جدّة الطفل ” قيس ” الموجود في ثلاجة الموتى منذ 15 يوماً تكشف جوانب جديدة ومعقدة في القضية
حصاد نيوز – ثلاجة الموتى في مستشفى الأمير فيصل الحكومي، التي يرقد فيها الرضيع، صاحب الاسم المستعار (قيس)، لم تقف حائلا دون تطور قضيته التي اتخذت منحى آخر، قد لا تكون نهايته في دهاليز المحاكم وأروقتها فقط.
فبعد أيام قليلة فقط من نشر قصة (قيس) التي انفردت بها “الغد” في عددها الأحد الماضي، تحركت والدته في مسعى منها لرفع دعوى قضائية ضد الأب بتهمة “القتل القصد عن طريق الامتناع عن إعطاء الموافقة الطبية لإجراء تدخل جراحي”، بحسب المحامي في مركز العدل خالد أبو صفية”.
وفي الأثناء، و”رغم مرور أسبوع على وفاة (قيس)، إلا أن اياً من ذويه لم يتقدم لتسلم جثمانه بعد”، بحسب اختصاصي الطب الشرعي في مستشفى الامير فيصل الدكتور رجائي الشوحة، الذي أشار إلى أن إدارة المستشفى “استدعت أسرة الأب التي رفضت بدورها تسلم الجثمان”.
وأضاف الشوحة أنه “في حال بقي الجثمان في المستشفى لمدة 15 يوما، فسيتم بعدها دفنه بقرار رسمي وعلى نفقة بلدية الزرقاء”، مشيرا إلى أنه “لم يتم تشريح جثة الطفل، كونها وصلت إلى المستشفى مع تقرير مفصل عن أسباب الوفاة”.
واستنادا للتقرير الطبي، فإن الطفل كان بحاجة “لتدخلات طبية غير متاحة في المستشفى الخاص الذي ولد فيه، وجرت محاولات لنقله إلى مدينة الحسين الطبية، لكن امتناع ولي الأمر عن الموافقة حال دون نقله إلى هناك”.
هذا وقد كشفت جدة الطفل قيس ، جوانب جديدة ومعقدة لقضية حفيدها، الذي تبين أن والدته قد أطلقت عليه فعلا اسم “قيس”، وهو ذات الاسم المستعار الذي اختارته كاتبة التقرير.
وتقول الجدة “اضطرت ابنتي (17 عاما) لدخول المستشفى لإجراء ولادة قيصرية طارئة، في بداية الشهر التاسع، بعد أن أبلغها طبيب النسائية أن الحمل بات يشكل خطرا كبيرا على صحتها، مع ارتفاع إمكانية حصول انفجار في الرحم”.
وتابعت “بالفعل تم إجراء الولادة القيصرية، وبعدها تبين وجود ماء في رئتي الطفل، وانسداد داخلي في فتحة الشرج، الأمر الذي تطلب تدخلا طبيا فوريا ونقله إلى العناية المركزة”.
وبينت أن الكادر الطبي في المستشفى كان متفهما لحالة الطفل، وعلى رأسه طبيبة الأطفال سماح الجبور، التي أبدت استعدادا تاما لأخذ كافة الإجراءات اللازمة لإنقاذ حياة قيس، “لكن اصطدمنا برفض الأب التوقيع على الموافقة لاتخاذ الإجراء الطبي”.
وتابعت “تم التواصل مع الخدمات الطبية الملكية، لنقل قيس إلى مدينة الحسين الطبية أو مستشفى الملكة علياء، لكن موافقة ولي الأمر وقفت عائقا امامنا مرة أخرى، رغم تأكيدات الفريق الطبي أن للطفل فرصة جيدة بالبقاء على قيد الحياة”.
وتقول “لم تنصف التشريعات والقوانين قيس، رأيته طفلا جميلا يموت أمامي ببطء شديد، تحمل آلاما كبيرة، يصعب على البالغ تحملها”.
وزادت “لم نتمكن حتى من توفير وحدات دم له لإنقاذ حياته، فبنك الدم اشترط أن يتم تزويده بالرقم الوطني للأب، وصورة عن دفتر العائلة، في وقت كان زوج ابنتي يستغل معاناة طفل لا حول له ولا قوة كأداة لحرق قلب ابنتي”.
وتزيد “الكل ظلم قيس بداية من والده إلى التشريعات الظالمة، إلى الجهات الرسمية التي وقفت متقاعسة عن إنقاذ حياة طفل”.وتتابع “للأسف رغم أننا طرقنا أبواب مسؤولين إلا أن احدا منهم لم يقم بواجبه بإنقاذ حياة قيس”.
تسعى الجدة إلى التوجه غدا إلى مستشفى الأمير فيصل، في محاولة لاستلام الجثة ودفنها في مكان قريب، يسهل على والدته زيارته، وتقول “لا أدري إن كانت القوانين التي منعتنا من إنقاذ حياته ستسمح لنا بدفنه؟!”
ومن وجهة نظر المحامي أبو صفية، فإن ما اقترفه الأب “لا يندرج ضمن مسمى الإهمال وإنما تحت بند القتل القصد”، الأمر الذي حدا بوالدة الطفل للسعي إلى “رفع دعوى قضائية ضد الأب بتهمة التسبب بوفاة الطفل نتيجة امتناعه عن الموافقة على إجراء التدخل الطبي”.
وأوضح أبو صفية أن “الإهمال هو إلحاق الأذى بشخص دون قصد، أما ما جرى للطفل (قيس) فهو “تمنع مقصود لإنهاء حياة رضيع غير مرغوب فيه من قبل الأب”.
واعتبر أنه “كان من الواجب على المستشفى أن يقوم بالإجراء الطبي دون انتظار الموافقة، كون الحالة تستدعي تدخلا طبيا فوريا”.
بيد أن المستشار في الطب الشرعي، والخبير في قضايا العنف الدكتور هاني جهشان يخالف أبو صفية الرأي، مبيناأن المادة 2 من الدستور الطبي تنص على أن “كل عمل طبي يجب أن يستهدف مصلحة المريض المطلقة وأن تكون له ضرورة تبرره، وأن يتم برضائه أو رضا ولي أمره إن كان قاصرا أو فاقداً لوعيه”.
ولفت جهشان أيضا إلى المادة 62 من قانون العقوبات والتي تنص على أنه “لا يعد الفعل الذي يجيزه القانون جريمة. ويجيز القانون العمليات الجراحية والعلاجات الطبية المنطبقة على أصول الفن، شرط أن تجرى برضا العليل أو رضا ممثليه الشرعيين أو في حالات الضرورة الماسة”.
وحول تعريف مصطلح “حالات الضرورة الماسة”، يوضح جهشان أنه يعني “إذا لم يتدخل الطبيب لحظيا تحصل الوفاة” مثل النزف الدموي الحاد بسبب طعن سكين بالصدر أوحادث سير أو تمزق الرحم إثر ولادة منزلية متعسرة إلخ…”.
وبحسب جهشان، فإن “حالات الضرورة الماسة” غير متوفرة في حالة الرضيع (قيس)، لأن الخطر الكامن “المتوقع خلال أيام وليس خلال اللحظة”.
وأكد أنه في حالة (قيس) كانت موافقة ولي الأمر حتمية لأنها تتعلق بنقل الطفل إلى مستشفى آخر تتوفر لديه إمكانات إجراء العملية.
لكنه أضاف مستدركا، بالقول “كان من المفروض أن تقوم جهة حكومية بذلك بالنيابة عن ولي الأمر (الأب) الذي تخلى عن ابنه”، بحيث يكون لهذه الجهة مرجعية قانونية بالحماية الاجتماعية للأطفال”، والمقصود هنا “وزارة التنمية الاجتماعية” بتطبيق المادة 31 من قانون الأحداث التي نص البند التاسع منها على “يعتبر محتاجا إلى الحماية أو الرعاية من كان معرضاً لخطر جسيم إذا بقي في أسرته”.
ولفت جهشان إلى أن قانون الأحداث يسمح بإجراء الحماية عاجلا وعلى مدار الساعة عن طريق مكاتب الخدمة الاجتماعية في إدارة حماية الأسرة أو مديريات التنمية الاجتماعية، “وعقب هذا الإجراء تصبح وزارة التنمية الاجتماعية المسؤولة المباشرة عن إجراءات علاج الطفل وتقديم الرعاية الطبية له”.
ودعا جهشان إلى التعامل مع حالات “الإهمال بتقديم الرعاية الطبية” للطفل، عن طريق إيجاد مرجعية تشاركية للقطاعات الطبية والاجتماعية والقانونية، لتحديد جذور المشكلة، بالاستناد لمبادئ المصلحة الفضلى للطفل.