متخصصون: اقتصار موافقة الأب على التدخل الطبي يعرض الأبناء للموت

33

93439_1_1416697979

حصاد نيوز – لم تجد توسلاتها ونصيحة طبيبة الأطفال بإقناع زوجها في إبقاء طفلهما الصغير “علي” (اسم مستعار) في المستشفى لتلقي العلاج، نتيجة إصابته بجرثومة قد تكون قاتلة في حال عدم معالجتها بصورة سليمة.

فقد أُدخل علي مستشفى حكوميا بعد ثمانية أيام على ولادته، وشخص بأنه مصاب بجرثومة في الدم، تستدعي علاجا وريديا لمدة لا تقل عن خمسة أيام، لكن والده قرر بعد يومي علاج إخراجه من المستشفى، بعد ظنه بأن وضع ابنه الصحي قد تحسن.
الأب برر قراره حينها، بأنه غير قادر على رعاية أبنائه الاربعة الموجودين في المنزل، بحيث اشترط المستشفى وجود مرافق للطفل (الأم)، وأصر برغم نصيحة الطبيبة وتوسلات زوجته باستكمال العلاج، على موقفه.

وهناك، في المنزل، ساءت حالة علي وعاد به والده للمستشفى “لكن عودته كانت متأخرة، فبعد ساعات فقط لفظ (علي) أنفاسه الأخيرة مودعا عالما لم يعش فيه سوى أيام قليلة”.

قانونيا، يحق للأب بصفته ولي الأمر إخراج طفله المحتاج للرعاية الصحية من المستشفى بعد التوقيع على ورقة تنص على أن “خروج الطفل من المستشفى على مسؤوليته”، ولا يؤخذ في مثل هذه الحالات “بإرادة الأم أو نصيحة الطبيب”.

الأمر ذاته ينسحب على أي إجراء طبي، ما يتوجب قانونيا توقيع وموافقة ولي الأمر، أي الأب، فالجد لجهة الأب ثم العم، ولا يؤخذ بموافقة الأم أو الجد لجهة الأم أو الخال.

قضية “علي” واحدة من مجموعة قضايا وصلت عقب قضية الطفل “قيس” التي نشرتها الصحيفة الشهر الماضي، وتوفي نتيجة “رفض والده التوقيع على اجراء تدخل جراحي له فور ولادته”.

وبحسب اطباء، فإن النص القانوني وعدم الأخذ بموافقة الأم، يتسبب بمعاناة كبيرة للأطفال المحتاجين للتدخلات الطبية والجراحية، خصوصا في الحالات التي يقيم فيها الأب في بلد غير مكان إقامة زوجته وأبنائه، وكذلك في حالات الطلاق
أو في حال كان الأب متوفى.

وروت أم فادية (اسم مستعار) معاناتها في توفير الرعاية الطبية لابنتها (30 عاما) المصابة بإعاقة عقلية، خصوصا بعد تخلي زوجها عنها وعن أبنائها لرفضه إعاقة ابنته.

وقالت الأم “اكتشفنا أن ابنتي منذ ولادتها تعاني اعاقة عقلية شديدة، ما تسبب بمشاكل بيني وبين زوجي انتهت بالطلاق”، مبينة أنه “قبل بضعة اعوام اصيبت ابنتي بورم في الأذنين، ما يتطلب إجراء تدخل جراحي”.

ولفتت الى أنها توجهت لمستشفى حكومي لإجراء العملية “لكني فوجئت بشرط موافقة والدها، كون ابنتي فاقدة للأهلية العقلية، فحاولت مرارا الاتصال بوالدها، لكنه رفض التوقيع وقال إنه غير مسؤول عن ابنة معاقة”.
وأضافت “نتيجة لتأخر إجراء العملية، فقدت ابنتي السمع، وبعدها خضت معركة طويلة في أروقة المحاكم، مكنتني من انتزاع وصاية طبية مؤقتة على أبنائي”.

استشارية طب الأطفال في مستشفى البشير الدكتور باسمة مرار قالت “واقعنا العملي يشهد عدة حالات لأمهات يصطحبن اطفالهن للمستشفى، لكن الاجراء الجراحي يتأخر أحيانا، نتيجة الحاجة لموافقة ولي الأمر”.

وبينت مرار ان “غالبية تلك الحالات، يكون الاب فيها خارج البلاد أو لعدم وجود أوراق ثبوتية مع الأم، أو أن يكون الاهل على خلاف أو مطلقين”.

وحول تسلسل الإجراءات، أوضحت أنه “في حال لم نتمكن من الحصول على موافقة الأب أو العم أو الجد، نتصل فورا بالمدعي العام لأخذ الموافقة على الإجراء الجراحي، وبالتالي يحصل الطبيب على الغطاء القانوني، خصوصا أن العمليات الجراحية الكبرى لها آثار وتبعات محتملة على المريض”.

وتابعت “أحيانا يأخذ الأطباء على عاتقهم إجراء التدخل الطبي لحين ورود موافقة المدعي العام أو وصول الأب، وبالطبع في هذه الحالات هناك مسؤولية قانونية على الطبيب، لكننا نقوم بذلك تجاوزا”.

وبحسب المادة 62 من قانون العقوبات “لا يعد الفعل الذي يجيزه القانون جريمة في العمليات الجراحية والعلاجات الطبية المنطبقة على اصول الفن، شرط إجرائها برضا العليل أو رضا ممثليه الشرعيين أو في حالات الضرورة الماسة”.
وأشارت مرار إلى أن “الإشكالية التي يواجهها الأطباء لا تنحصر فقط بإجراء تدخل جراحي، ولكن هناك حالات يقرر فيها الأب (ولي الأمر) إخراج ابنه قبل استكمال العلاج، ما يكون له تبعات صحية خطرة على الأطفال قد تصل حد الوفاة”.
وأضافت “قانونا لا يحق للطبيب منع ولي الأمر من إخراج طفله، ولكن للأسف، شهد المستشفى حالات تم فيها إخراج الطفل على عاتق الأب، وعاد الطفل بعد أيام ليلفظ أنفاسه الأخيرة في المستشفى”.
وقالت مرار “من واقع خبرتي العملية، فإن الأم هي الشخص الأكثر وجودا مع أطفالها والأكثر قدرة على توفير الرعاية الصحية، واتخاذ القرار المناسب بشأنهم”.

من ناحيته، قال الباحث والمفكر الإسلامي الدكتور حمدي مراد إن “الله نظم حياة الأسرة وجعل القوامة والولاية للزوج مع المشاورة والتعاون التام بين الزوجين، ومن هذا التعاون ان يمنح الزوج لزوجته بعض صلاحياته”. وتابع “في
حالات مرض الابناء، قد يكون الأب مشغولا أو مسافرا، ما يعني بالتالي عدم قدرته على ممارسة او تنفيذ ولايته على أبنائه”.

وأوضح “قطعا، الاسلام لا يقبل أن تصبح الولاية أو القوامة ظلما وقهرا وضياعا للأسرة، وحينئذٍ وجب على الزوج إعطاء زوجته تفويضا لاتخاذ القرار المناسب، ولا يشترط أن يكون التفويض مكتوبا”.

واعتبر مراد أن “على الدولة تنظيم قانون يتناسب مع ذلك، وهذا الأمر يحتاج لوقفة جادة بالمفهوم الشرعي والقانوني، تضمن سلامة الأسرة وحمايتها من الظلم”، موضحا أن “مقاصد الشرع تحتم ترتيب وتنظيم هذه الامور بموجب قوانين وأنظمة وتعليمات”.

من جانبه سعى الفريق الوطني لحماية الأسرة من العنف لإطلاق حملة كسب وتأييد لإعادة النظر في “الوصاية الصحية على الأطفال القصّر”، لضمان تحقيق المصلحة الفضلى للطفل.

وكباكورة لتلك الجهود، عمل الفريق على تنظيم ورشة عمل تجمع الأطراف المعنية، الحكومية وغير الحكومية لبحث ما يحكم هذا الجانب من تشريعات.

وبحسب الأمين العام للمجلس الوطني لشؤون الأسرة فاضل الحمود فإن “المجلس طالب في العام 2009 بكتاب رفعه إلى وزارتي العدل والصحة، تعديل التشريعات الحالية، لتسمح باعتماد موافقة الأم على اتخاذ إجراءات طبية وجراحية للأبناء من القاصرين، فيما تشترط التشريعات الحالية موافقة الأب أو الجد للأب أو العم”. واعتبر الحمود ان “ما جرى في قضية “قيس” وغيرها يدل على وجود فجوة وخلل في تقديم خدمات الرعاية والحماية للأطفال المحتاجين لها، أكان ذلك في التشريعات أو الإجراءات الطبية أو الحماية”.وأضاف “هناك أيضا حاجة ماسة لضمان سرعة الاستجابة في حالات الأطفال المحتاجين للحماية والرعاية بما فيها الطبية”.

بدورها، شددت الأمينة العامة للجنة الوطنية لشؤون المرأة سلمى النمس، على وضع آليات لضمان سرعة الاستجابة في الحالات المحتاجة للحماية.

وقالت “نقدر الجانب الشرعي في ما يخص الولاية على الابناء، لكن الأم أكثر دراية واهتماما بشؤون أطفالها، ومن هذا المنطلق يجب تعديل القانون بما يضمن توفير الوصاية الصحية والطبية للأم على اطفالها”.

قد يعجبك ايضا