إذا رحلت الحكومة!

24

113310_10_1412748371

حصاد نيوز-عاد الحديث في الأوساط السياسية، خلال عطلة العيد، إلى موضوع الأردنيين المفضّل عن رحيل حكومة د. عبدالله النسور قريباً. إذ تسوق النخب السياسية مؤشرات متعددة على ذلك؛ تبدو في ظاهرها مقنعة، لكنّها مفكّكة في بنيتها المنطقية، ومتناقضة!
هذه التكهنات السياسية تنبني على ثلاث حيثيات، لن أخوض في تفاصيلها، لكن بكلمات موجزة: في موضوع القانون المعدل لقانون التقاعد المدني، فإنّ المسؤولية تقع على السلطة التشريعية (مجلس الأمة) بالدرجة الرئيسة، ولم تكن الحكومة تملك القدرة على الوقوف في وجه ذلك. أما في موضوع الحرب على تنظيم “داعش”، فإن هنالك تضاربا في رؤية مراكز القرار في تعريف طبيعة المشاركة وحدودها. وفيما يتعلّق بموضوع ما عرف بـ”ذهب عجلون”، فقد كانت الحكومة آخر من يعلم، وتعوزها المعلومات والبيانات، لأنّ المسألة دخلت في اختصاص القوات المسلحة.
المسؤلية الجوهرية للحكومة عن الازمات السابقة تأتي من باب “الولاية العامة”، والمساءلة الأدبية والسياسية. وذلك هو الأصل الذي نطمح إليه، إلاّ أنّ الموضوعية تقتضي الاعتراف بأنّنا نتحدث عن أمر نظري، فيما واقعياً الأمر مختلف.
ليس الهدف من النقاش السابق الدفاع عن الحكومة أو إخلاء مسؤوليتها، بل المقصود إعادة ترسيم النقاش المفيد ضمن السياق الموضوعي الصحيح. وإذا كانت هناك مبررات لرحيل حكومة د. النسور، فثمة ما هو أهم مما سبق وأجدى. ولعلّ أهم ما فشلت الحكومة فيه هو أن تخرج البلاد من حالة الفراغ السياسي والدوران حول الذات والأزمات المتراكمة، وأن تعيد إنتاج الرسالة السياسية والإعلامية للدولة، وترمم الثقة المتآكلة المنهارة بينها وبين الرأي العام، وتستعيد سلطتها الأخلاقية المترنحة.
البعض يطرح سبباً أكثر وجاهة لرحيل الحكومة، يتمثّل في تغيير أجواء الملل الراهنة، وإشغال النواب والرأي العام بموضوع جديد، وتحريك المياه الراكدة. لكن ذلك يصطدم بالتوقيت أولاً، في ظل وضع إقليمي وداخلي حرج؛ وثانياً بالمعضلة الجديدة في المشهد السياسي، وتتمثّل في مدى وجود البديل المقنع، والالتزام الأدبي بمشاورة الكتل النيابية بشأن تسمية رئيس الوزراء، مع انفتاح شهية النواب أنفسهم على المشاركة في الحكومة، وعندها يبقى الخيار الأفضل لـ”مطبخ القرار” هو إبقاء الحكومة الراهنة واستمرارها.
من الضروري الاعتراف، هنا، أنّنا نتحدث عن مشكلة تتجاوز الحكومة الراهنة، إلى أزمة متراكمة كبيرة ترتبط بفجوة متنامية متجذّرة على صعيد الثقة بين الرأي العام والدولة. وهي بمثابة “ثقب أسود” حقيقي أدركت مراكز القرار خطورته مع قصة “ذهب هرقلة”، وشعرت بحجم المزاج الشعبي السلبي. وكشف استطلاع الرأي الأخير (لمركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية) عن أنّ المشكلة مع مجلس النواب أكبر مما هي مع الحكومات، وهذا أسوأ ما في الأمر؛ أي إنّ ثمرة التعديلات الدستورية والالتزام الجاد بالمضي نحو حكومة نيابية، كل ذلك اختُطف عبر قانون انتخاب جاء بالمجلس الراهن، الذي يدرك مطبخ القرار قبل غيره أنّه عبء على الدولة، وبرهان فاشل على مسار الإصلاح السياسي.
زبدة القول إنّ الرأي العام تجاوز تدوير الأسماء وتغيير الحكومات؛ فهو يبحث اليوم عن تغيير السياسات، وتقويم أسلوب الإدارة الذي أثبتت الأزمات الأخيرة أنه أصبح متقادماً وبالياً.
قد يعجبك ايضا