شهادة جندي عراقي نجا من هجوم «داعش» على قاعدة سبايكر

35

News-1-112622

حصاد نيوز – منذ أن عاد (محمد عبيد 23 عاماَ) الى بلدته (الشطرة)، جنوب بغداد بـ 300 كم وهو يخسر من وزنه كل اسبوع بضعة كيلوغرامات.. فشهيته للطعام انعدمت وساعات نومه صارت تقارب الـ 15 ساعة يومياً وعرف طريق العلاج النفسي لأول مرّة.

فمحمد كان قد قرر الإلتحاق بالجيش العراقي، الذي يؤمن راتب مستقر(800$ شهرياً)، على أمل أن يمضي خدمته في محافظته وقرب مدينته مثل باقي الجنود؛ إلا أن حظه عاكسه، فتم نقله مباشرة إلى قاعدة سبايكر في تكريت (شمال بغداد 210كم)، حيث قضى عدة أيام قبل أن يهاجم “تنظيم داعش” على الموصل في 8 حزيران الماضي.

جراء الهجوم، وفدت على قاعدة سبايكر اعداد كبيرة من الجنود العائدين من الموصل، بعد ان فقدوا وحداتهم، كان اكثر الوافدين الى القاعدة من الفرقة الثالثة (أي الشرطة الإتحادية) وألوية حرس الحدود السادس والخامس عشر، وفقا لـ”محمد” الذي روى لـ”العرب اليوم” تفاصيل ما جرى بقوله ” كان هاتفي الشخصي لدى نقطة حراسة المُعسكر، فما كان بإمكاني التواصل مع عائلتي”.

“فوضى عارمة”، اجتاحت معسكر الجنود المستجدين، الذي كان سابقاً قاعدة أمريكية سميت على اسم أحد طياري الولايات المتحدة، بحسب عبيد الذي قدّر تعداد الموجودين في المعسكر بأكثر من الـ 7000 جندي في مقابل عدد من الضباط لا يتجاوز 90، “كان القاسم المشترك بينهم جميعا أن احدا لا يعرف وحداته أين انتهى بها الأمر”.

صادف محمد أحد ابناء بلدته هناك وقرر الإثنان ان يخرجا الى الطريق العام لاستئجار سيارة توصلهم الى سامراء، التي مازالت بيد القوات العراقية، حسب ما قاله، وبالرغم من تحذيرات نقاط الحراسة إلا أن الجنود كسروا مخازن السلاح وأخذوا معهم بضعة بنادق لكن سرعان ما طوّقتهم مفارز متحركة لمسلحي تنظيم داعش وأمرتهم بإلقاء السلاح، كان هذا على بعد كيلومتر واحد من قاعدة سبايكر.

في 13 حزيران 2014 جمع مسلحو التنظيم الجنود المتسربين بالآلاف وقرروا أن ينقلوهم الى مكان يدعى(القصور الرئاسية) على ضفة النهر (وهناك حدثت المذبحة الشهيرة التي انتشرت على موقع تبادل الفيديوهات “يوتيوب” والتي ظهر فيها قتل أكثر من 200 جندي إعداماً بطلقة في الرأس ثم رميت جثثهم في النهر).

عبيد، الذي عبرت تقاسيم وجهه عن استعادته لبشاعة المنظر، أضاف أن بعض مقاتلي التنظيم كانوا يتحدثون “لغة أجنبية أو أوروبية” لم يستطع تمييزها.

في تلك اللحظة (أي لحظة الاعدامات)، يقول محمد أنه تهامس وزميله أن عليهما القفز من سيارة النقل في الطريق، “لم نحتمل مشهد الضباط المقتولين” يقول عبيد وعلى وجهه علامات عميقة بالخوف والالم، يصمت لثوانٍ ثم يضيف “قفزنا فتبعنا العشرات”، ما بدأ على اثره إطلاق النار.

عبيد اصيب، زميله قتل.. وكل الفارّين جمعوا من جديد، وأخذوا إلى ساقية طويلة، فيها ما يربو على مئة جثة، حسب تقدير عبيد، الذي اضاف “هذه المرة تم اطلاق النار على الجميع وكان الوقت ساعة غروب” معتبرا ان ما حماه كان “صوت طائرة في السماء” الذي جعل مقاتلي التنظيم يسرعون في الرمي، ليقع هو تحت جثة حمت ظهره من الإطلاقات النارية وخرج بيد مكسورة اخترقتها طلقة رصاص.

عبيد يؤكد انه ظل على حاله، حتى شعر بحلول الظلام، وبدأ يحس ببرودة الجثث فوقه، ليبدأ بالحركة ويفاجأ بعدد من الناجين، موجودين ايضاً تحت الجثث. “كنا 13 شبحا” حسب ما اعتبر عبيد نفسه وزملاءه، بدؤوا يشقون طريقهم في الظلام، تواطؤوا قسرا على الهدوء والصمت وعدم اثارة اي حركة قد يلتفت اليهم اي مجهول في الصحراء.

ساروا بهدوء، حتى استوقفهم مسلح لم يعرفوا عنه سوى أن لهجته عراقية، “لم يقتل منا احدا وانما اخذنا ليخبئنا في مزرعة”، الامر الذي استمر لمدة عشرة أيام، سمح لهم فيها ان يتصلوا بأهاليهم دون ان يذكروا مكانهم او حالتهم.

“لم نكن نأكل هناك إلا الخبز والماء وبعض الخضار حتى انقضت الـ 10 أيام”، حسب تعبير محمد عبيد، الذي قال انه بعد ذلك هرّب وزملاءه باتجاه كركوك، بعد أن أخذ مضيفهم ما يقارب من 700 دولار عن كل شخص تمكن من تهريبه.

محمد اليوم، الذي لم يتحدث عن قصته كثيرا، لا يزال يهزل ويتلقى العلاج، خصوصا وهو الذي بات في يده “تعطّل” اثر الرصاص الذي تلقاه عليها.

في وزارة الدفاع، أكد مصدر أن عدد الضحايا من قاعدة سبايكر لم يعرف لغاية الآن كون مدينة تكريت مازالت “ساحة عمليات عسكرية” إلا ان القاعدة نفسها لم تخرج من سيطرة الجيش العراقي. في المقابل، تعمل لجان الحكومات المحلية في محافظتي الناصرية والديوانية، بناء على الشهادات، على احصاء المفقودين والتمييز فيما لو كانوا فقدوا من سبايكر ام من وحدات عسكرية اخرى، لكن الارقام الدقيقة تتحدث من هاتين المحافظتين عن اكثر من ألفي مفقود.

تجدر في السياق الاشارة إلى أن رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي حين تسلم القيادة العامة للقوات المسلحة كانت أولى قراراته بأن سرّح كلا من: الفريق عبود كنبر معاون رئيس اركان الجيش، والفريق علي غيدان قائد القوات البرية، وكذلك قائد عمليات صلاح الدين الفريق علي الفريجي، ليلتحقوا بـ 59 ضابطاً سبق أن سرحهم نوري المالكي قبل أن يخرج من رئاسة الوزراء، ما يمكن ربطه بوجود “كارتلات عسكرية” تسند بعضها البعض في صفوف الضباط الكبار.

“سبايكر ستكون اسماً لا ينسى في مسلسل العنف العراقي ومحطة لا يمكن تخطيها حين تتم مراجعة تشكيلات الجيش العراقي والطريقة التي جرى بها بناء القوات المسلحة بعد عام 2003″.

العرب اليوم

قد يعجبك ايضا