه الارجوان شيحا ودحنونا فوق الأرض الطيبة، في حين خيَّم الحزن على الوطن على امتداد الوجع والجغرافيا.

أما اذاعة عمان التي اسسها «وصفي» على تقوى الأردن،فقد كانت تبث رائعة فيروز الغنائية «موطن المجد».. وقلنا لهم فيما بعد: لماذا هذه الاغنية تحديدا؟.. فقالوا: ان الشهيد التل كان يعشق هذه الرائعة الغنائية الوطنية.. لأن الأردن في عرفه «موطن المجد».

منذ تلك اللحظة.. أطلق الناس على مواليدهم اسم «وصفي» تأسيا بفارس الشهادة وعميدها، ومزهريات الورد في البيوت تحيط بصورته في برواز القلب، وهو يثني شماغه على كتفه، دون ألوان.. بـ»الأبيض والأسود»، ونظرته تشي بفروسية الموقف ورجولة فارس ربما لن يتكرر..

نستعيد ذاكرة الطفولة المجبولة بالحزن الكظيم ، في «حي المعانية»، ذلك المكان العماني الوادع ، الذي ينتشر أهله صبرا ووجعا ، على جانبي الطريق المؤدي، الى مطار ماركا القديم، لنتذكر لوعة الفراق في تلك الظهيرة الجنائزية الكئيبة، في نهاية شهر تشرين الثاني العام 1971، وقد التاعت القلوب التي ادماها الفراق، بمشهد الموكب المهيب، لجثمان الشهيد وصفي التل، محاطا بالزنود والجنود، الذين امتطوا سيارات الروفر العسكرية الحمراء المكشوفة، وقد تلثموا بشمغهم الحمراء ايضا، لاخفاء دموعهم على عزيز رحل، فيما ارتفع صراخ ونواح «المعانيات» لحظة مرور الموكب المسيج برايات الأردن وصريخهن يعلو: يا بيض حدا على وصفي.. قصن شعور الثنا كله!..

ظهيرة قاتمة.. طقسها حائر، سماء ملبدة بغيوم داكنة.. لكن بلا مطر.. رايات سوداء ارتفعت بؤسا وحدادا، فوق اسطح المنازل، اجهزة التلفزيون «الابيض والاسود» مطفأة في البيوت، لم تفتح الا على نشرة اخبار الساعة الثامنة مساء..المغفور له بإذن الله تعالى الملك الحسين، الأمير الشريف زيد بن شاكر، المشير الركن حابس المجالي، مريود وسعيد التل، «محمد رسول» كيلاني وآخرون..جميعهم «طاقين اللثمة» على ارض المطار، يمسحون دموعهم بأطراف كوفياتهم الحمر.. و»طق اللثمة» بمفهوم الأردنيين، يأتي لإخفاء الدموع..لأن بكاء الرجال « عيب» ..لكن ما العمل إذا كان الفقيد بحجم «وصفي».. ومن مثل «وصفي»!.

الحسين وديون وصفي

الوزير الأسبق حمدي الطباع قال انه بعد استشهاد التل قرر المغفور له الملك الحسين أن يسدد كافة الديون المترتبة على ذمة الشهيد، فأوكل القيام بذلك إلى صديق وصفي الوفي المرحوم الاستاذ محمد عودة القرعان مدير الاقراض الزراعي حينها، وتبين أن مجموع الدَّين على ما أذكر بحدود ثلاثة وتسعين ألف دينار، وشاءت الأقدار أن أكون موجودا في مكتب الاستاذ القرعان عندما التقى بجميع الدائنين وأخبرهم بأن المغفور له الملك الحسين سيتكفل بالدَّين، وكانت المفاجأة التي أذهلتني أن الديون كانت عبارة عن أثمان إطارات تراكتور وبكب فورد وطرمبة ماء ومحراث وثمن بذور وديزل.

رويترز.. سبق صحفي

الصحفي العراقي محسن حسين يقول: عملت في مطلع السبعينيات مراسلا صحفيا في مصر،وسمعت كيف أن مراسل رويترز سبق عشرات المراسلين بنشر خبر مقتل رئيس الوزراء الاردني انذاك الشهيد وصفي التل في مدخل فندق شيراتون القاهرة، حيث كان المراسل قد اتفق مسبقا مع موظفي استعلامات فنادق الدرجة الأولى لتزويده بأخبار الشخصيات التي تنزل في تلك الفنادق مقابل «5» جنيهات للخبر الواحد، وهكذا عندما شاهد موظف استعلامات الشيراتون إطلاق الرصاص على «وصفي التل» أسرع بالاتصال بالمراسل ليخبره بما حدث وليسجل اضخم وأسرع سبق صحفي إذ نشرته «رويترز» بعد أقل من 5 دقائق.

للكبار فقط

تشير المعلومات الى انه عند توليه رئاسة الوزراء وانتقاله لبيته في الكمالية، كان قد طلب قبل التعيين بأن يتم تمديد خط هاتف له، وبسبب بعد المكان عن اقرب عمود هاتف احتاج لإضافة ثلاثة أعمدة زيادة عن المطلوب ما رتب زيادة في كلفة التمديد مبلغ ستة دنانير ثمنا للأعمدة الإضافية، وعند عرض المعاملة على دولته دون المشروحات التالية على الكتاب:

معالي وزير المالية..

«يرجى تقسيط مبلغ «الستة دنانير» على فترة ثلاثة شهور.. وخصم القيمة بمعدل دينارين كل شهر من راتبي».أليست مفارقه ان هاتف وصفي «صاحب الولاية على المال العام» الذي يتولى منصب الرجل الأول في هذه الولاية، كان على حسابه الخاص.. وللتأمل مجددا في سيرة الأنقياء انه لم يكن قادراً على تسديد مبلغ «ستة دنانير» دفعة!..حيث طلب بأن يتم تقسيط المبلغ.

خطأ وصفي

في أحد المؤتمرات الصحفية أخطأ الشهيد وصفي التل في النحو، فقال له احد الصحفيين , دولة الرئيس مخزونك النحوي قليل! .. فكان رد وصفي: لكن مخزوني الأردني كثير وهذا يكفي.

وصفي والإذاعة

في العام 1950 تولى هزاع المجالي رئاسة الوزارة , فاستدعى وصفي التل للعمل رئيسا للتوجيه الوطني ومديرا للإذاعة, فأنشأ دائرة للإعلام بالإضافة إلى دائرة المطبوعات والنشر, وكان يقضي بضع ساعات في الرئاسة, ثم يمضي بقية يومه في الإذاعة, يعمل بطاقة عالية, وايجابية مشهودة في التعامل مع الآراء والمواقف المختلفة مع مرؤوسيه, ومع السياسيين الأردنيين, وفي هذه الفترة أخذت الإذاعة الأردنية هويتها المتميزة, وانفتحت على هموم الناس وتطلعاتهم من خلال برامجها, وأشهرها «مضافة أبو محمود» ومن خلال الأغاني الوطنية التي شجع كتاَّبها وأشهرهم المرحوم رشيد زيد الكيلاني .

حدث في التلفزيون

كان وصفي ينتصر للفئات المهمشة ويعمل على إنصافها ، لم يكن فعله هذا يمثل انحيازا ، وإنما ينم عن ثقافة فيها احترام لكرامة الإنسان ، وكان بمقدورك ان تزور رئاسة الوزراء ، وقد تلتقيه مصادفة على درجات السلم، وتتحدث إليه، ويستمع لك.

حيث يقول مالك كشك الثقافة العربية حسن ابوعلي ان «وصفي» دخل في ذات زمن، لتفقد مرافق مؤسسة الاذاعة والتلفزيون، فدخل الى دورة المياه، ليجد ان اطراف ارضية البلاط فيها شيء من السواد، فقال للعامل لماذا لم تنظفها؟.. ليرد العامل انه حاول لكنها بقيت.. فما كان من وصفي إلا أن شمَّر عن ساعديه، وتناول فرشاة يدوية خشنة، بعد ان سكب الماء والمنظف فوق البلاط، واصبح يمسح البلاط بشدة، ثم سكب الماء عليه، وقال للعامل بلهجة عامية: ها هو البلاط رجع ابيض « بوج وج « .. بس انت ما بدك تتعب بشغلك يا ابني !..

نعنع معاني

وصفي التل يعرف تفاصيل الديرة الأدنية، وهنا اتذكر أحد أبناء مدينة معان الأجلاء المرحوم «ابويوسف الطحان» الذي قال لكاتب هذه السطور قبل وفاته، انه خلال خدمته العسكرية في الجيش العربي بإحدى مقاطعات نابلس، قام وزير الدفاع آنذاك وصفي التل بزيارة مفاجئة الى الكتيبة، وقال الطحان: عندما جلس معنا ذهبت لإعداد الشاي للضيف، ولأن الضيف عزيز، اردت ان يكون الشاي مميزا، لذلك اخرجت من صندوقي نعنعا معانيا ناشفا، ووضعته فوق الشاي، الذي حرصت أن أعده على الطريقة المعانية خفيف وسكر زيادة ، وعندما ارتشف التل الرشفة الاولى من كأس الشاي تنهد وقال امام الجميع: والله إنه «شاي معاني» وكانت ولا تزال معان تشتهر بنكهة نعنعها العطرية المميزة.

هذا وصفي الذي يعرف ماذا تنتج ارض كل محافظة وقرية اردنية من مزروعات وكيف تعد اطعمتها ومشروباتها فهو ابن الناس القريب من كل الناس.

دعم الرياضيين

الإعلامي الرياضي العريق الزميل عبدالمنعم ابوطوق مؤسس رياضة بناء الاجسام في الاردن ونائب رئيس الاتحاد الدولي لبناء الاجسام سابقا خص «الدستور» بهذه القصة المعبرة والمواقف الشامخة وهو يستذكر الشهيد التل ، يقول ابوطوق: كان وصفي عدوا للبيروقراطية فقد كانت قراراته فورية ، سريعة التنفيذ ، يتابعها عن كثب. واتذكر انني كنت املك اول دار كمال جسماني في الضفتين وكان موقعها على درج قصر العدل القديم في شارع السلط وسط البلد ، وقد ترتب علينا الاجرة السنوية للبناء الذي فيه الدار والبالغة 300 دينار وقد اغلقت بوجهنا الابواب فقررنا الذهاب الى رئيس الحكومة وصفي التل في اليوم الاسبوعي الذي يلتقي فيه اصحاب الحاجات من عامة الشعب.. وبالفعل ذهبت وبرفقتي بطلان من ابطال بناء الاجسام في تلك الفترة هما: نمر كعوش وابوجريشة وكنا نرتدي ملابس رسمية وعندما بدأ يستمع لأصحاب الحاجات وصل لنا الدور في الحديث فقال: يا سعد -ويقصد سعد جمعة مدير مكتبه- خذهم على مكتبي.. وبالفعل جاء التل وعرفناه بأنفسنا وقال: قبل كل شي: «هظول» شو بشتغلوا؟ وكان يشير الى ابوجريشة وكعوش فقلت له بلا عمل فرفع سماعة الهاتف وطلب من «مقسمجي» الرئاسة ان يطلب له فورا مدير الأمن العام وبالفعل اتصل به التل وقال له بالحرف الواحد: «بدي ابعث لك شابين ابطال بدي تجندهم فورا.. دير بالك مش يرجعوا لي».. ثم قال ما هي مطالبكم فقلت له الاجرة السنوية مكسورة على النادي فقال لسعد جمعة: كم بقي من مخصصات هذا الشهر فرد جمعة (150) دينارا قال اعطيهم للشباب والأسبوع المقبل اعطيهم بقية المبلغ من مخصصات الشهر الجديد وهذا ما تم قولا وفعلا وتجند كعوش وأبوجريشة في الامن العام.

عيد العمال ووصفي

وتنهض هنا ذاكرة اليساري السبعيني نبيل صالح شقير احد اليساريين القدامى من كوادر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين سابقا الذي قال ان الشهيد وصفي التل هو اول من أقرَّ ان يكون عيد العمال عطلة رسمية في نهاية الستينيات من القرن الماضي، حيث كان اليسار له حضوره في تلك الحقبة وكان الجميع يحتفل بالعيد وتلقى الخطب، مؤكدا ان الشهيد التل كان يحرص على مشاركة العمال احتفالاتهم ويعمل معهم واكثر ما كان يسعده ان يقوم بزراعة الأرض مع العمال. وأضاف: أن وصفي كان الداعم القوي لمن كان يسميهم ابناء الحرّاثين وهم البسطاء من ابناء الريف الذين يذكرون جيدا كيف وقف الى جانب الفلاح، ودعم الحفاظ على الرقعة الزراعية، وكيف كان يحدث الفلاحين بلسانهم البسيط وبطبيعته الاربدية النقية، ويجالس القرويين على ابواب دكاكينهم.. وهو الذي كان يحرص على زيارة صغار المزارعين في مواقع عملهم، يناقشهم ويستمع لهمومهم ومطالبهم.. بل انه يرشدهم في كيفية زراعة محصولهم، فهو ابن الأرض الذي يعرف انها تعطي من يعطيها

شهادات الكبار

* اعتبر رئيس الوزراء الاسبق الدكتور معروف البخيت تجربة الشهيد وصفي التل وفكره العسكري تمس تاريخنا الوطني والمواقف التاريخية للاردن، مؤكدا أن تجربة الشهيد ووضع فكره ومواقفه في سياق وطني، والتي لو تم الاخذ بها في حينها لتغير الكثير ولما وصلت الامة لما هي عليه الآن ، مشيرا الى أن الشهيد وصفي التل اعتبر أن أي «زعزعة» لأمن الاردن مصلحة للعدو الصهيوني، مؤكدا أن سيرة الشهيد التل ابتداء من نعومة أظفاره في بلدة عرب كير في شمال العراق ومرورا بمراحل دراسته وانضمامه الى جيش الانقاذ والمعارك التي خاضها وأثر هزيمة العرب في حرب 1948 والمراجعات الشجاعة والجريئة التي قدمها الشهيد حول أسباب الهزيمة في حينها، تؤكد حقيقة الرجل ومدى شجاعته ووطنيته وصدقه وثباته على مواقفه المشرفة الخالدة في تاريخ الوطن والأمة.

** العين عبدالهادي المجالي قال: أنا إذْ عرفت الشهيد وصفي التل بحكم علاقته بشقيقي عبدالسلام المجالي وعبدالوهاب «رحمه الله»، فإن لي تجربة شخصية معه عندما كنت قائدا لسلاح الهندسة، حينها استدعاني الى اجتماع حكومي، وطلب مني أن أنشئ سوقا في العقبة، فسألني: كم من الوقت تحتاج لبناء السوق؟ فأجبت: ثلاثة أشهر، فنظر الى أحد وزراء حكومته، وقال: ألم تقل إنك تحتاج الى سنة ونصف السنة، فعاد بنظره وطلب مني أن نبدأ من فورنا في العمل، فنفذنا المشروع وعدة مشاريع أخرى. وأضاف المجالي: كان الشهيد التل يثق تماما بقدرات ابناء القوات المسلحة على تنفيذ المشاريع بكافة المحافظات لإيمانه دوما بأنهم على قدر المسؤولية الوطنية.

** رئيس الديوان الملكي الأسبق وزير الإعلام في حكومة الشهيد التل عدنان أبوعودة قال: الحديث عن وصفي ليس أمرا سهلا، تعرفت إليه العام 1966 في معركة السموع وبقيت الصلة وزادت عمقا بعد حرب حزيران 1967.

وبين ابوعودة ان وصفي شخصيه جدلية مركبة متعددة الأبعاد صاحب رؤية، وكان ينظر الى رئاسة الحكومة أنها تعني قيادة وإصلاحا وليس تميزا اجتماعيا، مشيرا الى أن الشهيد التل كان يريد تنظيم العمل الفدائي كورقة ضغط على إسرائيل كما كانت قناة السويس ورقة ضغط لمصر.

** الوزير السابق/ السفير الأردني في إيران حاليا الزميل عبدالله أبو رمان قال: إن الشهيد وصفي التل كان رجلا بتفكير علمي ويرفض تسمية نكبة ونكسة ويصر أنها هزيمة، مبينا أن اغتيال وصفي كان اغتيالا لمشروع مجابهة العدو الصهيوني.

** الوزير الأسبق مروان دودين قال : فور وصول نبأ استشهاد وصفي التل.. كان الإذاعيون الكبار.. أكبرهم وأشدهم عاطفة وبراءة المرحوم «إبراهيم الذهبي»، جميعهم النجباء إنهم هنا.. عدت إلى مكتبي بالاذاعة.. فهجموا على المكتب يقدمون التعازي لأنفسهم ولي بوقار واحترام.. شددت حيلي ووقفت خاشعا لموقف جليل رافعا رأسي بمؤسسة عظيمة تمثل الوطن أفضل تمثيل، كان من أعظم بُناتها وصفي التل، وكيف لا أرفع رأسي ولي شرف إدارة مؤسسة كان هو يوما رئيسها وقائدها.

** العلامة الدكتور ناصر الدين الأسد: وصفي كان يرى قضية فلسطين هي قضية الأردن وقضيته الشخصية وقضية كل عربي، مؤمنا إيمانا جازما أن الحل الوحيد هو خوض غمار الحرب دون تباطؤ، مشيرا إلى أن وصفي كثيرا ما كان يردد الحرب ضرورية الان.. الان وليس بعد حين، مرددا أيضا أن الوقت ليس في مصلحتنا إذ ربما تحدث أحداث ووقائع تستغلها إسرائيل لمصلحتها، فيزداد الأمر تعقيدا على العرب، لا سيما أنه كان ينعت الوجود الصهيوني في فلسطين بالسرطان الذي يجب استئصاله واقتلاعه من جذوره.

** الوزير السابق حمدي الطباع : في هذه المناسبة نتذكر وصفي الفتى الأردني العربي، المتقد حماسا لقضايا أمته، وفي مقدمتها قضية فلسطين، فلم يكتف بالتنظير كما فعل الكثيرون، بل سارع بدون تردد لينخرط في صفوف المتطوعين العرب في جيش الانقاذ في حرب العام 1948، وتولى قيادة فوج اليرموك الرابع في جيش الإنقاذ، ليشارك في الدفاع عن أرض فلسطين العزيزة على قلبه وقلوب العرب والمسلمين كافة، وبقي حتى آخر حياته يؤمن أن المقاومة هي السبيل الوحيد لاسترجاع فلسطين.

البيان الوزاري لحكومته

ألقى رئيس الوزراء «الشهيد» وصفي التل البيان الوزاري لحكومته الأخيرة، أمام مجلس النواب الأردني، لنيل الثقة على أساسه، وفيما يلي أهم ما جاء في بيانه :

ــ إن واجب الحكومة الأول هو ترجمة كتاب التكليف السامي الى برامج عمل متصلة وخطط تنفيذية وتطبيقية ،فبياننا لن يأتي بفتوحات في الخطط والبرامج ولن نأتي بالخوارق ولا بالمعجزات، والحكومة لن تنزلق في طريق الإسراف بالوعود، فهي تؤثر أن تتعهد بالقليل الذي تقوى على تنفيذه كله.

ــ إن أسوأ أنواع الحكم في هذا العالم هو الحكم الذي لا يعرف ماذا يريد، ولا يمتلك اهدافا يسعى الى تحقيقها، عندها يتحول الحكم الى عصابة إو الى تكية للتنابلة أو إلى أضحوكة وهزؤ في اعين الكثيرين.

ــ إن أخطر الآفات التي تؤديعادة الى تآكل الحكم في أي بلد هي القوقعة أوالتحجر ولعل تلك القوقعة وذلك التحجر هما خير سماد يساعد على تكاثر الفساد واستشراء الانتهازية وانتشار الارتزاق وتمرد الجهل وتسلط الانحراف.

ــ نحن في الأردن نحمل من التخلف مثلما يحمل إخواننا وأشقاؤنا، وعلى الحكم أن ينضو عن الحياة الأردنية كل ثيابها البالية وينزعها عنها، مثلما عليه أن يعيد خلق الحياة، بل أن يعيد خلق الإنسان فوق أرضنا،ويبدأ بخلق الدولة الحديثة في الأردن المعاصر.

ــ إن حبنا للأردن واعتزازنا بالتراث والتقاليد يجب ألا يقعدنا عن ملاقاة النداءات الايجابية لثورة العصر ومواجهتها بما تتطلبه من تكيف صادق وتطور حقيقي وسليم ، إلا أن قراراتنا ومواقفنا ومعاركنا يجب ألا تجيء في أية حالة مبسترة او مرتجلة او جاهلة.

ـ يجب ألا نتردى في مواقف تجعل من السهل حتى على اولئك الذين ثبتت ادانتهم وانكشف فقرهم الخلقي والفكري ان يتهموننا بما ليس فينا وليس من شيمنا وخصائصنا ، وعلى الرغم من أنهم الحكم الاول في تحركه لتحقيق رسالته ينبغي ان يكون التفاهم والاتفاق والتلاقي، فإن من الواجب ان يقيم الحكم كل خطواته على اسس من الوضوح والثقة والإخلاص والحفاظ على شخصية الاردن وذاتيته القومية.

ـ ان الوحدة الوطنية ستظل بعيدة عن أي مضمون حقيقي ما لم تتوافر بالعمل لا بالقول وفي كل نبضة من نبضات الحياة العامة، سيادة حقيقية للنظام والقانون وغزارة دائمة في الانتاج وتمسكا مخلصا بالأهداف القومية العليا.

ــ إن الخدمات ستؤمن بحسب الإمكانات المالية المتوافرة وضمن تخطيط عادل للأولويات مبني على دراسة موضوعية للاحتياجات وبالطبع سيستدعي ذلك نظرة قاسية على الانفاق بحيث تزول نهائيا النفقات الترفيهية والكمالية، ونتأكد ان مال الدولة لن تطاله يد التبذير أو الاسراف أو الضياع او الخيانة، ويستدعي ذلك نظرة جديدة على واردات الدولة ومستواها وطرق تحصيلها.

ـ ان كل قروض العالم ومساعداته لا تكفي لبناء الوطن وتشييده وانما يبنى الوطن ويشاد بعرق المواطنين وتضحياتهم ، بسواعدهم الملتفة وعزائمهم المتحدة، بسهرهم الدائب وتعبهم الموصول، بارادتهم التي لا تقهر وايمانهم الذي لا يضعف ولا يلين.

ــ ان المواطن الذي يعيش في امن حقيقي هو وحده القادرعلى العطاء وهو الذي يعرف كيف يموت بشجاعة في سبيل بلده وقضيته، اما المواطن الذي يعيش في الرعب والفوضى فلا يملك شيئا يعطيه لبلده او قضيته او حتى لأحد من الناس.

ـ إن عدتنا الحقيقية هي في وعي المواطن وادراكه وايمانه بنفسه وبلده وقضيته، وفي تصميمه على ان يبني لا أن يهدم، وأن يعطي لا أن يأخذ، وبالتالي أن ينتصر لا أن ينهزم.

آخر كلمات الشهيد

وهنا.. فإن الكلمة التي ألقيت في مجلس الدفاع العربي المشترك بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة في 28 تشرين الثاني 1971 وتعد هذه الكلمة من آخر الكلمات التي كتبها الشهيد وصفي التل حيث استشهد في ذلك اليوم المشؤوم، وقد قال التل فيها:

«التقرير الذي قرئ علينا تقرير واقعي يعتمد على الحساب وعلى العقلانية ويثير بعض الأمل ويبصرنا بحقيقة أن مجموعة الجهد المحشود للمعركة أقل بكثير مما تستحقه المعركة، والتوقيت يعتمد على الجهد المحشود وهذا لا يعني مطلقاً السكوت على العدوان، ومن واجبنا جميعاً الدخول في المعركة بالامكانيات المتوافرة لدينا، والتقرير يبين ان عنصر الوقت عملية مهمة لو توافر المال والمعدات ، ولا ينفع من أجل المعركة ان تكون جبهة قوية متكاملة وأخرى غير قوية متكاملة، فتكامل الجبهات امر ضروري من ناحية التساند العام والآخر الاكتفاء الذاتي لكل جبهة لكسب الوقت في المناورة في داخل الجبهة المعينة، وهذا يحتاج الى اجتماع عربي على اعلى مستوى وفي غاية الالحاح وفي غاية الاهمية. ومن واجبنا ان نضع خطة للتخطيط وخطة للتزويد وخطة للمعركة ، والتخطيط بحاجة الى قيادة سياسية وعسكرية ويجب أن يكون جهدنا في المعركة حقيقيا وصحيحا ومحسوبا وليس جهدا وهميا، واي خطأ يرتكب في أي جبهة ينعكس علينا جميعا وعلى المجهود العام .

ويؤسفني أن أقول إنه رغم محاولة الاردن المتواصلة للوصول الى خطة عمل مع المقاومة لغايات التثوير ، فحتى هذه اللحظة لم نصل الى اي اتفاق ولكني ما زلت واثقاً اننا نستطيع الوصول الى اتفاق لحظة التثوير وهي خطة فنية معتمدة اساساً على مقررات مجلس الدفاع الموقر واعتقد ان قضية التثوير للاراضي المحتلة اذا احسنَّا تنفيذها فلدينا الرجال ولدينا المعدات والقدرات الفنية ولدينا التصميم والارادة على انجاحها واذا نجحت سيكون لها مردود كبير قد يغير الموقف العام».
.

قد يعجبك ايضا